هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

لا تفهمونا غلط

من المعابد إلى الشاشات.. أين اختفت صورة المرأة المصرية الحقيقية؟

 

توقفتُ أمام منشور الدكتورة سوزان القليني، رئيسة لجنة الإعلام بالمجلس القومي للمرأة، والذي كشف عن نتائج مبدئية لرصد صورة المرأة في مسلسلات رمضان 2025. أظهرت هذه النتائج تراجعًا ملحوظًا في تقديم النماذج الإيجابية للمرأة، مع انتشار واسع للنماذج السلبية. هذا الأمر أثار قلقي الشديد، خاصةً بعد الجهود الكبيرة التي بذلها المجلس منذ عام 2016 وما قبله للنهوض بصورة المرأة المصرية التي تمثل الأم والأخت والزوجة والابنة والزميلة والصديقة، والتي تُعد حجر الأساس في بناء المجتمع.
ما كشفته بعض الأعمال الدرامية من خلال لجنة الرصد يشير إلى تدهور مقلق في تصوير الأدوار النسائية، حيث سيطرت النماذج السلبية على المشهد الدرامي. هذا التراجع يدفعنا للتساؤل عن تأثير هذه الصورة على نظرة المجتمع للأم والطفل، وعن دور المؤسسات المعنية في مراقبة المحتوى الإعلامي.
هنا يبرز سؤال جوهري: هل ما عرضته هذه الأعمال يعكس الصورة الحقيقية للمرأة المصرية التي ساهمت في بناء مصر القديمة، والتي ظهرت على جدران المعابد جنبًا إلى جنب مع الرجل في الحقول والمزارع وميادين العمل، والتي جلس بعضها على عرش الحكم بل وحكمت مصر؟ هل هذه هي صورة المرأة المصرية التي تقف خلف بناء مصر المستقبل، والتي كرّمها الرئيس عبد الفتاح السيسي وقبّل رأسها في العديد من المناسبات التي خُصصت لتكريم المرأة المصرية؟ ونطرح تساولا من المعابد إلى الشاشات أين اختفت صورة المرأة المصرية الحقيقية؟
لقد رأينا في هذه الأعمال هيمنة لشخصيات المرأة المنتقمة والمتسلطة والضعيفة، حيث شكلت 78% من الأدوار الرئيسية، بينما لم تتجاوز الأدوار الإيجابية 22%. كما تكررت مشاهد العنف ضد المرأة (جسديًا ونفسيًا) في 65% من المسلسلات التي تم رصدها، مثل مسلسل "إش إش" الذي قدّم المرأة كضحية أو أو كائن مُسَلَّع معروضة للبيع لمن يدفع . وللأسف، رغم أن هذا العمل ليس إنتاجًا مصريًا، إلا أن أحداثه تدور في مصر، وهو ما أعتبره إساءة لصورة مصر - أم الدنيا – واكرر ام الدنيا  ولصورة المرأة المصرية.
هذه الأعمال ساهمت في غياب شبه كامل لشخصيات الأم العاملة أو الطبيبة المتفانية كما في مسلسل "حكيم باشا"، مع تركيز غير مبرر على صورة المرأة كضحية أو كشخصية شريرة رغم انني ضد التعدد كما ظهر في المسلسل وظهر من قبل في اعمال اخري . وكما قلت سابقًا، فإن المرأة هي عماد حياتنا، وقد قال الشاعر الكبير حافظ إبراهيم في قصيدته "العلم والأخلاق":"الأم مدرسة إذا أعددتها... أعدت شعبًا طيب الأعراق".

فكيف نقدمها بهذه الصورة السيئة؟ كيف نعرضها في مشاهد غير لائقة مثل التدخين والعنف والعلاقات المحرمة، ثم نصورها وهي تتباهى بعملها وقوتها؟ وتظهر في مشهد من مسلسل شباب امرأة وهي تقول أنا عاملة عملية وشايلة الحنية ؟، اذا كانت هي الحنية في حد ذاتها بتكوينها الذي خلقها الله عليها كيف نظهرها بهذا الشكل السيئ  بالقرب من شخصيات الأطفال، مما ينتهك مبادئ حماية الطفولة التي يعمل المجلس القومي للمرأة على تعزيزها؟
كما نرفض بشدة التنميط العنصري الذي يربط بين نماذج المرأة المختلفة، حيث تتعمد سيدة المنزل الإساءة للمرأة التي تعمل لديها، وتتعامل معها كخادمة أو تهين لون بشرتها. هذه النماذج يرفضها المجلس الذي يعمل على تعزيز مبدأ المساواة. فليس من المقبول تشويه صورة الأم وعرضها كشخصية مستبدة كما ظهر في مسلسل "سيد الناس"، ونحمد الله أن هذا العمل ايضا ليس إنتاجًا مصريًا رغم أن أحداثه تدور في مصر وتنقل صورة عنها. هذا المسلسل احتوى على سيل من الألفاظ التي نرفض دخولها بيوتنا عبر الدراما التي تدخل دون استئذان.
كما أن التركيز على غياب دور الأم كما في مسلسل "فهد البطل" يضعف القدوة الأسرية التي يعمل المجلس على ترسيخها. وللأسف، فإن هذه الصور المشوهة للمرأة المصرية في الدراما لها تأثير سلبي واضح على الأطفال. فوفقًا لدراسات المجلس الأعلى للطفولة، فإن 60% من الأطفال يقلدون السلوكيات السلبية التي يشاهدونها في الدراما، مما يعزز العنف الأسري. كما أن مشاهد التحرش والطلاق العاطفي تُرسخ ثقافة الانفصال بدلًا من ثقافة الحوار.
رغم كل هذه التحديات، فإن المجلس يواصل عمله الدؤوب من أجل المرأة المصرية من خلال آليات عملية ودراسات متخصصة، كما أكدت لي الصديقة العزيزة الدكتورة سوزان القليني. ومن هذه الآليات إصدار دليل إرشادي لصناع الدراما بالتعاون مع الاتحادات والكيانات والجهات والمؤسسات الإنتاجية، يحدد معايير تقديم صورة المرأة والأسرة، مع فرض جزاءات على المخالفين.إنشاء مرصد إلكتروني لتتبع الانتهاكات بشكل عام ورصد المخالفات في المحتوى الدرامي من خلال لجنة خاصة. إطلاق تقارير دورية، كما رأينا في التقرير المبدئي الخاص برصد الدراما الرمضانية.
تنظيم حملات توعية وورش عمل متخصصة وإنتاج أعمال درامية تروج للنماذج الإيجابية للأم والطفل وتفعيل القانون وتطبيق المادة 14 من قانون الطفل المصري التي تجرم نشر ما يخل بسلامة الطفل النفسية أو يضر بصورة المرأة المصرية.
هناك دول كثيرة اهتمت بقضايا المرأة، ومصر من خلال المجلس القومي للمرأة تعمل في هذا الاتجاه. ففي ماليزيا مثلاً، تم فرض حصص لإبراز النساء في أدوار قيادية بنسبة 30% في الأعمال الدرامية. وفي المملكة المتحدة، تقوم هيئة الإعلام المستقلة بتقييم المحتوى قبل بثه بناءً على تأثيره على الأسرة. وأتمنى أن يصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام قرارًا مماثلاً، وأن يكون هناك تنسيق كامل بين المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والمجلس القومي للمرأة وشركات الإنتاج، لأننا نهدف إلى بناء الطفل والشباب من خلال تقديم صورة إيجابية للمرأة المصرية.
نحتاج إلى إلزام المنتجين أخلاقيًا من خلال ربط التمويل والإنتاج الخاص بالدولة بالالتزام بالمحتوى الراقي. كما ينبغي أن يكون هناك إشراف من متخصصي المجلس من علماء وأخصائيي علم نفس على كتابة السيناريوهات العائلية. وقد رأينا الأثر الإيجابي لهذا النهج في مسلسل "لام شمسية"، ومسلسل لازم شمسية أظهر المرأة بصورة رائعة رغم القضية التي يناقشها ، فليس الهدف من الدراما الترفيه فقط، بل هي أداة فعالة في تشكيل وعي الأجيال.
وأتمني أن تتاح الفرصة للمجلس القومي للمرأة بأن يلعب دورًا استباقيًا وفاعلًا في تحسين صورة المرأة في الدراما المصرية، خاصةً في ظل التأثير المباشر لهذه الصورة على تشكيل وعي الأطفال والمراهقين، وما تسببه من تعزيز للأدوار النمطية السلبية التي تضر بتماسك الأسرة والمجتمع.
المجلس للمجلس  للمرأة ليس مجرد جهة رقابية، بل هو شريك أساسي في صناعة الوعي المجتمعي. ومن خلال هذه الآليات، يمكن تحويل الدراما من أداة تشويه إلى وسيلة لتمكين المرأة ودعم الطفولة، بما يتوافق مع أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030.

أخيرا 

لا شك أن الاهتمام الذي يوليه الرئيس عبد الفتاح السيسي بالمرأة المصرية ليس مجرد كلمات، بل هو التزام عملي يترجم إلى سياسات داعمة وبرامج ملموسة تهدف إلى تمكينها في جميع المجالات. فمن خلال لقاءاته السنوية معها، خاصة في عيد الأم، يؤكد الرئيس أن المرأة ليست مجرد شريكة في مسيرة التنمية، بل هي العمود الفقري للأسرة والمجتمع، وحارسة الهوية الوطنية وقيم التضامن والتسامح. وقد ظهر هذا جليًا في لقائه الأخير مع ممثلات المرأة المصرية في عيدها الذي احتفلنا به في 21 مارس الحالي.
في هذا اللقاء، ناقش الرئيس قضايا جوهرية مثل دور الفن والإعلام في تشكيل الوعي المجتمعي، مؤكدًا على ضرورة أن تعكس الدراما المصرية الصورة الحقيقية للمرأة المصرية القوية التي تساهم في بناء الحضارة وتواجه التحديات بصلابة. كما أبرزت الدولة جهودها في تمكين المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا من خلال برامج الحماية الاجتماعية مثل "تكافل وكرامة"، وزيادة الدعم للمرأة المعيلة، وفتح آفاق جديدة لها في سوق العمل والمناصب القيادية.
إن رفض الرئيس القاطع لأي انتهاك أو عنف ضد المرأة، وتوجيهه الدائم بحمايتها وتوفير بيئة آمنة لها، يؤكد أن مصر تسير على الطريق الصحيح نحو مجتمع أكثر عدالة ومساواة. وهذا اللقاء ليس مجرد احتفال، بل هو رسالة واضحة بأن المرأة المصرية ستظل في قلب أولويات الرئيس والدولة، لأنها تستحق كل الدعم والتكريم، ليس على الشاشات فقط، بل في واقع يعكس قيمتها الحقيقية كشريك أساسي في صنع مستقبل مصر.
لذلك، فإن الصورة التي يجب أن تقدم للمرأة المصرية في الدراما والفن يجب أن تكون لائقة بدورها العظيم، ومتوافقة مع الرؤية التي يتبناها الرئيس والدولة، لأنها جديرة بأن تظهر كما هي: أمًا صابرة، وقائدة ملهمة، وعنوانًا للتحدي والإنجاز. والمجلس القومي  للمرأة برئاسة الدكتورة أمل عمار وأعضائه يعملون بجد في جميع المجالات لتحقيق هذه الأهداف، ويبذلون جهودًا كبيرة للتغلب على التحديات التي تواجههم، ومن أبرزها صورة المرأة في الدراما المصرية .  


مصطفي البلك
[email protected]