على أحر من الجمر، تنتظر الأوساط السياسية القمة الخليجية التي تعقد غدا في مدينة العلا السعودية برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وحضور قادة دول مجلس التعاون الخليجي. ويأمل الكثيرون في تكون القمة مرحلة أولى لحل الأزمة القطرية بفتح الأبواب أمام حوار صريح وكشف جاد على أساس المبادئ الستة المتفق عليها في اجتماع وزراء خارجية الدول الأربع، مصر والسعودية والإمارات والبحرين، بالقاهرة في 5 يوليو 2017.
وتبعث التصريحات المتفائلة التي صدرت عن أكثر من مسؤول خليجي الأمل في جو إيجابي بشأن القمة الخليجية التي تستضيفها السعودية. وهيمن على الحديث عن القمة موضوع إنهاء أزمة قطر مع الرباعية العربية، رغم فتور موقف الدوحة.
وفي كلمة له أثناء ترؤسه الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء السعودي، قال الملك سلمان إنه يأمل أن تنجح القمة في تعزيز العمل المشترك وتوسيع التعاون والتكامل بين الدول الأعضاء في جميع المجالات.
كما سبق أن أعرب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف، عن تفاؤله بأن القمة الخليجية ستسهم في زيادة "دعم وتعزيز منظومة دول مجلس التعاون الخليجي والمضي قدماً بها".
ويرى المراقبون أن اللهجة المتفائلة بشأن "قمة خليجية تنهي أزمة قطر مع جيرانها الخليجيين" قد تجاهلت الصعوبات التي تلوح في طريق المصالحة المنشودة. ويقولون إن قطر تبدو أقل تحمسًا، إن لم تكن شديدة البرود، تجاه المصالحة. وظهر افتقارها للحماس في غياب وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني عن الاجتماع الافتراضي لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في المنامة. وبدلا من ذلك، مثل قطر وزير الدولة للشؤون الخارجية سلطان المريخي.
ورأى البعض أن هذه الخطوة مقدمة لخفض مستوى التمثيل في القمة الخليجية، بينما اعتبرها آخرون تعبيرا عن موقف قطر من البحرين التي استضافت الاجتماع. وكانت المنامة، خلال الفترة الأخيرة من الحديث عن التقدم نحو تحقيق المصالحة القطرية الخليجية، هدفًا لحملات عدائية من جانب وسائل الإعلام القطرية، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة. كما اتهمت الدوحة بعض الصيادين البحرينيين بالتعدي على المياه الإقليمية القطرية. واتهمت في وقت آخر الطائرات البحرينية باختراق الأجواء القطرية. وذهبت الدوحة إلى حد تقديم شكوى بهذا الشأن ضد المنامة لمجلس الأمن الدولي.
ومضت مصادر سياسية خليجية في تفسير رد قطر على المبادرة الخليجية الهادفة إلى تنقية الأجواء وتمهيد الطريق للمصالحة، والتي تمثل في حد ذاتها مصلحة حيوية لقطر، تقول "إن الدوحة تحاول استغلال المرونة السعودية لتحقيق مصالحة بمقاييسها ومقاييس حليفتها تركيا. وإن أنقرة لا تحبذ عودة قطر الكاملة إلى حظيرة الخليج. كما يُنظر إلى الدوحة على أنها تحاول توجيه مسار المصالحة من مسار جماعي يشمل جميع الدول المقاطعة إلى مسار ثنائي قطري سعودي منفصل، وبالتالي شق صف جبهة دول الخليج العربي، التي تقف في وجه أنقرة راعية التطرف الديني والإرهاب".
وقد تمت دعوة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للقمة، وفي حالة حضوره فإن ذلك سيشكل علامة ملموسة على التقارب.
ومع الإشارات السلبية الصادرة عن قطر في الآونة الأخيرة، بدأت الأوساط السياسية الخليجية والعربية والدولية تخفيض سقف توقعاتها بشأن الأزمة، متوقعة أن تشهد القمة، في أحسن الأحوال، توقيع مسودة أولية تحدد مبادئ الأسس الجديدة للمصالحة بين قطر ودول المقاطعة ككل أو مع السعودية فقط كخطوة أولى.
وذكر تقرير نشره موقع "آراب ويكلي" أنه على الرغم من الأجواء الإيجابية، تواصل الدوحة ممارسة لعبة خطيرة على طريق نجاح المهمة، وتعرض آليتها الإعلامية سلوكًا متناقضًا ومريبًا قد يعقد الحلول المتصورة لإعادة العلاقات. وسواء أكان الهدف هو إظهار أن قطر ليست متحمسة للمصالحة، أو استمرارًا لسياستها في تفريق صفوف الرباعية العربية، فإن هذه الأساليب فقدت فعاليتها، خاصة وأن قطر ظلت تتحرك من وراء الكواليس للضغط من أجل إنهاء المقاطعة، والإلحاح على الحلفاء والأصدقاء للتوسط نيابة عنها للخروج من المأزق.
مع ذلك نشرت وكالة الأنباء السعودية، قبل أسبوعين، تقريرًا حمل إشارات على اتفاق وشيك لإنهاء الخلاف. وجدد التقرير الذي حمل عنوان "تاريخياً المملكة داعمة لوحدة الصف الخليجي"، التزام الرياض بواجبها على أساس رباط الأخوة والدين والمصير المشترك خلال 41 عاماً من عمر النظام الخليجي القائم، الذي أصبح بُعدا استراتيجيا أساسيًا عربيًا وإسلاميًا ودوليًا.
وموقف السعودية يحظى بدعم وتشجيع من شركائها الخليجيين. وكتب وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش على تويتر: “إدارة هذا الملف من قبل المملكة العربية السعودية الشقيقة تمثل مصدر ثقة وتفاؤل، ومن الرياض عاصمة القرار الخليجي نتخذ خطوات، بمشيئة الله، تعزيز الحوار الخليجي نحو المستقبل."
كان وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح قد أعلن في وقت سابق أن "المفاوضات أسفرت عن اتفاق نهائي، وبالتالي ستتبع هذه الاتفاقية خطوات عملية لتجسيدها على الأرض"، مؤكدا أن القمة " ستبارك هذا الاتفاق وتدعو إلى استمرار الجهود من قبل الدول (المعنية) لإقراره وتنفيذه على أرض الواقع."
وكان وزير الخارجية القطري ونائب رئيس الوزراء محمد بن عبد الرحمن آل ثاني قد أعلن في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي سيرجي لافروف، بموسكو، أن هناك انفراجا في الأزمة الخليجية بعد البيان الكويتي بشأن القضية قبلها أسبوعين. لكن الغريب هو موقف الإعلام القطري وبرود اهتمام الدوحة بالقمة.
لعبت واشنطن أيضًا دورًا في استكمال خطوة الوساطة بالشراكة مع الكويت، ربما بهدف رفع مستوى الضمانات لما سيتم الاتفاق عليه ومنع أي تحولات لاحقة، مثل ما حدث في عام 2014.
ويبدو أن الاهتمام الخليجي يتركز على إنجاح الاجتماع، خاصة أنه يعقد في ظروف استثنائية تتسم بصعوبات اقتصادية نتيجة لجائحة كوفيد -19 وأزمة أسعار النفط. كما أن هناك ظروفًا دولية متغيرة، منها تنصيب إدارة أميركية جديدة وما تنطوي عليه من سياسة أميركية تجاه المنطقة، والأساطيل البحرية الموضوعة في حالة تأهب قصوى، والتدريبات العسكرية المشتركة، والصواريخ التي تخترق سماء اليمن والعراق وسوريا، وبوادر حدوث مواجهة صعبة بشكل خاص مع إيران، كل ذلك من بين العوامل الرئيسية التي تفرض التوصل إلى مصالحة".
اترك تعليق