د. دياب فتحي دياب.. من علماء الأزهر الشريف وخبير التنمية البشرية
نحن في أمس الحاجة إلي استلهام العبر من رحلة الإسراء والمعراج وإسقاطها علي واقعنا. وأن نخرج من السرد القصصي إلي فلسفة القصص. فهناك سيرة وفقه السيرة. وهناك فقه وفقه الفقه. وهناك فهم وفهم الفهم.
رحلة الإسراء والمعراج معجزة إلهية لا يمكن للعقل البشري أن يعرف كيفيتها» لذا كان أصحاب النبي يصدقون الخبر وقد يكذبون النظر. فنظر البشر يزيغ وخبر الصادق الأمين أصدق من البصر. حتي قال قائلهم: والله لقد رأيت الجنة بعيني رأسيقيل كيف؟ قال رأيتها بعيني رسول الله - صلي الله عليه وسلم - عينا رسول الله لا تزيغ وعيناي تزيغ» لذا تري صديق الأمة الأكبر أبا بكر - رضي الله عنه - يعبر عن هذا المعني حينما حدثه بعض المشركين بما أخبر به نبينا من أمر الإسراء» رجاء أن يستعظمه أبو بكر فلا يصدقه فقال أبو بكر: إن كان قال ذلك فقد صدق إني لأصدقه في أبعد من هذا. فأطلق عليه من يومها لقب ¢الصديق¢ وهذا درس في الإيمان والتصديق والثبات علي المبدأ. وهو أيضا درس في الصداقة الحقيقية المبنية علي المبادئ والمواقف» ولذا ورد: إذا أحب أحدكم أخاه في الله فليعلمه. فإنه أبقي في الألفة. وأثبت في المودة ¢.
هذه الرحلة المباركة وثقت الرباط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصي. فلماذا لم يعرج برسول الله مباشرة من المسجد الحرام إلي السموات العلا. بل كان المرور بهذه المحطة القدسية؟ كان ذلك للربط بين المسجدين» إشعارا بأن التهديد للمسجد الأقصي وأهله إنما هو تهديد للمسجد الحرام وأهله. وأن النيل من المسجد الأقصي إنما هو توطئة للنيل من المسجد الحرام. ولبيان واجب أمتنا المسلمة ومسئوليتها تجاه مسري نبيها. فلم تكن معجزة الإسراء والمعراج مجرد تشريف وتطييب لقلب النبي -صلي الله عليه وسلم- فحسب. إنما دلت هذه الرحلة العظيمة كذلك علي أنه نبي القبلتين ووارث الأنبياء قبله وإمام الأجيال بعده فقد التقت في شخصه الكريم وفي إسرائه مكة بالقدس. والبيت الحرام بالمسجد الأقصي. وصلي بالأنبياء خلفه. فكان هذا إيذاناً بعموم رسالته وخلود إمامته. وإنسانية تعاليمه وصلاحيتها لاختلاف المكان والزمان. فهنا ربط للأمة المحمدية بكل أصولها وأسلافها من الأنبياء والصديقين» ليصل بها إلي أنها أمة الإمامة والقيادة.. أمة الواجب والمسئولية كنتم خير أمة أخرجت للناس.
إن اصطفاف الأنبياء خلف نبينا - صلي الله عليه وسلم- يعلمنا قيمة الاصطفاف حول الأهداف المشتركة والاتحاد والتخلي عن¢الأنا البغيضة التي فرقت بلداننا. وزرعت الأحقاد بين شعوبنا. فهل نتعلم الدرس ونتخذ من إمامة نبينا للأنبياء نبراس هداية. ومنهج رشد. ومسلك نجاة؟.
لقد تحمل النبي - صلي الله عليه وسلم - وأصحابه الكثير من أذي قومه بصبر جميل وعزم طويل. استمر سنوات والرسول يحتشد وأصحابه لعظائم الأمور. ويستحثهم علي مواجهة ظلم المتكبرين بمزيد من الصبر الجميل. ثم جاءه الفرج من السماء فقد استضافة ربه في الملأ الأعلي» تشريفاً وتكليفاً له بأعباء هذه الدعوة وكأن الله يقول لنبيه: إذا كان أهل الأرض قد رفضوا دعوتك ووقفوا في طريقها فإن السماء وما فيها في شوق لرؤيتك. والترحيب بك. ليعلم علم اليقين أن الله عز وجل يكلؤه بعنايته فهنا درس في الفرج بعد الشدة. وفي صناعة الأمل يستفيد المسلم منه أنه مهما أصابه من ضر ومهما وقع به من بلاء ومهما اشتدت به المحن فإن الفرج آت بإذن الله تعالي.
ضـاقت فلما استحكمت حلقاتها فـُرجت وكنت أظنها لا تـُفرج
ويقولون متي هو ؟ قل عسي أن يكون قريباً
اترك تعليق