حفظ النفس من الكليات الخمس التي جاء الإسلام بصونها ورعايتها، وفي الوقت نفسه حفظَ الشرعُ للميت حرمته وكرامته، فحرَّم الاعتداء عليه بأي شكل. ومن هنا يثور التساؤل: هل يجوز للإنسان أن يتبرع ببعض أعضائه بعد وفاته (مثل العين) لإنقاذ حياة الآخرين؟
أوضحت دار الافتاء أنه قد صدر في نفس هذا الموضوع الفتوى رقم 212 سجل 88 بتاريخ 14 إبريل سنة 1959م. وكان نص الجواب فيها:
إننا بحثنا هذا الموضوع ووجدنا أن الإنسان بعد موته تجب المحافظة عليه ودفنه وتكريمه وعدم ابتذاله؛ فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم النّهي عن كسرِ عظمِ الميت؛ لأنه ككسره حيًّا، ومعنى هذا الحديث أن للميت حرمةٌ كحرمته حيًّا؛ فلا يُتعَدَّى عليه بكسرٍ أو شقٍّ أو غير ذلك.
وإخراجُ عين الميت كإخراجِ عين الحي يُعتَبَرُ اعتداءً عليه غير جائز شرعًا، إلا إذا دعت إليه ضرورةٌ تكون المصلحةُ فيها أعظمُ من الضرر الذي يصيب الميت؛ وذلك لأن قواعد الدين الإسلامي مبنية على رعاية المصالح الراجحة، وتحمُّل الضرر الأخف لجلب مصلحة يكون تفويتها أشدُّ من هذا الضرر.
فإذا كان أخذُ عينِ الميت لترقيع قَرَنيَّة عين المكفوف الحيّ يحقق مصلحة ترجح مصلحة المحافظة على الميت جاز ذلك شرعًا؛ لأن الضرر الذي يلحق بالحيّ المضطر لهذا العلاج أشدُّ من الضرر الذي يلحق الميت الذي تؤخذ عينه بعد وفاته، وليس في هذا ابتذالٌ للميت ولا اعتداءٌ على حرمته المنهيّ عنه شرعًا؛ لأنّ النّهي إنما يكون إذا كان التعدّي لغير مصلحة راجحةٍ أو لغير حاجةٍ ماسةٍ،
وبناء على ما سبق .. لا مانع من ذلك شرعًا؛ تحقيقًا لمصلحة الحيّ، وليس في ذلك اعتداءٌ على حرمة الميت؛ لتحقُّق الضرورة التي تدعو لذلك، هذا إذا لم يكن للميت أهلٌ؛ فإذا كان له أهل فإن الأمر يكون بيدهم وبإذنهم في هذه الحالة. ولا إثمَ حينئذٍ على من تبرَّع أو أذن بالصفة الموضحة ما دامت المصلحة راجحة.
اترك تعليق