صلاة الجمعة من أعظم شعائر الإسلام، ومن أبرز مظاهر وحدة الأمة وتماسكها، فقد اختص الله تعالى بها المسلمين، وجعل حضورها والاجتماع لها من علامات التقوى، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ [الجمعة: 9]. ولهذا يُراعى في إقامتها ما يعزز وحدة المسلمين ولا يُفرق صفهم.
ويُطرح سؤال مهم في واقعنا المعاصر، خاصة في القرى والمدن التي تضم مسجدًا جامعًا بالإضافة إلى عدد من الزوايا المتقاربة في الشوارع الجانبية: هل يجوز إقامة صلاة الجمعة في هذه الزوايا، أم تُقتصر على المسجد الجامع فقط؟
قال الدكتور نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية: "الجواب يتطلب النظر من جهتين الأولى هي حكم صلاة الجمعة في الزوايا، حيث اتفق جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة على جواز إقامة صلاة الجمعة في غير المسجد الجامع، كأن تُقام في الزوايا أو الساحات، بشرط أن تكون داخل حدود العمران. واستدلوا على ذلك بما ثبت عن الصحابة والتابعين، ومنه ما رواه ابن أبي شيبة عن أبي هريرة أن الصحابة كتبوا إلى عمر يسألونه عن الجمعة، فكتب إليهم: "جَمِّعوا حيثما كنتم"، مما يدل على جواز أدائها في أي مكان يُناسب تجمع الناس.
كما ورد في الحديث الصحيح أن أول جمعة بعد جمعة المدينة أُقيمت في مسجد بني عبد القيس بجواثى في البحرين، مما يُدلل على أن شرط المسجدية ليس لازمًا، وأن المقصود هو إقامة الجمعة حيث توافرت شروطها، وليس في مسجد معين بالضرورة.
وقد خالف المالكية هذا الرأي واشترطوا إقامة الجمعة في المسجد الجامع، إلا أن جمهور العلماء يرون أن هذا الشرط غير لازم إذا تحققت مقاصد الجمعة من الاجتماع، وسماع الخطبة، وتأليف القلوب.
أما الثانية فهي حكم تعدد الجمعة في البلدة الواحدة. وقد ذهب جمهور العلماء أيضًا إلى جواز تعدد صلاة الجمعة في البلدة الواحدة متى ما دعت الحاجة لذلك، كاتساع البلدة، أو مشقة الذهاب إلى المسجد الجامع، أو ضيق المسجد عن استيعاب المصلين. وقد ذكر الإمام ابن نُجيم الحنفي أن القول بجواز التعدد في مصر واحد هو الأصح، لأنه يرفع الحرج عن الناس، لا سيما في المدن الكبيرة.
ويؤكد هذا ما عليه العمل في جميع بلاد المسلمين اليوم، حيث تُقام الجمعة في أكثر من موضع داخل المدينة الواحدة دون نكير، ما يُعد إجماعًا عمليًا معتبرًا.
بناءً عليه وفي واقعة السؤال: فإنَّ الأصل أن تصلى الجمعة في المسجد الكبير الذي يسع المصلين، فإن ضاق أو بعدت المسافة بحيث لا يستطيع المصلُّون الذهاب إليه إلا بمشقة فحينئذ تجوز صلاة الجمعة في الزوايا ولا حرج فيها، على أنَّه ينبغي مراعاة ضوابط الجهات المنظمة لإقامة الجمعة في الزوايا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
اترك تعليق