يأتى ذلك تحت عنوان "التصوف والتنمية.. دور البعد الروحى والأخلاقى فى صناعة الرجال"، تكثيفا شديدا للجلسات العلمية والفنية، التى تبدأ فى العاشرة صباحا وتنتهى مع منتصف الليل، بجانب إقامة معرض القرية التضامنية، والذى يضم مشغولات وصناعات يدوية، كنوع من التكافل الاجتماعى فيما بين الأسر والشباب المنتج والمستهلكين، فضلا عن افتتاح معرض الآثار المحمدية- لأول مرة- ويضم مجموعة من الآثار النبوية الأصلية.
وكانت الجلسة العلمية السادسة، تحت عنوان "التصوف والتنمية الثقافية والجمالية"، أدارها د. محمد مصطفى الرمضانى- الأستذ بجامعة محمد الأول، وجدة- واصفا التصوف بأنه أرقى مقامات الإبداع، والبحث عن القيم المطلقة، وهذا أساس الجماليات والثقافة الجمالية وتربية الإنسان، مستدلا بالخط العربى ودوره فى الحفاظ على الروح الجمالية وتداخله فى التصوف.
وأكد أن الإكثارمن الصلاة على سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- يسهم كثيرا فى تحقيق للتوازن والاستقرار فى حياة الإنسان، بل إنه لغة إعجاز وإبداع والتعبير دون حديث بحاله الداخلى وهو جوهر البحث عن الجمال، مستدركا: لكن السؤال الأهم هو: كيف نجعل من كل هذا سلوكا يوميا من خلال استغلال السينما والصورة التى تساعدنا كثيرا فى البحث وتعريف وتقديم الجمال والقيم الراقية.
واستعرضت د. ماجدولين النهيبى- كلية علوم التربية بالرباط- دور التصوف وتنمية الذوق الثقافى والفنى.. جماليات اللغة العربية والخط نموذجا، مؤكدة أن السائر فى طريق المعرفة ترتقى روحه فتنكشف له آيات الجمال وتربية الأذواق لتسمو فى ملكوت الله، وأن التصوف له قدرة كبيرة ومتفردة على التواصل عن طريق اللغة التى تحمل آيات الجمال الكبرى فى اللغة العربية حاملة القرآن الكريم والتى قيَّد لها من يحفظها.
وأشار د. عبدالرزاق التورابى- بجامعة محمد الخامس السويسى، الرباط- إلى أن تنمية الإنسان تكون عبر المحبة والانغماس فى الصلاة على النبى النعمان، لتوجيه المجتمع سلوكيا وأخلاقيا، فالصلاة على النبى هى مفتاح كل تنمية وخلق عظيم.
ووصف د. ميمون عراص- الباحث بجامعة محمد الأول، وجدة- التصوف بأنه الوحيد القادر على ملء الفراغ الروحى الذى خلّفته الحضارة الغربية، ومواجهة الإحباط والإرهاب والتطرف والجرائم الأخلاقية والانحرافات، فهو المصدر الأول لرجال الولاية والصلاح، والحفاظ على الهوية الإنسانية، والتقريب بين الشعوب.
وقدَّم د. الحبيب ناصرى- أستاذ التعليم العالى بمركز التربية والتكوين، الدار البيضاء- لمحات عن "التصوف والسينما بعيون متبادلة.. نحو رؤية تنموية ثقافية وجمالية" موضحا أن من أهم وظائف التصوف "نقل المُدنَّس إلى المُقدَّس"، وقام بتبيان طبيعة البعد الجمالي والإنساني والثقافي والكرامات في السينما الروائية والوثائقية، من خلال فيلم جارات ابي موسى لمحمد عبدالرحمن التازي الروائي، وهو في الأصل، رواية للكاتب احمد التوفيق وتحمل العنوان نفسه، بالإضافة الى فيلم مولانا جلال الدين الرومي وهو للمخرج التركي سنم اوجال دمرتاش، وتم تقديم مشهد من الفيلم الوثائقي الذي حضرت فيه أشعار وحكم مولانا جلال الدين الرومي التالية: كن في الحب كالشمس، كن في الصداقة والأخوة كالنهر، كن في الغضب كالميت، كن في التواضع كالتراب، كن في ستر العيوب كالليل.
واستعرض د. كمال عبدالمجيد- كلية آداب ابن مسيك، الدار البيضاء- وقفات مع تجديد الشيخ حمزة بن العباس لمرتكزات الزاوية وممعالم التصوف بالمغرب.
ودعا الزميل مصطفى ياسين- مدير تحرير عقيدتى- الطريقة البودشيشية لإنتاج أفلام وأعمال درامية عن أقطاب الصوفية وتقديم سيرتهم حتى تكون نبراسا لأبناء الصوفية، وأن تبدأ بالتعاون مع بعض الطرق الصزفية الأخرى فى هذا الإطار، لاقتحام المجال السينمائى والإبداعى باعتباره طريقا تكنولوجيا وحديثا لنشر التصوف الصحيح.
المواطنة
وحملت الجلسة السابعة عنوان "التصوف والمواطنة.. مداخل تنموية" برئاسة د. عبدالرحمن أسامة- أستاذ التعليم العالى بجامعة محمد الأول، وجدة- وتحدث فيها د. رشيد أكديرة- الباحث فى الفكر الصوفى، فاس- عن "الإنسان الكامل أو المواطنة الصالحة أُفقا لأنسنة التنمية".
وقدَّم د. محمد أديوان- نائب رئيس جامعة القرويين، فاس- قراءة فى الأبعاد والديناميات للتصوف والتنمية البشرية.
كما تحدث د. آدم نوح- جامعة مالى- عن الدور الصوفى فى التنمية. ود. محمد الرشيد- جامعة عبدالمالك السعدى، تطوان- عن التصوف ودوره الملموس فى بناء الفرد وتزكية النفوس. ود. حمزة الرشيد- الباحث فى التصوف، فاس- عرض لبناء النفس والوجدان كدعامة لتنمية الإنسان.
الروح والأخلاق
وجاءت الجلسة الثامنة بعنوان "منهج التربية الروحية والأخلاقية فى الزوايا" برئاسة الإعلامى المصرى حسن الشاذلى الذى أكد أن الزوايا هى التى تعيد بناء الشخصية، مشيرا الى النبى قضى 13 عاما تصوفا فى مكة لبناء الشخصية المسلمة على المحبة والعقيدة والصفاء لصالح بناء أمة، ثم انطلق الى المدينة لتكون أمة ودولة.
وعرض د. صلاح الدين المستاوى- عضو المجلس الإسلامى الأعلى بتونس- لتميز الزوايا فى تركيز البعدين الروحى والأخلاقى للإنسان، مؤكدا أن التصوف فى حقيقته حب واتباع واجتهاد فى طاعة الله.
وأشارت د. ثريا عيّوش- جامعة باريس- إلى أسس المحبة والوحدة الإنسانية ودور المرأة من خلال استعراضها لسورة سيدنا يوسف.
وتحدث د. محمد بنيعيش- أستاذ التعليم العالى بجامعة محمد الأول، وجدة- عن "المراهنة الرياضية ومراقبة الأعمال الإنسانية عند الصوفية"، واصفا الصوفية بأنهم أهل الرهان الأعظم والرياضة المتطورة والفنون الروحية بلا منازع.
وقدَّم د. بدر المدنى- أستاذ العلوم الإسلامية بجامعة الزيتونة- عرضا لمنهج التربية الروحية والأخلاقية فى الزوايا، مشيرا إلى أن أول زاوية أُنشئت كانت فى دار حراء حيث بدأ الوحى وعلاقة النبى بربِّه، ثم انطلقت التربية والتنمية الى السيدة خديجة، ثم الصحابة السابقين، فكان الصديق رمزا للصدق، والفاروق للعدل، وعثمان للحياء، وعلى للعلم، ثم مكة كلها للتوحيد.
وشدَّد د. مدنى، على ضروة الاهتمام بالزوايا وتحويلها لحصون وقلاع تربوية لتربية النشء على الأخلاق وحب الأوطان وصناعة الوعى فى معركة بناء المستقبل.
وتحدثت د. أسماء المصمودى- عضو رابطة علماء المغرب- عن "التربية الروحية بين تنمية السلوك الأخلاقى وترقية الإبداع الجمالى.. المعطى الشرقى وكتاب الخيرة أنموذجا"، مؤكدة أن التصوف قائم على المنهج النبوى.
وتناول د. جرجورى فاندام- المفكر بجامعة لوفان، بروكسل- دور التصوف فى ملء الفراغ الروحى لدى الغربيين.
وتناول د. حكيم الإدريسى- جامعة الحسن الثانى، كلية آداب ابن مسيك، الدار البيضاء- عرضا لأصول التربية عند مشايخ القادرية البودشيشية، قراءة فى وصية العارف بالله سيدى حمزة.
وكنوع من الوفاء بالراحل الشيخ أحمد لقمة- وكيل أول مشيخة الطرق الصوفية بمصر- غيَّر د. فاضل نعمان- أستاذ اللغة العربية والتصوف بجامعة باجى مختار، عنابة، الجزائر- بحثه وخصصه للحديث عن "التربية الروحية فى التجربة الصوفية لدى أعلام الزوايا.. كتابات أحمد لقمة أنموذجا".
الرأسمال اللامادى
وقدَّم الشاعر الموريتانى "الشيخ أبو شجَّة" قصيدة بعنوان الخندق الثانى، قبل بدء الجلسة التاسعة بعنوان "التصوف والرأسمال اللامادى.. آفاق جديدة للتنمية" برئاسة د. عبدالصمد غازى- مدير مركز مسارات للدراسات الاستشرافية والإعلامية، الرباط- وبدأت د. رشيدة عزام- جامعة محمد الخامس، الرباط- بالتساؤل: هل قوة الحب هى التى تنتصر أم حب القوة؟ مطالبة بضرورة إنقاذ العلم من التوحّش فى ظل غياب الحب، محذرة من أن غياب الحب عن أى عمل يحوله الى مجرد سلعة بلا مقابل، فالحب هو ثروة وغنى، وهذا ما يتميز به الصوفية.
وتساءل أيضا د. خالد شيات- أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول، وجدة-: ماذا يففقد العالم بدون أخلاق؟ وهذا ما يوفره التصوف للإنسانية.
أما د. عبدالناصر أشلواو- الباحث فى التصوف بجامعة سيدى محمد بن عبدالله، فاس- فعرض لمنظور التصوف تجاه التنمية للفرد الى تنمية المجتمع، نحو تنمية بشرية سوية.
وأشارت د. سيلفى تاوسيج- بجامعة فرنسا- إلى دور التصوف فى تحقيق التنمية الشاملة، وقارن د. عبدالمجيد بوكير، ود. عبدالقادر لشقر- جامعة سيدى محمد بن عبدالله، تازة- التنمية بين توحّش العولمة وعولمة العمل الصالح، وحاجة العالم لتصوف يُؤنسِن العولمة.
ووصف الشيخ محمد روحى القادرى- مدير كلية السيد محمد علوى المالكى لعلوم الحديث شيخ الزاوية القادرية فى اسطنبول، تركيا- التصوف بأنه نور الحياة، وأشار د. طارق العلمى- الباحث بمركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصة، وجدة- الى السياق التربوى ومرتكزات العمل الصوفى بالمغرب.
اترك تعليق