أكد الدكتور عل يجمعة_المفتي السابق_إن استغاثة الحي بالميت ليست طلبًا من عدم، بل من حيٍّ حياةً برزخية لها من القدرة والتصرف ما يشاء الله تعالى، والله تعالى لا حدَّ لقدرته؛ يُقْدِر مَن شاء على ما يشاء؛ فلا يقال: الاستغاثة بالميت فيها طلب ما لا يقدر عليه إلا الله من المخلوق، فتكون شركًا؛ لأنا نقول: يلزم على ذلك أن كل طلبٍ مِن المخلوق فهو شركٌ، وهذا مخالف لِمَا عُلِم بالضرورة من دين الإسلام؛ لأن المخلوق -حيًّا كان أم ميتًا، حاضرًا أم غائبًا- لا يقدر على فعل شيء أصلًا إلا بإقدار الله جل وعلا.
لفت فضيلته إلى أن الحي إنما يستغيث بمن يُرجى حصول الكرامات له بعد موته؛ وقد تواردت الدلائل الصحيحة على ثبوت الكرامات بعد الممات، ومنها ما يلي:
ما رواه البخاري في "صحيحه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أن كفار قريش لمّا علموا بقتل عاصم بن ثابت رضي الله عنه بعثوا مَن يأتيهم بشيء من جسده، فبعث الله لعاصم مثل الظُّلّة مِن الدَّبْر -أي النحل والزنابير-، فحَمَتْه من رسلهم، فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئًا"، وهذا صريح في كرامة الله له بعد موته".
وروى الطبراني في الأوسط من حديث حذيفة رضي الله عنه بسند جيد -كما قال السيوطي في "الخصائص الكبرى"-، وابن أبي الدنيا في كتاب "مَن عاش بعد الموت"، والبيهقي في "دلائل النبوة" واللفظ له، من حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَتَكَلَّمُ بَعْدَ الْمَوْتِ»، وقد علقه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (3/ 456، ط. دائرة المعارف العثمانية بالهند) على جهة الجزم به.
قال الحافظ البيهقي: "والرواية في ذلك صحيحة ثابتة، وقد رُوِيَ في التكلم بعد الموت عن جماعة بأسانيد صحيحة".
قال الحافظ البيهقي: "هذا إسناد صحيح؛ لا يشك حَدِيثيٌّ في صحته".
تابع د.جمعة:قد نص كثير من العلماء أن الميت ينفع الحي، وتعود عليه بركته؛ قال العلّامة ابن القيم الحنبلي في كتاب "الروح" (ص: 21): [وقد دل التقاء أرواح الأحياء والأموات أن الحي يرى الميت في منامه فيستخبره ويخبره الميت بما لا يعلم الحي فيصادف خبره كما أخبر في الماضي والمستقبل، وربما أخبره بمال دفنه الميت في مكان لم يعلم به سواه، وربما أخبره بدين عليه وذكر له شواهده وأدلته، وأبلغُ من هذا أنه يخبر بما عمله من عمل لم يطلع عليه أحد من العالمين، وأبلغُ من هذا أنه يخبره أنك تأتينا إلى وقت كذا وكذا فيكون كما أخبر، وربما أخبره عن أمور يقطع الحي أنه لم يكن يعرفها غيرُه] اهـ.
اترك تعليق