عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْن بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله. وَعَيْن بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله" وفي رواية أنس بن مالك رضي الله عنه عن أبي يعلي: "عَيْنَانِ لا تَمَسُّهُمَا النَّارُ أَبَدًا: عَيْن بَاتَتْ تَكْلأُ الْمُسْلِمِينَ فِي سَبِيلِ الله. وَعَيْن بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله".
لاشك أن الهرب من النار والنجاة منها مطلب لكل مؤمن بالله واليوم الآخر. وهمّ يؤرِّق مضجع عباد الله الصالحين. وفوق ذلك: هو الفوز يوم القيامة قال تعالي "فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ". ولذا يوجهنا النبي صلي الله عليه وسلم -في هذا الحديث- إلي سببين للنجاة من النار. هما: البكاء من خشية الله. والحراسة في سبيل الله.
والبكاء من خشية الله تعالي أصدق بكاء تردد في النفوس. وأقوي مترجم عن القلوب الوجلة الخائفة. والعين التي تذرف الدمع من خشية الله لن تمسها النار» لأن العين تتبع القلب. فإذا رقّ القلب دمعت العين. وإذا قسى القلب قحطت العين. وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يستعيذ من القلب الذي لا يخشع. فيقول: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع. ومن قلب لا يخشع. ومن نفس لا تشبع. ومن دعوة لا يستجاب لها".
وقد مدح الله تعالي البكائين من خشيته فقال في محكم التنزيل: "أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحي وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَي عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا". وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية. فسجد. وقال: هذا السجود. فأين البكي؟ يريد البكاء. و"البكي" جمع باك.
كما أن البكاء من خشية الله تعالي سبب للرحمة يوم العرض علي الله جل وعلا. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "سبعة يظلهم الله في ظله. يوم لا ظل إلا ظله...وذكر منهم: ورجلى ذكر الله خالياً ففاضت عيناه".
أما العَيْن التي بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله فلأن الحراسة في سبيل الله تعد من أعظم مراتب الجهاد» لأن الحرّاس إما أن يكونوا في مقدمة الصفوف لقتال الأعداء. أو يسهرون بالليل لحماية الجيش من الأعداء. يقول الإمام ابن النحاس: "اعلم أن الحراسة في سبيل الله من أعظم القربات. وأعلي الطاعات. وهي أفضل أنواع الرباط. وكل من حرس المسلمين في موضع يخشي عليهم فيه من العدو فهو مرابط". ولكن بعض العلماء وسّع مفهوم الحراسة. ولم يقصره علي جهاد الكفار فحسب موضحين ذلك: "وهي مرتبة المجاهدين في العبادة. وهي شاملة لأن تكون في الحج. أو طلب العلم. أو الجهاد. أو العبادة. والأظهر أن المراد به الحارس للمجاهدين لحفظهم عن الكفار وقد حصروا الخشية فيهم غير متجاوز عنهم. فحصلت النسبة بين العينين: عينُ مجاهدي مع النفس والشيطان. وعينُ مجاهدي مع الكفار".
وعلي معني الجهاد يقول الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: "لأن أبيت حارساً خائفاً في سبيل الله أحب إلي من أن أتصدق بمائة راحلة".
وذكر الإمام المناوي في "فيض القدير": "سوّي بين العين الباكية والحارسة» لاستوائهما في سهر الليل لله. فالباكية بكت في جوف الليل خوفاً لله. والحارسة سهرت خوفاً علي دين الله".
اترك تعليق