تحتل قضية مشكلات "تمويل" خطة خفض الانبعاثات مكانا بارزا في مناقشات مؤتمر المناخ المقبل في شرم الشيخ. وأولي تلك المشاكل هي إخفاق الدول المتقدمة في الوفاء بالتزامات عام 2009 بدفع مائة مليون دولار في العام للدول النامية. وهي القضية التي تعرض لها مؤتمر جلاسجو دون التوصل لحل حتي الآن. ولا مؤشرات علي التوصل له هذا العام.
بعض الدول النامية ومنها العديد من دول شرق آسيا. تطالب بتركيز أكبر علي قضية التمويل للتكيف مع آثار ارتفاع درجات الحرارة عالميا. وتذهب معظم مخصصات التمويل إلي مشاريع تخفيف الانبعاثات. مع التركيز علي مساعدة الدول النامية علي تقليلها. ولكن مع تفاقم أزمة المناخ في تلك الدول يصبح تمويلها ضرورة ملحة.
تتضمن اتفاقية باريس اعترافًا بالخسائر والأضرار المحتملة الناتجة عن تغير المناخ. حيث يكون خفض الانبعاثات وإجراءات التكيف غير كافية لمنع الضرر. في وقت لم يتم الالتزام فيه بالتعويض عن الخسائر. وفي مؤتمر المناخ بمصر ستدفع الدول النامية في اتجاه إلزام الدول المتقدمة بتوفير التمويل اللازم.
وفي الواقع. فإن الدول المتقدمة ساهمت بشكل كبير في تفاقم أزمة المناخ. وتستطيع الدفع من أجل تخفيف آثارها. وفي حين تتحمل الدول النامية المسئولية الأقل عن التغير المناخي. فإنها تعاني أكثر وغير قادرة علي الدفع للحد من تلك الآثار. ومع انعقاد مؤتمر المناخ COP27 في مصر بوصفها دولة إفريقية. تزداد التوقعات بأن تحتل هذه القضية أولوية كبيرة في المناقشات.
ويقول البروفيسور سليم الحق. مدير المركز الدولي لتغير المناخ والتنمية. إنه من وجهة نظر البلدان النامية. فإن قمة شرم الشيخ ستكون فاشلة منذ البداية إذا لم يتم وضع التمويل علي جدول أعمالها. وإن حاجة الحكومات للجلوس معا والتفاوض علي قرارات جديدة هي أقل أهمية بكثير من القيام بالأشياء في الواقع.
وتوقعت وكالة "بلومبرج" الأمريكية. أن تتفوق خسائر وأضرار تغير المناخ علي معظم الموضوعات الأخري في جدول أعمال قمة "COP27" التي تعقد الشهر المقبل في شرم الشيخ. وقالت الوكالة إن أزمة الفيضانات القاتلة في باكستان. والتي خلفت أزمة صحية عامة من شأنها أن تلفت الانتباه إلي مسئولية الدول الغنية في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في مصر "COP27".
ولفتت "بلومبرج" إلي أن وضع باكستان هو مثال علي أدلة جديدة قوية في الحجة الأخلاقية والسياسية لمنح تبرعات تغير المناخ. بالتزامن مع استعداد زعماء العالم لقمة المناخ السنوية للأمم المتحدة الشهر المقبل.
ومن المحتمل أن يكون هناك تركيز متجدد علي الخلاف طويل الأمد حول من يجب أن يدفع ثمن الدمار الناجم عن ارتفاع درجات الحرارة. حيث ستشمل الخطب والمفاوضات المغلقة دعوات لمدفوعات من البلدان عالية الانبعاثات ومعظمها أغني وأقل عرضة للخطر إلي نظيراتها منخفضة الانبعاثات التي تعاني من تأثيرات المناخ.
وتري مجلة "بوليتيكو" الأمريكية. أن التمويل هو مفتاح نجاح مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ "COP27". وأوضحت المجلة أن المستثمرين وصناع القرار يحتاجون لتوحيد جهودهم من أجل الاقتصاد الأخضر. أي تحقيق التنمية المستدامة بالحد من المخاطر والتدهور البيئي في الفترة التي تسبق المؤتمر. لافتة إلي توحيد الجهود لحماية رأس المال الطبيعي. وهو مجموع مخزون العالم من الأصول الطبيعية مثل الغابات وصيد الأسماك والمواد اللازمة لبناء المنازل والمعادن المستخدمة في الهواتف النقالة والمركبات الكهربائية.
وأشارت إلي أن سيمون ستيل. الأمين التنفيذي السادس لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية. بشأن تغير المناخ أو الأمم المتحدة لتغير المناخ لديه القدرة علي جمع صانعي السياسات والمستثمرين والمؤسسات المالية معا بطريقة أكثر تناسقا.
أوضحت "بوليتيكو" أن العالم أصبح مدركا لقيمة الطبيعة خلال الأشهر الأخيرة بالتزامن مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل كبير ويرجع ذلك جزئيا إلي النزاع الروسي-الأوكراني. لكن نقص الغذاء كان يتزايد بالفعل بسبب تأثير تغير المناخ.
وأشارت إلي أن الأمن الغذائي والقضايا المتعلقة بسلاسل الإمدادات الغذائية ترتفع الآن إلي قمة جدول الأعمال العالمية. فهناك حوالي 30 دولة فرضت قيودا علي تصدير المواد الغذائية خوفا من أن يؤدي انعدام الأمن الغذائي إلي اضطرابات مدنية.
واستشهدت المجلة الأوروبية بالاستزراع المائي. حيث يوفر نحو 49% من الطلب العالمي علي الأسماك ويعتمد حوالي 3 مليارات شخص علي المأكولات البحرية كبروتين أساسي لكن العلف الأساسي له هو فول الصويا. والذي بدوره يؤدي إلي إزالة الغابات.
وتساءلت "بوليتيكو". ما الذي يتعين علي المؤسسات المالية وواضعي السياسات فعله عندما يكون ربع السلع المتجددة أو أكثر في خطر؟.. قالت أولا يجب أن يُنظر بحذر إلي التحول نحو سلاسل التوريد الأقصر. فعلي الرغم من أن هذه السياسات تشجع الإمداد المحلي الآمن ويمكن أن تعزز الأمن الغذائي الوطني إلا أن سلاسل التوريد معقدة للغاية بحيث لا يمكن كبحها بالكامل.
وأوضحت لإعادة ضبط النظام الغذائي من أجل مستقبل غذائي أكثر استدامة وصحة وإنصافا. يجب علي المستثمرين وصانعي السياسات التركيز بدلا من ذلك علي دعم الانتقال نحو نظام غذائي عالمي أكثر استدامة. مع العمل أيضا علي طرق للمساعدة في تخفيف تأثير صدمات سلسلة التوريد من المناخ.
كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية. أن العديد من البلدان النامية والدول الجزرية منخفضة الدخل تضغط من أجل إنشاء صندوق دولي من شأنه تعويض الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ. رغم اعتراض الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها من الدول الغنية التي تسببت تاريخيا في الجزء الأكبر من الغازات المسببة للاحتباس الحراري. علي إنشاء مثل هذا الصندوق. لأسباب تعود بعضها إلي مخاوفها من تحمل المسئولية القانونية عن تكاليف الكوارث الباهظة.
وقال جون كيري. مبعوث الولايات المتحدة الخاص لتغير المناخ. في مقابلة أجراها مع "نيويورك تايمز" الشهر الماضي "أهم شيء يمكننا القيام به هو مساعدة الناس في التكيف مع الضرر الموجود بالفعل ولدينا عدد محدود من القدرات".
ذكرت "نيويورك تايمز" أن دبلوماسيين من نحو مائتي دولة حول العالم سيتوجهون إلي شرم الشيخ بداية الشهر المقبل لحضور فعاليات مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ "cop27" مع التركيز. بشكل كبير. عما إذا كان ينبغي للدول الغنية المسئولة عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أن تعوض الدول الفقيرة التي تعاني من تداعيات تغير المناخ أو علي الأقل إعفاؤها من ديونها الخارجية.
ووفقا للبنك الدولي. حسبما أشارت "نيويورك تايمز". فإن 58 في المائة من أفقر دول العالم معرضة للخطر أو في "ضائقة ديون حقيقية". في الوقت نفسه. من المتوقع في إحدي الدراسات أن تتراوح احتياجات الخسائر والأضرار للبلدان الضعيفة من 290 مليار دولار إلي 580 مليار دولار سنويا بحلول عام 2030.
وأوردت الصحيفة الأمريكية. تصريحات الرئيس السابق لجزر المالديف محمد نشيد. إن عشرين دولة من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ حول العالم تفكر بشكل جدي في وقف سدادها للديون الجماعية البالغة 685 مليار دولار من أجل مواجهة تداعيات تغير المناخ. المسئولة عنها الدول الغنية.
وقال نشيد إن الدول الفقيرة المتضررة من تداعيات التغيرات المناخية. تدرس ما إذا كانت ستوقف سداد ديونها علي أن تُطالب وزراء المالية بدلاً من ذلك بمقايضة الديون بتدابير لحفظ الطبيعة. حيث يتم الإعفاء من جزء من ديون الدولة واستثماره في الحفاظ علي البيئة.
وأضاف نشيد "نعيش ليس فقط علي الأموال المقترضة ولكن علي الوقت الضائع. يجب أن نبحث بشكل جماعي عن طريقة للخروج من المأزق. إن الدول الفقيرة عالقة في فخ عبثي حيث يجب عليهم اقتراض الأموال لدرء ارتفاع مياه البحار ومواجهة العواصف أو انتظار رؤية المزيد من الكوارث بسبب تغير المناخ وهي تمحي التحسينات التي تقوم بها. ولا تزال الديون قائمة. وغالبًا ما تضطر هذه البلدان للاقتراض مرة أخري".
قال نشيد إنه إذا تم تقليص الديون المستحقة علي البلدان بنسبة 30 في المائة واستثمرت هذه الأموال بدلاً من ذلك في مشاريع مثل تحسين أنظمة المياه أو الحفاظ علي غابات المانجروف التي تحمي الشواطئ من الأعاصير. فسيكون لذلك تأثير كبير.
اترك تعليق