هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

فى الليلة الـ 42 لـ"وصال وذكر البودشيشية": الصدق.. طريق نجاة البشرية من أزماتها

وصف د. منير القادري بودشيش- مدير مؤسسة الملتقى ورئيس مركز المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم- خُلُق الصدق بأنه مقام ابتلاء ولا ثبات لغير الصادق، مؤكدا أن الإنسانية فى أمسِّ الحاجة للصدق والصادقين لإخراجها من حالة الكُرْه والغل والحقد التى تنشر الحروب والصراعات بين الناس، ومشيرا إلى أن المنهج الصوفى الصحيح هو القادر على غرس وترسيخ هذا الخُلُق العظيم، الذى وصفه سيدنا رسول الله بأنه الطريق الموصِّل لأن يُكتب الإنسان عند الله صدّيقا.


جاء ذلك في مداخلته- فى الليلة الرقمية الثانية والأربعين، المنظَّمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بشراكة مع مؤسسة الجمال تحت شعار "ذكر وفكر في زمن كورونا"- حول موضوع "التربية على قيم الوفاء والصدق للمساهمة في الرقي بالقيم الإنسانية"، استهلّها بالتعريف بمفهوم الوفاء، وبيان أهميته في سلوك الإنسان ومدى حاجته إليه، وأنه قيمة إنسانية اجتماعية تستوجب الصدق على كل حال، معتبرا الوفاء أصل الصدق ومظهره.

وأكد أن الصدق والوفاء مفهومان متلازمان، فالوفاء هو صدق اللسان والفعل معا، وأنه لا خير في الصدق إلا مع الوفاء، فهما قرينان لا ينفكَّان، ليخلص إلى أنه "متى وجد الوفاء وجد الصدق".

واعتبر د. القادرى أن الأنانية والغِل والحسد نواقض للوفاء، داعيا إلى تطهير القلب من هذه الشوائب، وإلى ضرورة الشعور بالغير، مبرزا مجموعة من ثمار التربية على قيم الوفاء والصدق، منها رعاية الأمانات والفوز بأعلى الجنَّات، مذكّرا بقوله سبحانه تعالى في أوصاف المؤمنين المفلحين: "والذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وعَهْدهمْ راعُون والذينَ هُمْ على صَلَواتِهمْ يُحاَفظونَ" سورة المؤمنون- الآيتان: 9.8، وكذا ثمرة التقوى ومحبة الله جل وعلا، مصداقا لقوله تعالى: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهٍ إلاَّ الذِينَ عَاهَدتُمْ عنْدَ المَسْجِدِ الحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ} (سورة التوبة- الآية:7)، إضافة الى ثمرة كمال العقل، مستشهدا بقول الله تبارك وتعالى: {إنّمَا يتَذَكَّرُ أولُوا الالبَابِ الذِينَ يُوفُونَ بعَهْدِ اللهِ ولاَ يَنْقضُونَ المِيثاَقَ} (سورة الرعد- الآيتان: 20.19)، الى غير ذلك من الثمرات.

ودعا د. القادري إلى ضرورة الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، الذي ربط قيمة الوفاء بالإيمان، كما في الحديث الذي روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها "إنَّ حُسْنَ العَهْدِ منَ الإِيمَانَ".

ونبَّه الى أن قيم الوفاء والصدق أصبحت عُملة نادرة في هذا الزمان، الذي طغت فيه المادة وأصبح فيه الإنسان مجرد آلة استهلاكية في حضارة مشوَّهة، وأفكار ضالَّة مُضلِّة جاعلة شريعة الغاب سيّدا يحكم الجميع ويسيطر فيها القوي على الضعيف.

وشدَّد على ضرورة الاتصاف بقيم الوفاء والصدق مع الناس في كل الظروف، حتى في زمن المحن والشدائد، منتقدا جَعْلَ الوفاء مجرد أسلوب للمداهنة والنفاق، مذكّرا بالحديث النبوي الصحيح الذي، قال فيه رسول الله: "وَمَا يَزَالُ الرّجُلٌ يصْدقُ ويتَحَرَّى الصِّدقَ حَتَّى يكتب عند الله صِدِّيقا".

وحذَّر د. القادرى من اعتزال الناسِ، واتخاذ هذا الاعتزال مطيّةً في تحصيل الصدق، واستطرد أن الصادق ليس من يعتزل المجتمع بل هو من يعيش مع الناس بقيمه البنّاءة، فيساهم بذلك في تطوّره وتقدّمه وازدهاره، بعيدا عن الانعزال والانغلاق والعدمية.

 وأشار الى أن الصدق عند الصوفية يعني استواء السر والعلانية، والظاهر والباطن، لكيلا تكذب أحوالُ العبد أعمالَه ولا أعمالُه أحوالَه، وأنه صفة تنبعث من العزم والهمّة على الترقّي في مدارج الكمالات والتخلّي عن الصفات الناقصة المذمومة.

 وأوضح أن الاتصاف بقيم الوفاء والصدق ليس بالتحصيل العلمي والثقافي ونيل الدبلومات، وانما بالتربية على القيم الأخلاقية والإحسانية التي من شأنها إقامة دولة الحق في قلب كل طالب وجه الله تعالى وملازم للأخيار والصادقين .

وسلَّط الضوء على مراتب الصدق عند الصوفية أهل الإحسان، مبيّنا أن هناك: صدق العوام وصدق الخواص وصدق خواص الخاصة، فصدق العوام في الأعمال، وصدق الخواص في الأحوال، وصدق خاصة الخاصة في المقاماتفللعوام الأجور، وللخاصة النور، ولخاصة الخاصة النظر والسرور، فأول علامة من ثبات المريد على طريق القوم الصدق، فلا ثبات لغير الصادق، وليس الفقير من تقرِّبه نفحة وتُبعده نفحة، لأن مقام الصدق هو مقام ابتلاء، لقوله تعالى: {ليَسْألَ الصَّادِقينَ عن صِدْقِهمْ} (سورة الأحزاب- الآية: 8).

وأضاف: إن الصدق في طريق الله تعالى أساس الأمر كله، موردا مجموعة من الاقوال المأثورة عن شيوخ التصوف، منها مقولة "شيخك في الطريق هو صدقك"، و"الخير والحكمة في الصِّدق وليس في السبق ".

واختتم مداخلته ببيان مدى حاجة الإنسانية جمعاء في عصرنا هذا إلى التصوف والتربية الروحية التي تقي صاحبها سقطات الأزمة الحضارية والنفسية، والتي تهدف إلى تحقيق التكامل النفسي والتوافق المادي والروحي، بعيدا عن مظاهر الأنانية والقلق والاكتئاب، لأن هذه التربية مستمَدَة من الوحي والكتاب والسنّة ورجالات التربية الذين أفنوا أعمارهم في تربية وتخريج رجال صادقين أوفياء لوطنهم.





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق