الاختلاف بين الناس أمر واقع ومن سجايا البشر. وذلك لاختلاف أخلاقهم وطبائعهم. قال الله تعالي: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ . قال ابن كثير: أي: ولا يزال الخُلْفُ "الاختلاف" بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم . لكن هذا الاختلاف لا ينبغي أن يؤدي إلي التشاحن والتقاطع والخصومة.
والكثير من الخلافات والمشكلات التي تقع بين المسلم وأخيه. والزوج وزوجته. والصاحب وصاحبه. ترجع إلي أمور وظنون يقذفها الشيطان في النفوس. وينساق الناس إليها. فتكون سبباً في وقوع العداوة والشقاق والخصومة بينهم. وقد أشار النبي صلي الله عليه وسلم إلي ذلك بقوله: إن الشيطان قد أيِس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب. ولكن في التحريش بينهم قال الطيبي: أي إيقاع الفتنة والعداوة والخصومة والقتل .
والسيرة النبوية فيها الكثير من المواقف والأحاديث الدالة علي نهي وتحذير النبي صلي الله عليه وسلم من الخصومة. وأمره وحثه صلي الله عليه وسلم علي السعي في الإصلاح بين الناس. لما فيه من وَصْلي لأرحامي قدْ قُطِعت. وتقْوية لأخوة وصُحْبَة قدْ وهَنَت.. ويكفي لبيان خطورة الشحناء والخصومة بين المسلم وأخيه أنها مانعة لمغفرة الله عز وجل للذنوب. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: تُفتح أبواب الجنة يومَ الاثنين ويوم الخميس. فيُغْفَر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئاً. إلا رجلاً كانت بينَه وبين أخيه شحناء. فيقال: أنظِروا هذين حتي يصطلحا. أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حتي يصطلحا .. أنظروا هذين أي: أَخِّرُوهما حتي يرجعا إلي الصلْح والموَدَّة..
وقال صلي الله عليه وسلم: من هجر أخاه سَنَةً فهو كسفكِ دمِه .. وينبغي أن يُفَرَّق بين الهجر لحق الله عز وجل. وبين الهجر لحق النفس. فالأول ـ بشروطه وضوابطه ـ وإذا رُجِيَ تأثيره وتحقيقه للمصلحة فهو مأمور به. والثاني الذي هو لحق النفس منهي عنه لأن المؤمنين إخوة. وقد قال صلي الله عليه وسلم: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا. وكونوا عباد الله إخوانا. ولا يَحِلُّ لِمُسلِمي أنْ يهجُر أخاه فوق ثلاث .
والإصلاح بين الناس أفضل من الاشتغال بنوافل العبادات. لما فيه من نشر للحب والمودة بين الناس. مما يؤدي إلي سعادة الأفراد. وقوة وترابط المجتمع. ولاشك أن الصلح خير من الشقاق. والصلة أفضل من القطيعة. والحب أولي من الكراهية. عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة. قالوا: بلي. قال: صلاح ذات البين. فإن فساد ذات البين هي الحالقة) وفي رواية: (لا أقول تحلق الشعر. ولكن تحلق الدين وإصلاح ذات البين: إزالة أسباب الخصام والنزاع. بالتّسامح والعفو. أو بالتّراضي وفي الحديث حث وترغيب في إصلاح ذات البين واجتناب الإفساد فيها. لأن الإصلاح سببى للاعتصام بحبل الله وعدمِ التفرق بين المسلمين. وفسادُ ذات البين ثُلمة في الدين. فمن تعاطي إصلاحها ورفع فسادها. نال درجةً فوق ما يناله الصائمُ القائم المشتغل بخاصة نفسه.
ولأهمية الإصلاح بين الناس. أجاز النبي صلي الله عليه وسلم الكذب للإصلاح بين المتخاصمين. كأن يذكر الذي يصلح علي لسان أحد المتخاصمَين مدحاً لخصمه وثناء عليه. من غير أن يكون هذا قوله حقيقة. فعن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ليس بالكاذب من أصلح بين الناس. فقال خيراً. أو نَمَّي خيراً .
الإصلاح بين الناس من أخلاق وشمائل نبينا صلي الله عليه وسلم التي حثنا عليها بقوله وفعله. لما فيه من إصلاح للفرد والمجتمع. فهنيئاً ثم هنيئاً لمن أجري الله الخير علي يديه. فجعله سبباً للإصلاح بين المتخاصمين.. ومهما قلنا من كلمات لإبراز قيمة هذا العمل في ميزان الله عز وجل فإنّنا لن نقدر. فقد رفعه رسول الله صلي الله عليه وسلم فوق درجة صيام النّافلة. وصلاة النّافلة. وصدقة النّافلة.
اترك تعليق