تشهد القارة الأفريقية مرحلة دقيقة تتشابك فيها التحديات السياسية والأمنية مع متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وسط تصاعد التنافس الدولي على مواردها ومواقعها الاستراتيجية. وخلال المؤتمر الوزاري الثاني لمنتدى الشراكة "روسيا–أفريقيا" الذي استضافته القاهرة، جاءت تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي لتؤكد ثوابت الرؤية المصرية تجاه القارة، والتي تقوم على ترسيخ أولوية الحلول السياسية، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وربط الأمن بالاستقرار والتنمية المستدامة، باعتبارها المسار الوحيد القادر على إخراج أفريقيا من دوائر الصراع إلى آفاق النمو والتقدم.
وتعكس هذه الرؤية إدراكًا مصريًا عميقًا لطبيعة الواقع الأفريقي، الذي أثبتت تجاربه المتراكمة أن التدخلات الخارجية غالبًا ما تزيد من حدة الأزمات وتُضعف مؤسسات الدولة الوطنية، بدلًا من دعمها. ومن هذا المنطلق، تطرح القاهرة نفسها شريكًا موثوقًا يعمل على تمكين الدول الأفريقية من إدارة أزماتها عبر الحوار وبناء القدرات المؤسسية، وتشجيع التسويات السلمية، بما يحفظ وحدة الدول ويصون أمنها القومي.
كما تحمل استضافة مصر لمنتدى الشراكة «روسيا–أفريقيا» دلالات سياسية واستراتيجية مهمة، تعكس مكانتها الإقليمية والدولية، وقدرتها على لعب دور محوري كحلقة وصل بين القارة الأفريقية والقوى الدولية الكبرى، في ظل نظام دولي يشهد تحولات متسارعة وتعددًا في مراكز النفوذ. ويؤكد هذا الحدث نجاح السياسة الخارجية المصرية في تنويع شراكاتها الاستراتيجية، وطرح نموذج للتعاون المتكافئ القائم على المصالح المشتركة، بعيدًا عن سياسات الإملاء أو الوصاية.
وتتجاوز الرؤية المصرية البعد السياسي، لتطرح خريطة طريق متكاملة للتنمية في أفريقيا، ترتكز على دعم البنية التحتية، وتعزيز التكامل الاقتصادي، والاستثمار في الإنسان، وتوسيع مجالات التعاون في الطاقة، والزراعة، والتكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي. وهي محاور يراها خبراء السياسة والاقتصاد والأمن مدخلًا واقعيًا لتحويل الإمكانات الأفريقية الهائلة إلى قوة اقتصادية مؤثرة على الساحة العالمية، شرط توافر الاستقرار وتكامل الجهود وتوحيد الرؤى داخل القارة.
أكد د . إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية، على أهمية الشراكة المصرية الروسية الأفريقية
واستهل حديثه بالإشارة إلى تصريحات الرئيس السيسي خلال منتدى الشراكة الروسية الأفريقية، مؤكدًا أنها تعكس عمق العلاقات الوثيقة بين مصر وروسيا من جهة، فضلا عن الأهمية الاستراتيجية للقارة الأفريقية بالنسبة لروسيا من جهة أخرى. وأوضح أن مصر تلعب دورًا محوريًا في القارة الأفريقية، سواء في دفع عجلة التنمية والتكامل الاقتصادي، أو في العمل على تسوية النزاعات والأزمات التي تواجهها دول القارة.
وشدد د . إكرام على أن السياسة المصرية ترتكز على مبدأ ثابت وهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأفريقية من قبل أطراف خارجية وأشار إلى أن الرئيس السيسي يؤكد دائمًا على ضرورة حل الصراعات والنزاعات بالوسائل السياسية بدلاً من المواجهات العسكرية، مع ضرورة أن تنبع هذه الحلول من الداخل وبما يحافظ على الأمن القومي للدول ووحدة مؤسساتها وأضاف أن هذا التعاون الثلاثي (المصري الروسي الأفريقي) يستمد قوته من مكانة مصر الإقليمية وأهمية أفريقيا المتزايدة على الساحة الدولية.
وتابع : وفيما يخص قضايا المياه، فأن الدولة المصرية تسعى للموازنة بين الحفاظ على حقوقها المائية التاريخية وبين تعزيز مبدأ التعاون مع دول حوض النيل و الرؤية المصرية تهدف إلى تحويل نهر النيل والموارد المائية من ملفات للصراع إلى أدوات للتعاون المشترك. كما أكد على التزام مصر بقواعد القانون الدولي المنظمة للأنهار الدولية والمناطق المتشاطئة، كما أن التعاون بين دول الحوض هو السبيل الأمثل لتحقيق التنمية المستدامة والمصالح المشتركة لجميع شعوب المنطقة.
واستكمل : و حول الرؤية الاستراتيجية لتحويل أفريقيا إلى قوة اقتصادية عالمية فإن ثروات القارة الأفريقية وإمكاناتها عظيمة حيث تتمتع القارة الأفريقية بمجموعة هائلة من الثروات الطبيعية والموارد المتنوعة التي تؤهلها لتكون في مقدمة القوى الاقتصادية وبالإضافة إلى هذه الموارد الطبيعية تبرز أهمية العنصر البشري الأفريقي الذي يمتلك الكفاءة والمؤهلات اللازمة لدفع عجلة التنمية و إن تضافر هذه العوامل يمثل حجر الزاوية في أي رؤية مستقبلية تهدف إلى النهوض بالقارة.
وتابع : ولتحويل هذه الإمكانات إلى واقع ملموس وقوة مؤثرة دولياً، هناك ضرورة إلى الاستغلال الأمثل والجيد للثروات الأفريقية ويتطلب ذلك عدم تعامل كل دولة أفريقية بشكل منفرد، بل يجب أن يكون هناك تنسيق وثيق وتضافر للجهود بين مختلف دول القارة هذا التكامل هو ما سعى إليه الرئيس السيسي، خاصة خلال فترة رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي، حيث ركزت السياسة المصرية على دعم التعاون المشترك لتحقيق التنمية المستدامة.
وختم : وهنا نؤكد على مواجهة التحديات بالتعاون المشترك حيث تواجه القارة الأفريقية تحديات عديدة، سواء كانت أزمات طبيعية ومناخية أو أزمات سياسية معقدة و مفتاح الحل يكمن في التكامل الأفريقي، فمن خلال توحيد الرؤى والعمل الجماعي، يمكن للقارة تجاوز هذه العقبات وفرض ثقلها ووزنها على المستوى الدولي، بما يضمن لها مكاناً لائقاً في الخارطة الاقتصادية العالمية.
وقال د.محمد اليمني خبير العلاقات الدولية : تصريحات الرئيس السيسي حول أولوية الحلول السياسية وعدم التدخل العسكري تعكس رؤية مصر لدورها القيادي كوسيط ومسهل للتوافق داخل القارة الأفريقية فمصر تراهن على الدبلوماسية متعددة الأطراف والتفاوض السياسي لحل النزاعات، بدلًا من اللجوء إلى القوة، ما يعزز صورتها كضامن للاستقرار الإقليمي، خصوصًا في مناطق حيوية مثل القرن الأفريقي وحوض النيل وهذا الموقف يضع مصر في موقع قيادة ناعمة (Soft Power)، تستطيع من خلاله التأثير على السياسات الإقليمية دون إثارة توترات مباشرة..
وأضاف : والمحاور التي حددها الرئيس السيسي كخريطة طريق للتنمية المستدامة تشمل تعزيز التكامل الاقتصادي، تطوير البنية التحتية، تنمية القدرات البشرية، والاستثمار في الطاقة والزراعة والتكنولوجيا وهذه المحاور تشكل خريطة طريق واقعية لأنها ترتكز على نقاط القوة الطبيعية والبشرية للقارة، وتتيح مواجهة التحديات البنيوية مثل الفقر والبطالة ونقص الطاقة و التركيز على البنية التحتية والتكنولوجيا يمهد لإحداث تحوّل اقتصادي طويل الأمد.
واستكمل : كما وأن حشد التمويل للمشروعات القارية يُسهم في سد فجوة البنية التحتية، التي تُعد أحد أكبر معوقات التنمية، كما يعزز قدرة الدول الأفريقية على استقطاب الاستثمارات الأجنبية استثمارات مثل الطرق، الموانئ، شبكات الطاقة، والاتصالات، تعمل على ربط الأسواق المحلية ببعضها البعض، ما يزيد من حجم التجارة الداخلية ويخلق بيئة استثمارية أكثر جاذبية و الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية للاستثمارات المصرية في أفريقيا
تجاوز الاستثمارات المصرية حاجز 12 مليار دولار يرمز إلى عمق التواجد الاقتصادي المصري في القارة، ويعكس ثقة المستثمرين الأفارقة والعالميين في القدرات المصرية. استراتيجياً، يتيح هذا التوسع تعزيز النفوذ المصري في المجالات الحيوية مثل الطاقة والزراعة والصناعة، ويمثل رافعة لتحقيق الأمن الغذائي والطاقة في المنطقة، فضلًا عن توفير فرص عمل وتعزيز التنمية الاقتصادية المشتركة.
وأوضح : ولكن قد يكون غياب الاستقرار الأمني في بعض الدول الأفريقية يعرقل مشاريع التنمية ويزيد المخاطر على المستثمرين النزاعات المسلحة، الإرهاب، والتهديدات البحرية، تؤدي إلى توقف الاستثمارات، تقليل حركة التجارة، وتراجع فرص النمو الاقتصادي. لذلك، فإن الاستقرار السياسي والأمني هو شرط أساسي لجذب التمويل وتحقيق التنمية المستدامة.
ومشاركة مصر في بعثة الاتحاد الأفريقي بالصومال تعكس حرصها على الأمن في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وهي مناطق استراتيجية للحركة البحرية والتجارة الدولية هذا الدور يعزز صورة مصر كفاعل أمني مسؤول، ويسهم في منع توسع الجماعات الإرهابية وتأمين خطوط الملاحة البحرية، ما ينعكس إيجاباً على الأمن الإقليمي والاستثمارات.
و الموازنة بين الدفاع عن الحقوق المائية والتعاون الإقليمي فالمقاربة المصرية لموضوع مياه النيل تتميز بالموازنة بين الدفاع عن الحقوق الوطنية وتعزيز التعاون وعدم الإضرار بالدول الأخرى و مصر تدعم آليات الحوار والتفاوض الإقليمي، مع التركيز على مبدأ العدالة والتوزيع المنصف للمياه، مما يعكس دبلوماسية متوازنة تجمع بين حماية المصالح الحيوية والحرص على الاستقرار الإقليمي.
وختم : وفق رؤية الرئيس السيسي، التحول الأفريقي يتطلب تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي وربط الأسواق وتطوير البنية التحتية وتسهيل حركة التجارة.جذب الاستثمارات المحلية والعالمية وبناء قدرات بشرية متخصصة في العلوم والتكنولوجيا.
الحفاظ على الأمن والاستقرار السياسي وتنمية مصادر الطاقة المستدامة والزراعة الحديثة.
توافر هذه الشروط يُمكّن القارة من استغلال مواردها الطبيعية والبشرية لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، وبالتالي تعزيز مكانتها على الصعيد العالمي.
و قال د هيثم عمران تعكس تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن أولوية الحلول السياسية ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، رؤية مصر المتماسكة لدورها القيادي داخل القارة الأفريقية، باعتبارها قوة توازن ومسؤولية لا قوة إملاء أو وصاية. فهذه التصريحات تنطلق من إدراك مصري عميق لخصوصية السياق الأفريقي، حيث أثبتت التجارب أن التدخلات الخارجية غالبًا ما تُفاقم الأزمات بدلًا من احتوائها، وتُضعف مؤسسات الدولة الوطنية بدلًا من دعمها.
وتؤكد الرؤية المصرية أن الاستقرار المستدام في أفريقيا لا يتحقق إلا عبر حلول سياسية شاملة يقودها أبناء الدول أنفسهم، مع احترام سيادتهم ووحدة أراضيهم، وتعزيز آليات الحوار والمصالحة الوطنية، لا من خلال فرض نماذج جاهزة أو مقاربات أمنية قصيرة الأمد. ومن هذا المنطلق، تطرح مصر نفسها شريكًا موثوقًا يعمل على تمكين الدول الأفريقية من إدارة أزماتها، ودعم بناء القدرات المؤسسية، وتشجيع التسويات السلمية تحت مظلة الشرعية الإقليمية والدولية.
كما تعكس هذه التصريحات حرص القاهرة على ترسيخ دور أفريقيا كفاعل لا مفعول به في النظام الدولي، وتعزيز مفهوم “الحلول الأفريقية للمشكلات الأفريقية”، بما يرسخ استقلال القرار الأفريقي ويحدّ من تدويل الأزمات. وبذلك، تؤكد مصر قيادتها القائمة على الحكمة السياسية، والشرعية الأخلاقية، والانحياز للاستقرار والتنمية، بما يعزز مكانتها كركيزة أساسية للأمن والسلم في القارة .
وتابع : وتحمل استضافة مصر لمنتدى الشراكة «منتدى الشراكة روسيا–أفريقيا» دلالات سياسية واستراتيجية عميقة تعكس مكانة مصر الإقليمية والدولية، ودورها المتنامي كجسر تواصل بين القوى الدولية والقارة الأفريقية في لحظة يشهد فيها النظام الدولي تحولات متسارعة وتعددًا في مراكز النفوذ.
وأولًا، تؤكد الاستضافة الثقة الدولية في الدور المصري باعتباره طرفًا متوازنًا قادرًا على إدارة حوار استراتيجي متعدد الأطراف، بعيدًا عن منطق الاستقطاب والصراعات الصفرية فاختيار القاهرة منصة لهذا المنتدى يعكس إدراكًا دوليًا لخبرتها الدبلوماسية المتراكمة، وشبكة علاقاتها الواسعة، وقدرتها على الجمع بين المصالح الدولية والاعتبارات الأفريقية في إطار من الاحترام المتبادل.
ثانيًا، تعكس الاستضافة تموضع مصر كفاعل محوري في القارة الأفريقية، لا يقتصر دوره على الإطار الجغرافي، بل يمتد إلى صياغة أجندات التعاون الدولي مع أفريقيا في مجالات حيوية مثل الأمن، والطاقة، والتنمية، والبنية التحتية. وهو ما يعزز مفهوم “الشراكة المتكافئة” التي طالما دعت إليها القاهرة، باعتبارها بديلًا عن نماذج الهيمنة أو التبعية.
ثالثًا، على الصعيد الدولي، تبرز الاستضافة قدرة مصر على تنويع شراكاتها الاستراتيجية والانفتاح على قوى دولية مؤثرة، بما يعكس استقلالية القرار الوطني ومرونة السياسة الخارجية المصرية. كما ترسل رسالة واضحة بأن القاهرة فاعل رئيسي في معادلة إعادة تشكيل العلاقات بين أفريقيا والقوى الكبرى، وليس مجرد ساحة لتقاطع المصالح.
وخلاصة القول، فإن استضافة مصر لمنتدى الشراكة «روسيا–أفريقيا» تمثل تجسيدًا عمليًا لمكانتها كدولة محورية قادرة على الربط بين الأبعاد الإقليمية والدولية، وترسيخ دورها كركيزة للاستقرار، ومنصة للحوار، وشريك موثوق في صياغة مستقبل التعاون الدولي مع القارة الأفريقية .
أوضح : وتمثل المحاور التي حددها الرئيس عبد الفتاح السيسي خريطة طريق واقعية ومتكاملة لتحقيق التنمية المستدامة في أفريقيا، كونها تنطلق من تشخيص دقيق للتحديات البنيوية التي تواجه القارة، وتوازن بوعي بين متطلبات الاستقرار السياسي، والتمكين الاقتصادي، والتنمية البشرية طويلة الأمد.
ففي جوهر هذه المحاور، تبرز أولوية الاستقرار وبناء الدولة الوطنية باعتبارهما الشرط الأساسي لأي مسار تنموي مستدام، إذ لا يمكن تحقيق تنمية حقيقية في ظل النزاعات المسلحة أو هشاشة المؤسسات. ومن هذا المنطلق، تطرح الرؤية المصرية مقاربة شاملة تربط بين تسوية النزاعات، وتعزيز الحوكمة الرشيدة، وبناء قدرات الدول الأفريقية على إدارة مواردها وسياساتها بشكل مستقل وفعّال.
صرّح الدكتور أيمن غنيم، أستاذ الإدارة والخبير الاقتصادي والقانوني، أن تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن أولوية الحلول السياسية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول تعكس جوهر الرؤية المصرية لدورها داخل القارة الأفريقية، وهي رؤية تقوم على الاستقرار كشرط أول للتنمية، واحترام سيادة الدول كمدخل لبناء شراكات مستدامة.
وأضاف غنيم أن هذا الطرح يعكس تحولًا في الفكر السياسي الأفريقي من إدارة الأزمات إلى منعها، حيث تدرك مصر أن النزاعات المسلحة تمثل أكبر عائق أمام النمو، خاصة أن القارة تخسر سنويًا ما بين 15 و18 مليار دولار بسبب الصراعات وعدم الاستقرار، وفق تقديرات الاتحاد الأفريقي.
وأوضح أن استضافة مصر لمنتدى الشراكة «روسيا–أفريقيا» تؤكد مكانتها كدولة محورية قادرة على جمع القوى الدولية والأفريقية على أرضها، في توقيت تتزايد فيه أهمية القارة على خريطة الاقتصاد العالمي، وهو ما يعزز الدور الإقليمي والدولي للقاهرة كجسر بين أفريقيا وشركائها الاستراتيجيين.
وأضاف أن حشد التمويل للمشروعات القارية يمثل أولوية قصوى، في ظل تقديرات البنك الأفريقي للتنمية التي تشير إلى أن فجوة تمويل البنية التحتية في أفريقيا تتراوح بين 68 و108 مليارات دولار سنويًا، وهي فجوة لا يمكن سدّها دون شراكات دولية وإقليمية فعالة تقودها دول مستقرة مثل مصر.
ولفت إلى أن الاستثمار في البنية التحتية لا يقتصر على الطرق والطاقة فقط، بل يمتد إلى الاتصالات والموانئ والربط اللوجستي، وهي القطاعات التي ترفع إنتاجية الاقتصاد الأفريقي وتزيد جاذبيته للاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وأكد غنيم أن تجاوز الاستثمارات المصرية في أفريقيا حاجز 12 مليار دولار يحمل دلالة اقتصادية واستراتيجية كبيرة، إذ يضع مصر في صدارة المستثمرين الأفارقة داخل القارة، ويعكس انتقالها من دور الداعم السياسي إلى الشريك التنموي الفعلي.
وأوضح أن هذه الاستثمارات، المنتشرة في قطاعات التشييد، والطاقة، والاتصالات، والدواء، تسهم في خلق فرص عمل محلية، وتعزز الثقة المتبادلة، وتدعم نفوذ مصر الاقتصادي القائم على المصالح المشتركة لا على الهيمنة.
وأشار إلى أن غياب الاستقرار الأمني يظل العقبة الأكبر أمام التنمية، حيث تشير تقارير دولية إلى أن الدول الأفريقية المتأثرة بالنزاعات تجذب أقل من 30٪ من متوسط الاستثمارات الأجنبية مقارنة بالدول المستقرة، ما يؤكد صحة الطرح المصري الذي يربط الأمن بالتنمية.
وأضاف أن مشاركة مصر في بعثة الاتحاد الأفريقي بالصومال تمثل نموذجًا عمليًا لهذا الفهم، إذ تسهم في دعم استقرار القرن الأفريقي، وتأمين واحد من أهم الممرات الملاحية العالمية في البحر الأحمر، والذي تمر عبره نحو 12٪ من التجارة العالمية.
وأوضح غنيم أن المقاربة المصرية في هذا السياق لا تقتصر على الحلول العسكرية، بل تجمع بين بناء القدرات، ودعم مؤسسات الدولة، والتنمية الاقتصادية، وهو ما يجعلها أكثر استدامة وقبولًا داخل القارة.
وأشار إلى أن مصر نجحت أيضًا في الموازنة بين الدفاع عن حقوقها المائية المشروعة وتعزيز مبدأ التعاون وعدم الإضرار بدول حوض النيل، من خلال الدعوة المستمرة للحلول التفاوضية القائمة على القانون الدولي، والتنمية المشتركة، وتحقيق المنفعة للجميع.
يري دكتور طاهر عبد الكريم الخبير الاقتصادي ان تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن أولوية الحلول السياسية ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول تعكس رؤية مصر الواضحة لدورها القيادي داخل القارة الأفريقية، وهي رؤية تقوم على احترام سيادة الدول والحفاظ على مؤسساتها الوطنية، باعتبار الاستقرار شرطًا أساسيًا لأي مسار تنموي حقيقي. هذا التوجه يعيد التأكيد على الدور التاريخي لمصر كدولة داعمة للاستقرار والسلام، وليس طرفًا في تعقيد الأزمات أو تصدير الصراعات.
وتحمل استضافة مصر لمنتدى الشراكة «روسيا–أفريقيا» دلالات مهمة على مكانتها الإقليمية والدولية، إذ تعكس ثقة القوى الكبرى في قدرتها على لعب دور الوسيط والشريك المتوازن
.
أوضح الدكتور السيد خضر الخبير الاقتصادي أن العلاقات الاستراتيجية بين مصر وروسيا تشهد تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة، مما يعكس تحولات كبيرة في المشهد الجيوسياسي والاقتصادي في المنطقة، حيث تمثل هذه العلاقات محورا حيويًا يسعى الطرفان من خلاله لبناء شراكة مستدامة تعزز من مصالحهما المشتركة ،حيث تتميز العلاقات المصرية الروسية بتنوع مجالات التعاون، بدءًا من المجالات الاقتصادية والاستثمارية وصولًا إلى التعاون في مجالات الطاقة والسياحة ،حيث تُعتبر قناة السويس، كأهم ممر ملاحي عالمي، نقطة محورية تعزز من أهمية هذا التعاون وتؤثر بشكل مباشر في الحركة التجارية العالمية ، خاصة مع ازدياد التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه كلا البلدين، يصبح من الضروري النظر إلى كيفية تأثير هذه العلاقات على الأداء الاقتصادي المصري، وكذلك على مستقبل قناة السويس كمركز استراتيجي في التجارة الدولية، وتنعكس أهمية تلك العلاقات في تعزيز الشراكات الاقتصادية وزيادة الاستثمارات، مما يسهم تحت مظلة التعاون المشترك في تحقيق تنمية مستدامة في مصر،حيث تعد العلاقات الاستراتيجية بين مصر وروسيا من العوامل المهمة في سياق السياسة والاقتصاد الإقليميين والدوليين حيث تشهد مصر زيادة في الاستثمارات الروسية، خاصة في مجالات الطاقة، مثل بناء محطة الضبعة النووية، مما يعزز من قدرات مصر في إنتاج الطاقة ويزيد من الاستثمارات الأجنبية ، حيث تسعى مصر وروسيا لتعزيز التبادل التجاري، مما يمكن أن يسهم في زيادة الصادرات المصرية للمنتجات الزراعية والصناعية، كذلك التعاون في مشروعات الطاقة سيؤثر بشكل كبير على استقرار الطاقة في مصر ويعزز الأمن الطاقي، مما يساهم في زيادة تنافسية الاقتصاد المصري ،مدى التحسينات اللوجستيةمع زيادة التجارة بين مصر وروسيا، من المتوقع أن تشهد قناة السويس زيادة في حركة الشحن، مما يعزز من دخلها ويزيد من أهميتها كممر تجاري دولي ، المشاريع المشتركة تؤدي الاستثمارات المشتركة في تحسين البنية التحتية للقناة إلى زيادة قدرتها على استيعاب حركة مرور أكبر من السفن، مما يعزز موقفها الاستراتيجي ، الأمن والاستقرار العلاقات القوية قد توفر لمصر دعماً سياسياً في المحافل الدولية، مما يعزز من دورها الإقليمي ويساهم في استقرار المنطقة، استعادة السياحة الروسية تعد السياحة الروسية من العوامل المهمة للاقتصاد المصري، ومع تحسين العلاقات، مما تزيد أعداد السياح الروس، مما يساهم في دعم القطاع السياحي ،
ويقول الدكتور عمرو الديب خبير الشؤون الروسيةُ : تعد استضافة مصر للمؤتمر الوزاري الثاني لمنتدى الشراكة «روسيا–أفريقيا» يومي 19 و20 ديسمبر 2025 في القاهرة خطوة استراتيجية ذات دلالات عميقة تعكس ثقل مصر الإقليمي والدولي .
حيث تؤكد الاستضافة دور القاهرة كحلقة وصل رئيسية بين القوى الكبرى (مثل روسيا) والقارة الأفريقية حيث وصفها الخبراء والمسؤولون بأنها في قلب محاذاة القوى الروسية الأفريقية و يعكس اختيار القاهرة كأول مكان لاستضافة هذا الحدث خارج الأراضي الروسية ثقة موسكو في قدرة مصر على دفع أجندة التعاون المشترك وكذلك تركز الاستضافة على التعاون الثلاثي (مصر-روسيا-أفريقيا) كأداة للتنمية الشاملة مما يبرز دور المؤسسات المصرية مثل الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية في خدمة القارة.
و تساهم مصر من خلال هذا المنتدى في تنسيق الجهود لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي للقارة الأفريقية.
ومن جانبه يقول الدكتور محمود زكريا الاستاذ بكلية الدراسات الافريقية جامعة القاهرة : تمثل مشاركة مصر في بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة لدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال (AUSSOM) التي بدأت عملياتها في يناير 2025 خطوة استراتيجية لها انعكاسات مباشرة على أمن القرن الأفريقي والبحر الأحمر وتأتي في إطار سعي القاهرة لتعزيز دورها كقوة توازن إقليمية.
تتجلى الانعكاسات الرئيسية في النقاط التالية مكافحة الإرهاب وتعزيز الاستقرار الصومالي و دعم قدرات الدولة حيث تهدف المشاركة المصرية التي تشمل إرسال قوات عسكرية وشرطية ومعدات ثقيلة إلى مساعدة الحكومة الصومالية في بناء مؤسساتها الأمنية والشرطية واستعادة سيادتها الكاملة على أراضيها ومكافحة جماعة "الشباب" الإرهابية.
وكذلك مواجهة التهديدات المشتركة فالتواجد المصري يعزز التنسيق الأمني لمواجهة التحديات العابرة للحدود مثل تهريب الأسلحة والبشر مما يسهم في استقرار المنطقة بأكملها.
وايضا احداث توازن القوى الإقليمية و ردع التدخلات الخارجية حيث تأتي المشاركة المصرية بعد توقيع اتفاقية تعاون دفاعي مع الصومال في أغسطس 2024 في سياق التوترات المتصاعدة في القرن الأفريقي يعكس هذا التحرك رغبة مصر في إرساء توازن إقليمي وردع أي محاولات لتقسيم الصومال أو المساس بوحدته الترابية وهو ما تعتبره القاهرة تهديداً لأمنها القومي.
و تبرز مصر التزامها بقيادة المبادرات الأفريقية للسلام والأمن مما يعزز نفوذها الدبلوماسي والعسكري في منطقة حيوية تتنافس فيها قوى إقليمية ودولية متعددة.
واضاف ان تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي المتكررة حول أولوية الحلول السياسية للأزمات ورفض التدخلات الخارجية تعكس رؤية مصر الثابتة لدورها القيادي داخل القارة الأفريقية والتي تقوم على المبادئ التالية و تؤكد هذه التصريحات التزام مصر الراسخ بمبدأ احترام سيادة الدول الأفريقية على أراضيها وشؤونها الداخلية. مصر كدولة رائدة في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي حالياً) تدعم حق الشعوب الأفريقية في تقرير مصيرها بعيداً عن أي وصاية أو إملاءات خارجية سواء من قوى كبرى أو من دول إقليمية أخرى.
اترك تعليق