هذه القصص أنار الله سبحانه وتعالى بها الطريق لجميع الأمم لتخرج من ظلمات الكفر والإلحاد إلى أنوار الإيمان والتوحيد، فقال رب العالمين على لسان الجن: "قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم".
وعلى مدار شهر رمضان نتحدث يوميا عن قصة من أحسن القصص التي جاءت في كتاب الله تبارك وتعالى.
أرسل الله تعالى إلى قوم عاد سيدنا هود عليه السلام، لهدايتهم كما جاء في قول الله تعالى: " وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ". سورة هود.
ذكر ابن كثير أنّ اسم سيدنا هود كاملا وهو هود بن شالخ بن أرفحشذ بن سام بن نوح، من أصل عربيّ نشر رسالته الدينيّة في منطقة الأحقاف التي تقع جنوب الجزيرة العربية، التي كان بها قوم عاد وكانوا يعبدون ثلاث أصنام، وفي يومنا هذا فإنّ المنطقة خالية تماماً من السكان ومن الديار، وأصبحت صحراء قاحلة.
دعا سيدنا هود قوم عاد بأن يؤمنوا بالله تعالى وحده لا شريك له، وأن يتركوا عبادة الأصنام التي لا تفيدهم ولا تضرّهم بشيء، فما كان منهم إلا أن كذبوه واستهزؤوا به وبدعوته، وأصروا على العناد والكفر، وخاصّة أنهم كانوا يتّصفون بعدّة صفات جعلتهم يظنّون أنفسهم أنّهم مخلدون، ولا يعلمون أنّ الله هو الذي أمدّهم بذلك وبقدرته أن يُزيل النعمة عنهم متى شاء.
من صفات قوم عاد أنهم كانوا شديدو البطش، وأقوياء وأشدّاء في قامة الجسم. مترفون وأغنياء، فأمدّهم الله بالجنات والعيون والأنعام والبنين. بناؤهم شامخ وعالٍ، وقصورهم ضخمة، والتي كان يُقصد بها التباهي والتفاخر، فكانت مدينتهم لا تضاهي أيّاً من المدن المجاورة في وقتها. يعبدون ثلاثة أصنام تُسمى هرا، وصمودا، وصدا، وكانوا ينكرون وجود الآخرة، ويقولون أنّ الحياة فقط محصورة بالدنيا، وذلك ما كان عليهم آباءهم من قبلهم.
وقف هودٌ عليه السلام أمام قومه يدعوهم إلى الإيمان بالله وحده، وترك الكفر وعبادة الأصنام، وتحداهم تحدي القادرين المؤمنين بالله مع أنّهم أهل طغيانٍ وبطشٍ شديدٍ، ومع ذلك لم يقدروا عليه مثلما لم يقدر كفّار قريش على الرسول محمد -صلى الله عليه وسلّم- هذه البينّة أيّد بها الله تعالى جميع أنبيائه كما بيّنها اللهُ تعالى على لسان نبيه نوح عليه السلام، بأنّهم أهلُ دعوةٍ يحاربون الفساد وأقوامهم أهل قوةٍ وجبروتٍ فلم يستطيعوا إطفاءَ نور الله بقتل رسولٍ من رسله وهذا لم يحدث أبدًا.
دائما ما يؤدي الغرور والبطر والتباهي بالقوة وشدة البطش إلى أسوأ العواقب، وأوخم النتائج؛ فكان قوم هود يتفاخرون بقوتهم، ويتباهون ببطشهم، ويتطاولون بشدة بأسهم، {وقالوا من أشد منا قوة} (فصلت:15)، ويقولون لرسولهم وهو ينصح لهم: {سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين} (الشعراء:136)، فكانت نتيجة تكبرهم وغرورهم، أن أرسل الله عليهم ريحاً صرصراً، عصفت بهم عصفاً، وجعلتهم عبرة لمن يعتبر.
دعا هودٌ على قومه بسبب تماديهم بكفرهم، فاستجاب الله تعالى لدعائه وأهلكهم، فكان أول العذاب حلول المحل والقحط بهم، فطلبوا السُقيا فرأوا عرضًا في السماء فظنّوا أنّه مطر سقيا لهم، ولكن هو عذابٌ من الله، فقد قال تعالى: "وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)" أي سخرها الله عزّ وجل سبع ليالٍ وثمانية أيام متتاليات حتى تركتهم كأعجاز النخل؛ فقد كانتِ الريح تأتي على أحدهم فتحمله في الهواء ثمّ تنكسه على رأسه حتى تتركه جثةً هامدةً بلا رأس.
اترك تعليق