** احتفل العالم الإسلامي أمس الأول بالمولد النبوي الشريف وعشنا أياما روحية رائعة يتجلي فيها الحب الحقيقي لسيد الخلق- صلي الله عليه وسلم.
وبرغم حالة الحب والرضا ومعايشة السيرة النبوية إلا أن هناك عدة تساؤلات فرضت نفسها علي الذكري الشريفة.. وأصبح من الضروري أن نفتح ملفاتها بحب ورضا وقناعة.
الملف الأول فتحه بصدق وشجاعة وقناعة إمامنا الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين في كلمته الرائعة الشافية الواضحة خلال الاحتفال بالمولد النبوي حيث اقتحم قضية التشكيك في حجية وثبوت السنة النبوية والطعن فيها ورد بقناعة وحجج واضحة وبرهان ساطع علي المشككين.. وقال كلمة الحق المبين مستندا إلي القرآن الكريم أولا وقبل كل شيء.
وكلمة الإمام الأكبر برغم ان العقلاء يرون انها كافية شافية ترد علي كل المزاعم والافتراءات إلا أنها في نفس الوقت تفتح الباب لضرورة أن نناقش بهدوء وعقل وبصراحة كل تلك الادعاءات والافتراءات علي السنة مع ضرورة المراجعة والتصحيح لأن بعض كتب التراث وللأسف الشديد تعتمد في بعض قضاياها علي أحاديث ضعيفة ولا تذكر لنا أنها ضعيفة ولا يوجد تحقيق للتراث إلا في القليل من هذه الكتب.
لقد فتح إمامنا الأكبر هذا الملف الشائك ومن قبله كان الشيخ محمد الغزالي قد اهتم به وكذلك الإمام الأكبر الأسبق الشيخ جاد الحق علي جاد الحق وجاء إمامنا الأكبر الدكتور أحمد الطيب ليكون صاحب رد حاسم وحازم وواضح وصريح ولوجه الله تعالي.. فوجد قبولا وارتياحا لدي كل من تابع كلمته وسمعها وفهمها لكن هذا لا ينفي حاجتنا إلي فتح هذا الملف الشائك والرد علي المشككين بوضوح ومساحة أكبر من النقاش والأخذ والعطاء..!
صحيح انها قضية واضحة وان الله سبحانه وتعالي أمرنا في كتابه الكريم بطاعة الله وطاعة الرسول.. وصحيح ان طاعة الرسول من طاعة الله خاصة ان الإسلام متوقف علي الشهادتين.. شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لكن القضية أكبر وأخطر لأن هناك ثلاث فئات تأخذ بالرأي الآخر.. فئة عن عمد وإصرار سواء بحسن نية أو سوء نية فإنه وحده سبحانه أعلم بالنوايا لكن المؤكد ان هناك جهات كارهة للإسلام تعجبها الفكرة وتساندها وتدعمها.
الفئة الثانية هي فئة تعشق الجدل وتحب النقاش والاستعلاء في الرأي لكي تظهر في الصورة ولكي يتحدث عنها الناس "وكان الانسان أكثر شيء جدلا".
الفئة الثالثة عن جهل أو قلة علم وتعجبها الفكرة وهي لا تدري أنها تخوض في مستنقع.
ولعلها مناسبة ان نشيد فيها ونحتفي ونحيي إمامنا الأكبر علي مواقفه الرائعة لخدمة قضايا الإسلام والمسلمين.. مما يجعلنا نؤكد أن الأزهر سيظل طوال التاريخ هو المرجعية والمدافع عن السنة وأهلها.
وأعتقد ان إمامنا الأكبر وهو عالم كبير مستنير له مكانته العلمية العظيمة مقتنع بضرورة التجديد ولكن علي أسس علمية حقيقية وليس مجرد شعار.. وقد بدأ بدفاعه عن السنة حملة التجديد في الخطاب الديني بموضوعية وصدق ورؤية علمية وليته يرعي مؤتمرا علميا للرد علي المشككين في السنة كبداية لتجديد الخطاب الديني المنشود!!
الملف الثاني هو الآخر ملف شائك لأنه يتعلق بالأيام والتاريخ.. حيث يري بعض العلماء ان يوم الثاني عشر من ربيع الأول هو يوم وفاة النبي وليس يوم مولده الشريف وأننا بذلك لا نحتفل بالمولد بل نحتفل وللأسف بالوفاة..!!
ويري أخرون أن مولد النبي كان يوم 8 ربيع الأول وليس يوم 12 ربيع الأول.. ويري أخرون أيضا أن وفاة الحبيب كانت يوم 28 صفر.. وكل صاحب رأي له حجته حتي لو كانت ضعيفة.. صحيح أن الأغلبية لديهم قناعة بأن يوم 12 ربيع الأول هو مولد الحبيب المصطفي وكان يوم الاثنين.. لكن اثارة الجدل تخلق حالة من البلبلة بلا مبرر وتحتاج تدخلا حاسما من أصحاب الرأي والفقه وأهل الذكر..!!
لكي يتم تجديد الخطاب الديني بحق لابد من إعادة قراءة التاريخ خاصة ان من كتب التاريخ الإسلامي في العهد الأموي كتبه لصالح بني أمية ومن كتب في عهد العباسيين كتب ما يكون لصالح بني العباس وقد يكون محايدا ومميزا لكن ما وصلنا عنه هو ما أراد العباسيون أو الأميون أن يصل إلينا منه لكن إعادة قراءة وكتابة التاريخ برؤية علمية عصرية تتفق مع الحق ومع القرآن والسنة لابد أن تعيد كثيراً من الأمور إلي نصابها الحقيقي وتمنح الأجيال المقبلة ثقة أكبر في تاريخهم وما يعرفون عن أحداث من سبقوهم وتاريخ الأوائل رضوان الله عليهم أجمعين.
عذراً يا حبيبي يا رسول الله فكلنا مقصرون في حقك.. حتي عندما نتحدث عن التجديد وعن ضرورة البحث والدراسة في السيرة والحديث والفقه نجد من يتهم ومن يهاجم ومن يرد بسوء نية ولو أننا جميعا عرفنا سيرتك العطرة وفهمنا الدرس المحمدي وفقهنا جوانب العظمة المحمدية.. ما كان هذا هو حالنا..!!
عذراً يا حبيبي يا رسول الله ما عرفنا قدرك حتي الآن وما حاولنا أن نعرف وندرس ونعي لأننا رضينا بالراحة وما يتناقله هذا عن ذاك وما حاولنا أن ندرس ونفهم فعذرا يا حبيب الله.. ولعلها أن تكون مناسبة لكي نطالب أهل العلم والاختصاص بأن نعيد قراءة السيرة النبوية قراءة عصرية متأنية.. وسنجد فيها كل ما نريد من علوم ومعالم الدنيا والآخرة.
عذراً يا حبيبي يا رسول الله فقد قصرنا معك ومع سيرتك ومع سنتك ومع هديك الكريم ونسي البعض أو تناسي أننا بشر لنا ما لنا وعلينا ما علينا.. ولقد عرض الله سبحانه وتعالي الأمانة علي السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها.. وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا.. وينسي الانسان أنه مخطئ فيتوب وقد كتب الله علي نفسه أن يغفر الذنوب ويقبل التوبة ويستجيب للدعاء.. فلو صدقنا النية والعزم علي الاستغفار.. والتوبة.. والدعاء لاستجاب لنا رب الأرض والسماء.. ولا يقولن أحد أنه بلا أخطاء أو خطايا فكلنا خطاءون وخير الخطائين التوابون.. ومن يدريك لعلها مناسبة في هذه الأيام المباركة وفي عطر الذكري الشريفة أن يقبل الله توبة كل تائب ويغفر لكل مستغفر ويقبل كل عائد وآيب ويستجيب كل دعاء فهو وحده سبحانه وتعالي القادر علي ذلك..!!
لعلها مناسبة كي يعترف كل منا بخطئه وتقصيره فعذراً يا حبيبي يا رسول الله.. كم من أخطاء أخطأناها في حقك وفي حق بعض أتباعك من عباد الله ولكن باب التوبة والاستغفار مفتوح.. ولعلها مناسبة في هذه الذكري الشريفة أن يفتح كل منا ملف ذاته ونحن نتحدث عن السيرة العطرة لخير خلق الله فلماذا لا يبحث كل منا في سيرته الذاتية؟
لماذا لا نجعلها فرصة ونحاسب أنفسنا لنكتشف أخطاءنا وتكون فرصة لنتوب ونستغفر ونفتح صفحات جديدة مع أنفسنا ومع غيرنا وأن نسامح المسيء إلينا لعلها تكون منحة من الله فيسامحنا علي إساءتنا.. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
تعالوا نجعل الذكري الشريفة العطرة فرصة لكل شخص منا ماذا فعل وماذا سيفعل وكم هو قريب من سيرة الحبيب وكم هو قريب من سنته؟
تعالوا نحاسب أنفسنا ونعترف بتقصيرنا ونتوب من أخطائنا ونستغفر عن ذنوبنا ونفتح صفحة جديدة لأعمالنا لعل الله يقبل منا كل ذلك فهو وحده القادر علي ذلك!!
عذراً يا حبيبي يا رسول الله فلم نستطع أن نعطيك شيئا من حقك.. ولكن نشهد أمام الله سبحانه وتعالي أنك أديت الأمانة ونصحت الأمة وبلغت الرسالة وأحسنت فجزاك الله عنا خير الجزاء- وصلي الله عليه وسلم- تسليما كثيرا وكفانا شرفا أننا نصلي عليك بأمر من الله.. وأن الله سبحانه وتعالي يصلي عليك وملائكته.. اللهم صل وسلم تسليما كثيرا علي حبيبك ونبيك وعبدك ورسولك محمد- صلي الله عليه وسلم.
وكل عام وأنتم بخير.