مع تكرار تفشي الأوبئة وعودة أمراض ظنّ العالم أنه تجاوزها، بات تطوير لقاحات أكثر أمانًا وفعالية أولوية قصوى للبحث العلمي. وفي هذا السياق، يفتح الذكاء الاصطناعي آفاقًا جديدة في علم اللقاحات، مقدّمًا حلولًا مبتكرة قد تغيّر مستقبل الوقاية من الأمراض الفيروسية، وعلى رأسها جدري القرود.
كشف تفشي جدري القرود عام 2022، الذي أصاب أكثر من 150 ألف شخص حول العالم وأسفر عن نحو 500 حالة وفاة، عن محدودية فعالية اللقاحات التقليدية المعتمدة على فيروسات مُضعفة، ما دفع العلماء للبحث عن بدائل أكثر دقة وأمانًا.
وفي خطوة علمية لافتة، استعان باحثون بالذكاء الاصطناعي لتطوير نهج جديد لتصميم لقاحات جدري القرود. وتمكّن فريق من مؤسسة Biotecnopolo di Siena الإيطالية من عزل 12 جسمًا مضادًا عالي الفعالية من عينات دم لأشخاص تعافوا من الإصابة وآخرين تلقوا التطعيم، دون معرفة مسبقة بالبروتين الفيروسي المستهدف.
لاحقًا، استخدم فريق البروفيسور جايسون ماكليلان من جامعة تكساس نموذج الذكاء الاصطناعي AlphaFold 3 لتحليل التفاعلات الجزيئية، حيث نجح النموذج في تحديد البروتين OPG153 باعتباره الهدف الرئيسي لتلك الأجسام المضادة. وأكدت التجارب المخبرية صحة هذه النتائج، ما عزز موثوقية الاكتشاف.
ويرى العلماء أن بروتين OPG153 قد يشكّل حجر الأساس لتطوير لقاحات جديدة من نوع اللقاحات الجزئية (Subunit vaccines)، التي تعتمد على جزء محدد من الفيروس بدلًا من استخدامه كاملًا، وهو ما يسهم في تبسيط عملية التصنيع وخفض التكاليف وزيادة مستويات الأمان.
كما أشار الباحثون إلى إمكانية استخدام الأجسام المضادة المستهدِفة لـ OPG153 كعلاج مباشر للمصابين، وليس فقط كوسيلة وقائية. ويكتسب هذا الاكتشاف أهمية إضافية في ظل التشابه الكبير بين فيروس جدري القرود وفيروس الجدري، ما قد يفتح الباب أمام تطبيقات أوسع مستقبلًا.
وأطلق العلماء على هذا الأسلوب اسم “علم اللقاحات العكسي”، وهو نهج يبدأ بدراسة الأجسام المضادة الطبيعية التي ينتجها الجسم، ثم الرجوع لتحديد الجزء الفيروسي المسؤول عن تحفيز الاستجابة المناعية. وقد أظهرت النماذج الأولية للقاحات المبنية على هذا النهج نتائج واعدة خلال التجارب التي أُجريت على الفئران.
اترك تعليق