يكثر في المصنفات الفقهية مصطلح:"ارتفاع الشمس قدر رمح"، فما المقصود من هذا المصطلح؟.
أشارت دار الإفتاء المصرية إلى ما رواه الإمام أحمد والنسائي -واللفظ له- من حديث أبي أمامة الباهلي رضِي الله عنْهُ قال: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ يَقُولُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ مِنْ سَاعَةٍ أَقْرَبُ مِنَ الأُخْرَى؟ أَوْ هَلْ مِنْ سَاعَةٍ يُبْتَغَى ذِكْرُهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْعَبْدِ جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَحْضُورَةٌ مَشْهُودَةٌ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، وَهِىَ سَاعَةُ صَلَاةِ الْكُفَّارِ، فَدَعِ الصَّلَاةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ قِيدَ رُمْحٍ وَيَذْهَبَ شُعَاعُهَا، ثُمَّ الصَّلَاةُ مَحْضُورَةٌ مَشْهُودَةٌ حَتَّى تَعْتَدِلَ الشَّمْسُ اعْتِدَالَ الرُّمْحِ بِنِصْفِ النَّهَارِ، فَإِنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَتُسْجَرُ، فَدَعِ الصَّلَاةَ حَتَّى يَفِيءَ الْفَيءُ، ثُمَّ الصَّلَاةُ مَحْضُورَةٌ مَشْهُودَةٌ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغِيبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَهِيَ صَلَاةُ الْكُفَّارِ».
وفي "الصحيحين" -واللفظ للبخاري- من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلاَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ».
يؤخذ من هذين الحديثين أن هناك أوقاتًا يكره فيها الصلاة، ومعنى كراهية الصلاة فيها أي كراهية التنفل المطلق، وهو الذي ليس له وقت أو سبب، وذلك كمن أراد أن يشرع في ركعتين يتعبد الله بهما، أو أراد صلاة استخارة قد يؤجل ميعادها، أما قضاء الفوائت وركعتي الوضوء وصلاة الحاجة فلا تدخل في النهي.
ومن هذه الأوقات التي يكره الصلاة فيها:
عند طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح، وورد في بعض الروايات: «قَدرَ رُمحَينِ» رواه أحمد، والوقت الذي يكون فيه الشمس مرتفعة عن الأفق قدر رمح أو رمحين هو من المواقيت التي ربط بها الشرع العديد من المسائل الفقهية؛ كبداية صلاة الضحى عند بعض الفقهاء وبداية صلاة العيدين وغيرهما.
وما ورد في الأحاديث من قيد «الرمح»، وقيد «الرمحين» فهو من هذا القبيل، فهي من العلامات التي وضعها العرب لقياس الأشياء بها، وفيه خمس لغات: قيد رمح، وقدر رمح، وقِدَى رمح، وقاب رمح، وقِدَّة رمح، والمعنى مقدار الرمح أي طوله، والمقصود بطلوع الشمس قدر رمح أو رمحين أن تكون في عين الناظر عند طلوعها طول الرمح أو الرمحين، وقد نقل ابن رجب في "فتح الباري" (5/ 44، ط. مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة النبوية) عند شرحه لحديث (نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس)؛ قال: [وخرجه أبو داود، وعنده: «ثمَّ أقصِر حَتَّى تطْلع الشَّمسُ قيدَ رمحٍ أو رمحين»، وقال سفيان عن هشام عن ابن سيرين: تحرم الصلاة إذا طلعت الشمس حتى تكون قيد نخلة] اهـ.
فإذا نظر الشخص إلى الشمس عند طلوعها وبلغت هذا القدر في نظره، فإنه يزول وقت كراهة الصلاة، ويدخل وقت الضحى عند بعض الفقهاء.
اترك تعليق