مع بدايات البعثة المحمدية في مكة المكرمة كان الحبيب المصطفي- صلي الله عليه وسلم- يسير في الطريق فرأي عجوزاً تحمل أمتعتها ولا تجد من يساعدها لكي تضع تلك الأمتعة علي جملها.. فأسرع إليها الحبيب وهو لا يعرف من هي..؟ لأنه ذو خلق عظيم يهتم بالخير والمعاملة الحسنة لأي انسان كان.
حمل عنها رسولنا الكريم أمتعتها ووضعها علي ظهر الجمل.. ولم يقف عند هذا الحد بل جر الجمل حتي وصلت مقصدها وقام بمساعدتها في إنزال الأمتعة وتأكد من راحتها وسلامتها.
نظرت العجوز إلي الحبيب المصطفي وهي لا تعرفه وقالت: يا أيها الشاب ان وجهك يملأه النور وملأت قلبي بالراحة ولا أعرف كيف أجازيك علي ما قدمت لي من معروف؟ لا أملك مالا أو جاها لكني أستطيع فقط أن أهديك نصيحة..!!
فقال لها الحبيب: انصحيني.. قالت: في مكة شخص يدعي "محمد" هو سييء جداً فرق بين الأهل ويعلم الناس ما يضلهم عن دين أجدادهم.. ابق عنه بعيداً.. فأنت رجل صالح جداً وأخشي عليك منه..!
سكت الحبيب المصطفي هادئاً صابراً ولم يعقب.. بعدها سألته العجوز.. ما اسمك يا بني؟ فرد الحبيب بهدوء وابتسامة قائلاً: أنا محمد الذي ذكرته آنفا.
لم تنطق العجوز سوي أن جلست علي الأرض وهي تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك يا محمد رسول الله..!!
تذكرت هذه القصة التي قرأتها منذ سنوات طويلة ونحن نستعد لاستقبال شهر ربيع الأول غداً.. حيث نفحات المولد النبوي.. كل عام وأنتم بخير.. وكل العالمين بألف خير فهو الحبيب الرحمة المهداة.. أرسله الله سبحانه وتعالي رحمة للعالمين.. ها هي نفحات الخير تهل.. ونسمات الحب تطل.. وكلنا نصلي علي الحبيب المصطفي.. صلوا عليه وسلموا تسليما.. عليه أفضل صلاة وأزكي سلام يا حبيبي يا رسول الله.
القدوة.. العمل الطيب.. السلوك الانساني الراقي هو أساس تبليغ الرسالة.. وإذا كان بعض الأنبياء كانت لهم معجزات خارقة مثلما حدث مع سيدنا إبراهيم عندما كانت النار برداً وسلاماً عليه.. وموسي بآياته التي أرسلها الله إلي فرعون خاصة العصا واليد وشق الماء إلي يابسة وعيسي الذي يبريء الأكمه والأبرص ويصنع الطير من الطين وينفخ فيه فيكون طيراً ويتكلم في المهد.. وداود الذي ألان الله له الحديد.. وسليمان الذي سخر له الله الريح والجن.. وغير ذلك من المعجزات.. فإن الله أيضا دمر أقواما أنكروا نبوة الأنبياء مثل قوم نوح وقوم عاد وقوم ثمود.. لكن الحبيب المصطفي كان هو ذاته أولاً المعجزة.. كان نبياً وخاتم الأنبياء ومازال آدم طينا..!!
والقرآن الكريم معجزة نبينا محمد ليس كالعصا التي تحولت إلي ثعبان في يد موسي.. ولا ميت أحياه عيسي.. بل كان القرآن دلالة علي النبوة بإعجاز إلهي وتحد رباني أن يأتي أحد بسورة مثله.. بل حتي آية مثل آياته!! فكان إعجاز القرآن علما وعملا وبلاغة وتحديا.. وليس خافيا أنه حتي الآن فإن هناك من يحاول أن يثبت خللاً واحداً في آي القرآن وكلهم فشلوا لأنه الحق أنزله الحق علي قلب نبينا محمد..!!
كان الحبيب المصطفي قبل الوحي نموذجا للانسان الكامل.. وكان نموذجا للمعصوم.. عصمه الله عن الخطأ والشرك والأوثان وتذكر بعض كتب السيرة انه- صلي الله عليه وسلم- قبل البعثة حمل الحجارة في بناء الكعبة وهو غلام مع عمه العباس وحمل الحجارة في إزاره فانكشف فسقط مغشيا عليه حتي استتر بإزاره ودعي وهو صغير إلي وليمة عرس فيها لعب لكنه غشيه النوم ولم يتابع حتي طلعت الشمس حيث نزهه الله ولعل في قصة تصديق السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها لنبوة الحبيب المصطفي ما يؤكد ذلك حيث صدقته فوراً لأنها أقرب انسان إليه وتعرف صدقه وبره وطيب معدنه.. كذلك صدقه صديقه أبوبكر فوراً فكان الصديق لأنه يعرفه جيداً قبل الرسالة.. ولم يستطع أبوسفيان وهو كان مازال علي الكفر أن يكذب علي هرقل عندما سأله عن النبي- صلي الله عليه وسلم- وعندما سأل هرقل أبا سفيان عن حال النبي وما يأمر به قال أبوسفيان: يأمر بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف.. فقال هرقل فوراً: إن يكن ما تقول حقا فهو نبي وسيملك ما تحت قدمي هاتين..!!
يا حبيبي يا رسول الله.. يا خير خلق الله.. يا حبيب الله.. إذا كان البشر آمنوا بك بصدقك وأمانتك وحسن خلقك فذلك ليس إلا بحب الله.. نعم هو حب الله لك وهو الذي رباك وهداك ورزقك خير الخلق زكاك ربك في خلقك فقال سبحانه وتعالي: "وإنك لعلي خلق عظيم" وزكاك سبحانه في حلمك فقال: "بالمؤمنين رءوف رحيم" ورفع لك ذكرك فقال سبحانه في كتابه "ورفعنا لك ذكرك" بل زكاك في طهرك فقال سبحانه: "ووضعنا عنك وزرك".. لقد حفل القرآن الكريم بتزكيات عديدة لك يا حبيبي من عند الله.. "ومن أصدق من الله"!!
بينما كان الحبيب المصطفي جالسا بين أصحابه.. دخل عليه رجل من أحبار اليهود واسمه "زيد بن سعنه".. اخترق اليهودي صفوف الصحابة متجها إلي الحبيب مباشرة.. وجذب الرسول من مجامع ثوبه وشده شدا عنيفا وقال له بغلظة وجفاء "أوف ما عليك من الدين يا محمد إنكم يا بني هاشم قوم مطل "أي تماطلون في أداء الدين" وكان الرسول- صلي الله عليه وسلم- قد استدان فعلا من هذا اليهودي بعض الدراهم لكن موعد أداء الدين لم يكن قد حان بعد.. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه بين الجلوس فقال للحبيب المصطفي: "ائذن لي يا رسول الله فأضرب عنقه".. فماذا كان رد الحبيب المصطفي.. قال لعمر: "بل مره بحسن الطلب ومرني بحسن الأداء".
وهنا تظهر علامات النبوة فيقول الحبر اليهودي: والذي بعثك بالحق يا محمد ما جئت لأطلب منك دينا إنما جئت لأختبر أخلاقك فأنا أعلم أن موعد الدين لم يحن بعد.. إلا أنني قرأت جميع أوصافك في التوراة ووجدتها كلها قد تحققت فيك إلا صفة واحدة لم أجربها وهي الحلم عند الغضب وأن شدة الجهالة لا تزيدك إلا حلما وقد رأيتها اليوم فيك.. وأشهد أن لا إله إلا الله وأنك يا محمد رسول الله.. أما الدين الذي عندك فقد جعلته صدقة علي فقراء المسلمين..!!
هذا الحبر اليهودي أسلم بالفعل.. وحسن إسلامه بل أصبح شهيداً في غزوة تبوك..!!
لا أحكي تلك القصة للتسلية بل لتؤكد ما أكده رسول الله أن القدوة والخلق الحسن هما أساس نشر الإسلام وأن الحبيب المصطفي- صلي الله عليه وسلم- ملك القلوب والعقول بسلوكه وخلقه وروحه وايمانه الكامل.. ولماذا لا يكون ذلك وهو الذي رباه ملك الملوك وهداه وعلمه واصطفاه.
يا حبيبي يا رسول الله نحن اليوم في أشد الحاجة إليك وإلي سلوكك وإلي تطبيق القرآن الكريم وسنتك الشريفة يا حبيبي يا رسول الله.. انهم يفهمون شرعك بطريقتهم وعلي هواهم وجعلوا دينهم هواهم ناسين أو متناسين سلوكك الشريف وتعاليمك العالية.. وأخلاقك السامية.
يا حبيبي يا رسول الله.. انهم يقتلون الأبرياء باسم الدين ومازالوا علي غيهم متجاهلين قول الله سبحانه وتعالي: "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر".. ومتجاهلين قول الله سبحانه وتعالي: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون".
إنهم يعيشون الحياة وكأنها الهدف والأصل لا شيء سواها إنهم يريدون الدنيا وقد نسوا قول الله سبحانه وتعالي: "وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وأن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون".
يا حبيبي يا رسول الله لو عرفوا سيرتك حقا.. وتابعوا سنتك.. ودرسوا كلامك وأفعالك.. ما كان هذا هو حالنا أبداً..!!
أنت الصادق فلم تكذب أبداً.. أنت الأمين فلم تخن أبداً.. أنت الانسان حقاً.. ما كنت فظاً غليظ القلب وما كنت ظالماً.. كنت الرحمة المهداة فظلت رحمتك حتي الآن.. بل إلي يوم القيامة.. وفي يوم القيامة يقول الكل بلا استثناء: نفسي نفسي أما أنت يا حبيبي فتقول لربك: أمتي أمتي..!!
يا حبيبي يا رسول الله.. هذا حالنا تعرفه.. فادع لنا ربك لعله يهدينا إلي سواء السبيل.
همس الروح
** من يصلي علي الحبيب المصطفي يرد عليه الحبيب هل هناك أجمل من ذلك؟
** صلوا عليه وسلموا تسليما.. تنالوا شفاعته وتتنزل عليكم الرحمات.
** صلوا عليه وسلموا تسليما فإن في الصلاة علي الحبيب نوراً يملأ القلب وينير الوجه ويهدي إلي صراط مستقيم.
** اللهم صل وسلم وبارك علي حبيبنا ونبينا وعبدك ورسولك محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.