سودة بنت زمعة بن قيس العامرية القرشية، أسلمت وبايعت النبي صلي الله عليه وسلم، وكانت من السابقين إلي الإسلام ومن أوائل الداخلين فيه، هي صحابية جليلة نبيلة، ذو حسب ونسب، عرفت بكرمها، ورجاحة عقلها، فهي عروس وقور، قد ساقتها أقدارها إلي بيت النبوة، والعمر قد شارف علي الانتهاء، وبقايا النضارة والصبا لم يبق منها غير أطلال، فكانت ثاني زوجات النبي صلي الله عليه وسلم، وقد روت عنه بعض الأحاديث الصحيحة، وأخرج لها أحمد بن حنبل في مسنده ثلاث أحاديث.
* كانت سودة بنت زمعة رضي الله عنهاـ وزوجها السكران بن عمرو من الذين قد آمنوا بدعوة رسول الله صلي الله عليه وسلم ـ إلي الإسلام وكان ذلك في مكة في بداية الدعوة، ومع اشتداد أذي كفار قريش للمسلمين، ومحاولات التضيق عليهم، وتعذيبهم، أذن رسول الله "ص" لمن أراد من المسلمين بالهجرة إلي الحبشة، وقال لهم إن فيها ملكا عادلا لا يظلم عنده أحد حتي يقضي الله أمرا كان مفعولا، وكان عدد المهاجرين ثلاثة وثمانين رجلا وتسع عشرة امرأة، وكانت سودة وزوجها من الذين خرجوا من مكة متوجهين إلي الحبشة، فرارا بدينهم وكان لها منه خمسة أولاد.. وقد استقروا هناك فترة من الزمن يدفعهم الشوق والحنين إلي موطنهم.
* ولم يلبث أن شعر المهاجرون هناك بضرورة العودة إلي مكة، فعادت هي وزوجها معهم، علي قوارب صغيرة تعبر البحر الأحمر بما فيه من أخطار، في رحلة طويلة من شواطئ الحبشة، ثم قطعوا مسافة طويلة مشيا علي الأقدام في الصحراء الحارقة حتي وصلوا مكة، وذلك بعد أن صدقوا الأخبار التي أتتهم بإسلام قريش، وكانت هذه الاشاعات خدع، ومع ذلك مكثوا في ديارهم متحملين كل أذي في سبيل البقاء مع النبي صلي الله عليه وسلم.
* وبينما هي كذلك تجلس في بيتها إذ رأت في المنام أن قمرا انقض عليها من السماء وهي مضطجعة، فعندما صحت أخبرت زوجها السكران بن عمرو فقال: والله لئن صدقت رؤياك لم ألبث إلا يسيرا حتي أموت وتتزوجين من بعدي، فمرض زوجها من بعد هذه الرؤية، وثقل عليه المرض، حتي مات.
* وبعد وفاة زوج السيدة سودة، جاءت خولة بنت حكيم زوجة عثمان بن مظعون، ورفيقة سودة أثناء الهجرة في الحبشة إلي رسول الله "ص" فقالت : يارسول الله كأني أراك مهموما حزينا دائما لفقدك خديجة فقال: "أجل، كانت أم العيال، وربة البيت"، قالت: أفلا أخطب لك قال: "بلي، فما عندك، قالت بكر وثيب فقال: من البكر ومن الثيب، فقالت: البكر بنت أحب خلق الله إليك عائشة، والثيب سودة بنت زمعة وقد آمنت بك واتبعتك، قال: فاذهبي فاذكريهما علي أي "أخطبيهما"
* وقد تحققت رؤيا سودة وخطبها النبي "ص " بعد أن انتهت عدتها . وذلك في سنة عشر من البعثة النبوية، وهي أول أمرأة تزوجها عليه الصلاة والسلام بعد السيدة خديجة وحين تزوجها النبي "ص" كانت تبلغ من العمر أكثر من خمسين عاما، وهي صاحبة بشرة شديدة السواد، غير مطلوبة للزواج، ولكن رسول الله لا يريدها زوجة بالمعني المألوف، ولكن كان بزواجه منها يقيم دعائم الرحمة بتلك المهاجرة التي رحل عنها زوجها وخلف صبيانا صغارا، وقد فرت بدينها إلي الحبشة، وعادت لمكة ينتظرها متربصون، كما أراد النبي " ص" ايضا العمل علي استقرار بيته ورعاية بناته علي يد هذه الأم العطوفه الرؤوم، وظلت سودة بنت زمعة تعيش مع رسول الله صلي الله عليه وسلم لأكثر من ثلاث سنوات وحدها، حتي دخل بعائشة رضي الله عنها.
* شهدت أم المؤمنين سودة مع النبي صلي الله عليه وسلم غزوة خيبر، وحجة الوداع ..وحينما نطالع سيرتها العطرة نراها سيدة خفيفة الظل، وكثيرا ما كانت تضحك الرسول "ص"، فهي جمعت من الشمائل أكرمها، ومن الخصال أنبلها، ومن مزاياها أنها كانت معطاءة.. حيث اتصفت بالكرم والسخاء والإكثار من الصدقة . ففي خيبر لما أخذت قسمتها من الفئ، قامت بتوزيعه كاملا دون أن تأخذ منه شيئا، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ـ في خلافته يرسل لأمهات المؤمنين من الدراهم، فلما أرسل لها أمرت خادمتها أن تقوم بتوزيعه ما بين الفقراء والمساكين.. فقد كانت قنوعة تدعو الله بالثبات علي ذلك وتعلم أن الآخرة دار البقاء وأن الأجر مضاعف عند الله تعالي.
* أثنت السيدة عائشة رضي الله عنها ـ علي سودة بنت زمعة فقالت: "ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة فهي امرأة فيها حدة".
* روت عدة أحاديث عن النبي صلي الله عليه وسلم ـ منها في الصحيحين للبخاري . وأخرج لها أحمد بن حنبل عدة أحاديث.
* توفيت سودة بنت زمعة بعد أن أتمت المائة عام من عمرها، وكان ذلك في السنة الرابعة و الخمسين من الهجرة رضي الله عنها وأرضاها.
اترك تعليق