مرت أيام الحج التي تفرغ المسلمون فيها للعبادة لله عز وجل وخرجوا منها بشعور إيماني جعلهم راضين مطمئنين آمنين بعد أن أدوا حق الله سبحانه وتعالي وزاروا بيته الحرام ومسجد نبيه صلي الله عليه وسلم..
فالحج بداية لحياة جديدة يسير فيها المسلم في أثنائه وبعد أداء الشعيرة راجيا أن يكون بالله ومن الله وإلي الله وعلي ملة رسول الله صلي الله عليه وسلم ولكن السؤال الذي يفرض نفسه: وماذا بعد الحج ؟.. وما علي الحاج اتباعه حتي يكون حجه مبرورا ويتقبل الله منه؟
د.آمال عبد الغني: علي الحجاج الراجين رحمة الله أن يسيروا علي نفس الدرب
تقول د. آمال عبد الغني أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة المنيا: لقد ورد في الحديث الشريف: "من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".. إذن الحج المبرور في هذه الحالة ليس له جزاء إلا الجنة.. فعلي المسلم بعد انقضاء فترة الحج التي أخلص وجهه لله فيها أن يصبح من البراءة والطهر كيوم ولدته أمه خالصا من الدنس مبرءا من الآثام.. هذا هو الأساس المطلوب منه بعد الحج لأنه في الحج تعرف علي الله تعالي بحيث يصبح في يقين المسلم بعد عودته أنه سبحانه مصدر الخير كل الخير ومصدر النعمة كل النعمة ومصدر الكمال علي المعني الصحيح للكمال الإنساني.
أضافت أن الذي يتعرف علي الله يصبح من الكمال الإنساني في الذروة لأن الحج يزكي النفس فإذا ما تزكت النفس يصبح المسلم في حالة يفيض الله سبحانه وتعالي عليه نورا يعرف هذه التزكية به فتتعرف عليه وتلزمه بعد الحج وتقف عنده وتنتهي إليه "وإنا إلي ربك المنتهي".. وإذا ما توجه الإنسان بكل كيانه إلي مولاه غمره بنعمته وأكرمه بالمغفرة وأهله لدخول الجنة والتنعم بالثواب.. ولقد فتح الله سبحانه وتعالي أبوابا كثيرة يدخل منها طلاب المغفرة والرحمة إلي مغفرته ورحمته منطلقة من الحج.. وفي حديث عمرو بن العاص فيما رواه عن مسلم أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله".
فعلي الحجاج الراجين رحمة الله أن يسيروا علي نفس الدرب الذي بدأوه من التعرف علي الله في حياتهم وأن يتابعوا بين الحج والعمرة بحيث تكون قلوبهم دائما خالصة لله عز وجل.
د.أحمد عمر هاشم: الرحمة بالمساكين والعطف علي الفقراء لا تقتصر علي مواسم الطاعات فقط
أكد د.أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء أنه في العشر الأوائل من ذي الحجة تحلي كثير من المسلمين بالتوبة والصيام والرحمة بالمساكين والعطف علي الفقراء.. وهو ما نطالب بألا يقتصر علي مواسم الطاعات فقط. بل إن واجب المسلم أن يجدد توبته لله عز وجل في كل يوم ولا يهتم بوسوسة الشيطان التي يقول له فيها: كل يوم تخطيء ثم تتوب.. لن يقبل الله.. هذا الأمر جد خطير ومن يستجيب لوساوس الشيطان يصبح فريسة له في حين أن الله عز وجل ينادي علي المسرفين علي أنفسهم
قائلا: قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم".. هكذا يكون حال المؤمن دائم التوبة ومراجعة نفسه سواء في مواسم الطاعات أو في غير مواسم الطاعات لأن الإنسان لا يعرف متي يأتيه أجله.
قال: يجب ألا ننسي الفقراء والمعدمين الذين لا يجدون قوت يومهم حتي يأتي شهر رمضان القادم أو عيد أضحي جديد. بل من الواجب أن نمد لهم يد العون في كل أيام السنة حتي لا يشعروا أنهم بمفردهم في هذه الحياة والله عز وجل يقول: "والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم" أي أن ما تعطيه للفقير هو حقه جعله الله في يدك ليختبرك ماذا تصنع فيه.
أوضح أن مظاهر التواصل والبر والرحمة ومظاهر الصلح بين الناس التي رأيناها في العيد والحج نحب أن نراها في كل يوم فالمسلمون أخوة متحابون مثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي.
د.حمدي طه: التوبة الصادقة .. زيادة الرزق .. تغيير السلوك للأفضل أهم العلامات
يؤكد د.حمدي طه الأستاذ بجامعة الأزهر أنه من علامات الحج المبرور دلالات تظهر علي الحاج في حياته بعد عودته من الأراضي المقدسة منها أولاً بعد الكبر عن نفسه فلا يجد في نفسه بطراً ولا عظمة علي أحد ولا تمييز علي أحد من خلق الله..
ثانياً أن يجد في نفسه رحمة لايجدها قبل حجه يرحم بها الناس جميعاً ويرحم بها كل مخلوقات الله..
ثالثاً: يحس بشيء في نفسه لم يحس به قبل حجه وهي الخوف من الله والتقوي لأنها الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل والرضا بالقليل.. رابعاً: يبارك الله له في رزقه إذا كان حجه مبروراً والدليل علي ذلك قول النبي صلي الله عليه وسلم "إن العبد ليذنب الذنب فيحجب عنه رزقه" والحجب هنا هو بركة الرزق فقد يرزق العبد برزق وخير لكن لابركة فيه. فالقليل الذي فيه بركة أنفع.. وإنه بحجه المبرور قد محيت ذنوبه فإذا محيت الذنوب وسترت العيوب يبارك الله في رزقه وينميه له.
أضاف د.طه أن الدليل علي ذلك أنه قد أنفق في الحج المبرور نفقة فإن كان الحج مقبولاً رد الله عليه ما أنفقه وزيادة لقول الله تعالي "وما تنفقوا من شيء فهو يخلفه".
كما أن من علامات الحج المبرور أن يعزف الحاج عن كل السبل التي كانت توصله للذنوب. ويحس بابتعاده عن صحبة السوء ويزهد في الدنيا ويتقرب من الصالحين فإذا وجد في نفسه تلك العلامات فليبشر نفسه أن حجه مبروراً.. أما إذا عاد كما كان عليه قبل سفره بدون تحقيق أي علامة من هذه العلامات فحجه مردود عليه.
كما يجب علي الحاج أن يعلم أنه ذهب إلي الحج بغرض طاعة الله لاستئصال ذنوبه ففي هذه الحال يجب عليه أن يتحمل ويشكر الله الذي وفقه إلي ذلك فلا يجادل ولايخرج عن مألوف البشرية ولذلك قال الله "فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولاجدال في الحج".
فلا يتأوه ولا يشكو ما لحقه للناس لأنه لو شكي ما وجده من مصاعب للناس فإنه يشكو ربه وكيف يستقيم الحال أن تخرج من أجل أن تمحو ذنوبك ثم تشكوه إلي خلقه؟ فعلي قدر ما يصاب الحاج من مشاق يمحو الله من ذنوبه ويرفع من درجاته مصداقاً لقول النبي "ما يصاب المؤمن من وصب ولا نصب إلا محا الله من سيئاته ورفع من درجاته".
اترك تعليق