•• أعاد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب العالم إلى قانون « الغاب » وإلى عصر « الفتوات » الذى يعتمد على القوة الغاشمة والتهام القوى للضعيف !! .
كان ترامب فى جولاته الانتخابية يعد بانه إذا فاز برئاسة أمريكا فسيقضى على كل الحروب وسينهى الحرب بين روسيا وأوكرانيا خلال 48 ساعة .. وإنه يريد الحصول على جائزة نوبل للسلام !! .
أمس الأول دعا ترامب الايرانيين لاخلاء طهران فوراً مما يعنى أنه يريد تهجير أكثر من 10 ملايين شخص فوراً .. كما انه طلب انعقاد مجلس الأمن القومى تمهيداً لدخول الحرب ضد إيران وكأنه ليس هو الذى أعطى الضوء الأخضر لنتنياهو لبدء الحرب وأعطاه كل ما يعينه على تدمير المشروع النووى الايرانى من أسلحة ومعدات وقنابل تستطيع أن تصل إلى الأعماق وأمده بالمعلومات الاستخباراتية وبمستشارين وطيارين يشاركون فى التخطيط وقيادة الطائرات .. وأخيراً قرر اما دخول أمريكا الحرب بنفسها وليس بالوكالة .. أو ربما تكون تصريحاتة مناورة لإجبار قادة طهران على الرضوخ والتوقيع على الاتفاق النووي بشروطه !! .
فى غياب تام لروسيا عن المشهد « الايراني - الاسرائيلى » سواء باتفاق مسبق مع واشنطن أو لانشغالها بالحرب الأوكرانية .. ووسط موقف صينى لا يتعدى الشجب كالعادة واصدار بيانات تتهم ترامب بصب « الزيت على النار » لزيادة اشتعال الحرب بين تل أبيب وطهران .. فان الساحة مهيأة لترامب لفرض قانونه .. والطريق ممهد لنتنياهو ليمارس ما يريده وإعلانه بكل صلف عن بدء إقامة شرق أوسط جديد تكون إسرائيل هى القوة الرئيسية فيه وتجبر الآخرين على التودد إليها !! .
إنقلب الموقف الأوروبى رأساً على عقب بعد ضرب إسرائيل لايران واجهاض أو تأخير مشروعها النووى لسنوات بعد إصابة مفاعلاتها وتدمير البنية الأساسية .. وبدلاً من انتقاد فرنسا وبريطانيا وحتى ألمانيا لنتنياهو على الوحشية فى حربه ضد غزة واعتبار ما يقوم به جيشه من قتل وتشريد للفلسطينيين تطهيراً عرقياً .. وبعد إعلان أكثر من دولة أوروبية عزمها على الاعتراف بدولة فلسطينية .. تغيرت اللهجة تماماً ورغم ان إسرائيل هى التى بدأت العدوان فقد أعلن الاتحاد الأوروبى الوقوف مع إسرائيل ضد إيران وأنه لن يسمح لها أبداً بامتلاك السلاح النووى وهو نفس الموقف « الترامبى » .. مما اعتبر نصراً سياسياً ودبلوماسيا لنتنياهو الذى أصبح بطلا قوميا فى إسرائيل بعد أن كان الاسرائيلون يطالبون باسقاطه ومحاكمته !! .
يريد ترامب فرض رؤيته على العالم وإقامة نظام دولى يعتمد على القوة الغاشمة ولا يحترم الاتفاقات والقوانين الدولية .. فهو يعلم ان النظام العالمى الحالى قد فشل وأن نظاما جديداً بدأ يتشكل ولابد ان تكون الولايات المتحدة هى الأعظم والمتحكم فيه كما كانت فى النظام القديم .. وقد اتضح ذلك جلياً عندما قال إنه سيسيطر على غزة ويحولها إلى « ريفييرا » ولما سئل كيف يكون ذلك قال « بموجب السلطة الأمريكية » وكذلك يطالب بقناة بنما وبضم كندا وبشراء « جرين لاند » ويهدد بقتل المرشد الايرانى كما شجع نتياهو على اغتيال واستهداف كل قادة حماس وحزب الله والحرس الثورى .. صحيح انه يتراجع عن أغلب مايقول كما يتراجع « الريس حنفى شيخ الصيادين » فى فيلم ابن حميدو عندما يجد رد فعل قوى من المتضررين .. ولكن هل هذا الرئيس بتصريحاتة وممارساته يريد الحصول على جائزة نوبل للسلام ؟! .
.. ولان أمريكا تسيطر على الأمم المتحدة ولديها حق الفيتو فى مجلس الأمن فان كل دول العالم تقف عاجزة أمام ترامب الذى يمضى مغرداً فى السرب وحده حاملاً نتنياهو على جناحيه !! .
.. وإذا كانت الدول العربية منذ سنوات عاجزة وحتى الآن عن وضع استراتيجية عربية موحدة لدورها فى النظام العالمى الجديد الذى يتشكل .. وتترك الزمن يحدد معالم استراتيجيتها ودورها .. فماذا ستفعل الدول العربية الآن إزاء تصريح نتنياهو باقامة شرق أوسط جديد باعتبار أن الـ 22 دولة عربية هى قلب الشرق الأوسط ومحوره .. وماذا ستفعل الجامعة العربية .. أم ستترك لأمريكا وإسرائيل رسم المنطقة على هوى ترامب ونتنياهو ؟! .
لا تستقيم الحياة على الأرض .. إلا إذا تحققت العدالة والمساواة .. و إذا كان النظام العالمى قد أثبت فشله باعتراف كافة الدول .. فلماذا لايقود العرب الدعوة لاقامة نظام عادل أكثر انسانية يحترم القانون الدولى والعلاقات بين الدول .. والأهم يحترم اختلاف الثقافات والحضارات وأن لكل منها خصوصيتها الثقافية والاجتماعية .. وعدم تجاهل هذا الاختلاف أو استعلاء ثقافة على باقى الثقافات أواستخدام حقوق الانسان بالمفهوم الغربى كورقة ضغط لإخضاع الـدول و التدخل فى شئونها الداخلية بينما يتم تجاهل انتهاكات حقوق الانسان سواء بالمعايير الغربية أو بأيه معايير تقوم بها دول أخرى مما يعنى الكيل بمكيالين .. وهذا أكبر خلل فى النظام الدولى الحالى الذى لابد من تغييره فوراً !! .
بالتأكيد لسنا مع إمتلاك إيران للسلاح النووى .. ولكن موقف مصر الثابت هو إخلاء الشرق الأوسط من هذا السلاح المدمر وعدم الكيل بمكيالين .. فلا نريد أسلحة نووية فى إيران ولا فى إسرائيل ولا فى أى دولة بل ونحن مع إخلاء العالم من هذه الأسلحة و يكفى ما لاقاه العالم من دمار عندما استخدم هذا السلاح لأول وآخر مرة حتى الآن فى ضرب هيروشيما وناجازاكى باليابان فى الحرب العالمية الثانية .. وكذلك ماعانته الشعوب من الآثار المدمرة للاشعاعات التى تسربت من كارثة تشير نوبل عام 1986 أو من حادث فوكشيما عام 2011 وغيرها .. نريد للعالم أن يتخلص من الرعب النووى بتدمير والتخلص من كل هذه الأسلحة التى تمتلكها الدول التى تنتمى إلى نادى السلاح النووى بما فيها أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل !! .
اتركوا لأمريكا وإسرائيل النظام العالمى الحالى الفاشل الذى يؤيد العدوان ويرسخ قانون الغاب .. والذى لايعرف العدالة ولايعترف بالانسانية ولتظل معهما الأمم المتحدة ومبناها فى نيويورك ومجلس الأمن بالفيتو .. وابتعدوا عن العولمة وهيمنة القطب الواحد واحتكارات الرأسمالية المتغولة .. وليقم العرب بالدعوة لتوازنات جديدة فى العالم .. وإلى نظام عالمى عادل جديد واستغلال التعاطف الدولى مع أهالى غزة .. والأهم ان يقوم العرب بوضع أساس لنظام جديد فى الشرق الأوسط ولاينتظرون أن تحدد معالمة لهم أمريكا وإسرائيل .. وإلا علينا بقبول قانون « الغاب » والعودة لعصر « الفتوات » !! .
*********************
انتبهوا .. البقاء للأغني !!
•• لم يعد العالم يعترف بلغة المصالح .. ولا حتى بمجرد أن الغلبة للأقوياء ولكن عرفت السياسة الدولية مصطلحا جديداً ومعياراً آخر وهو « البقاء للأغنى » .. فمن يمتلك الثروة يمكنه شراء القوة عن طريق اقناء الاسلحة أو تأجير جنود مرتزقة يدافعون عنه أو الدفع لدولة أخرى تؤدى الغرض المطلوب بالوكالة عن الدولة الغنية !! .
انتقلت لغة المـال إلى كافة المجالات وانتهى عالم الهواية وحل مكانه عالم الاحتراف فضاعت المواهب الوطنية .. وخير مثال على ذلك الالعاب الرياضية حيث أصبح مألوفا شراء اللاعبين الأجانب أو حتى تجنيسهم للحصول على بطولة أو إحراز ميدالية فى المسابقات الكبرى أو الأوليمبية !! .
ترسخ المفهوم الجديد وتحول إلى لغة بل إلى نظرية تعتمد على « البقاء للأغنى » .. ولا عزاء للدول الفقيرة ولا للانسان الذى لايمتلك شيئاً من الغلابة والمساكين .. ولا للاندية التى لا تمتلك ثمن شراء اللاعبين حتى لو كانت أندية شعبية !! .
.. ومنذ بدأ الانفتاح الاقتصادى فى مصر أواخر السبعينيات من القرن الماضى .. تغيرت نظرة المجتمع وتبدلت الامثال الشعبية وأصبح « اللى معهوش ما يلزمهوش » و « معاك قرش تساوى قرش » ومع مجئ العولمة سادت نظرية البقاء للاغني !! .
انظر حولك فى كل مجال وأنت ترى فعلا لمن الغلبة حتى فى الرياضة والفن والأدب ..ولم تعد هناك قيمة للعلم ولا للخبرة والكفاءة والرؤية والفكر ولا للموهبة والابتكار .. فكل شئ يمكن شراؤه من أول الغذاء والسلاح إلى جنسيات الدول والصبايا الملاح !! .
انتبهوا أيها السادة .. ثقافة البقاء للأغنى تدمر المجتمعات !! .