هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

لا تفهمونا غلط

جريمة لام شمسية.. دراما صارت صوتاً للصامتين وسيفاً ضد المتحرشين

 

بجرأة فنية نادرة استطاع مسلسل لام شمسية أن يحفر اسمه في قائمة الأعمال الأكثر تأثيرًا هذا الموسم الرمضاني، ليس فقط بفضل حبكته الدرامية المشوقة، بل أيضًا بسبب قدرته على كشف طبقات نفسية عميقة لقضية شائكة هي التحرش بالأطفال، مقدماً رؤية فنية ونفسية تثير الوعي وتستفز المشاعر بل تعدى كل هذا وكشف عن الآثار الجانبية لهذا الفعل المشين علي المدي القريب والبعيد بكل الأبعاد النفسية والمجتمعية لنتساءل كم طفلاً يدفع ثمن صمتنا؟ علي هذا الجرم الذي ننظر اليه بنظرة ضيقة لا تتعدي لفظ عيب يجب إخفاؤه، لا جريمة يجب فضحها. ننظر إلى الضحية بعين الشك أو اللوم، بينما يُحاط الجاني بجدار من الصمت تحت مسميات مثل الحفاظ على السمعة وسترة العائلة والتجريس، وجاء العمل لكسر هذه القاعدة بجرأة، مُظهرًا كيف يتحول الصمت الاجتماعي إلى شريك في الجريمة، ويُعمّق جراح الضحايا، فوضعنا المسلسل من خلال ما طرح  بين ثقافة الصمت وضرورة المواجهة، بل وغير لدينا الكثير من المفاهيم أهمها أن الضحية صار بطلا.  
فما شاهدته وشاهده جماهير الدراما المصرية يؤكد أننا لسنا أمام عمل درامي بل صفعة واعية وجرس انذار ، استطاع المسلسل أن يدقه منذ اللحظات الأولي للاعلان عن اسمه الذي تم اختياره بعناية فائقة في البرومو فظهر واضحا أن لام الشمسية تكتب ولا تنطق، فجاءت الانشودة التي كان يرددها الطفل يوسف " علي البيلي " بطل المسلسل لام شمسية ولام قمرية واحدة نقولها وواحدة خفية ليكشف لنا الظاهر والمخفي والمعلن والمسكوت عنه في مجتماعاتنا وهو ما عكس جوهر القضية التي تناولها المسلسل .   
وجاء البوستر الخاص بالمسلسل لتكمل الصورة من خلال اظهاره رموزا بصرية تحمل بداخلها رموزا فنية ، وهذا ما جعلني أبحث وراء هذا البوستر الذي عبر عن محتوي تناولته الأحداث بدقة منها صورة الطفل يوسف المحاط بقطع جسد متناثرة وجناحين كبيرين، رمزًا لانتهاك البراءة ، ووجود قفل وقفص اشارة إلى الانغلاق وكتمان الأسرار ، وكذلك بقية صور ابطال العمل ليكون لنا في مخيلتنا مدي الانكسار والاقنعة المتعددة والتلون والخداع من اقرب المحيطين بنا وغيرها من رموز كشفتها الاحداث ، وانها  لم تكن عبثية، بل صُممت بعد قراءة متأنية للنص، مما جعل البوستر بوابة لفهم أعماق الشخصيات التي صنعت لنا عمل متكامل كشف لنا ابعاد قضية مهمة مسكوت عنها ، وجاءت الدراما لتكسر حاجز الصمت وتؤكد أن الخوف ممن نخجل منه ونقول انه عيب يميت الضحايا بدليل الكشف من خلال الأحداث عن الاثار المميته التي يعيشونها ف "لام شمسية" لم يكتفِ بكشف الجريمة، بل هاجم جذورها الاجتماعية لانها جريمة انتهاك لجسد وحقوق الاطفال ، واقع مرير تحوّل صمته إلى صرخة تزلزل ضمير المشاهد، ليصبح العمل مرآةً تكسر الصمت ، وتعيد تعريفنا بأبسط المفاهيم انتهاك البراءة، وتدمير الثقة، والمسؤولية سواء في البيت والمدرسة والمجتمع لتكون الدراما هي المحرك لكسر حاجز الصمت تجاه جريمة كنا نخاف الحديث عنها .
وهناك جوانب أخرى كشفتها لام شمسية من أهمها أنه دعوة لليقظة والاهتمام ودراسة لكل المتغيرات التي تطرأ علي اطفالنا  خاصة لو أدركنا أن الجاني قد يكون جالساً على مائدتك ومن المقربين للأسرة أو أحد افرادها، بل انه تحذير بل سلاحاً ثقافياً موجهاً مباشرة إلى صميم العائلة العربية، ليكشف النقاب عن جريمة صامتة تهدد مستقبلنا جميعاً والتستر عليها وأيضا كشف ان التفكك الأسري من الأسباب وراء مثل هذه الجريمة . 
ومن هنا جاءت أهمية الدراما في احداث التغيير في المجتمع فهي تقدم المثل والقدوة وتعزز الاخلاق والانتماء وتحذر وهذا ما نجت فيه الكاتبة مريم نعوم مع المخرج كريم الشناوي وابطال العمل وقدموا لنا  عمل متكامل  مدركين اهمية  خطورة تقديم قضية كهذه والربط بين الفن والواقع وكيف تعاملوا مع حساسية الموضوع؟ فالطفل يوسف كان يحتاج خبراء نفسيين لضمان سلامة الطفل نفسيًا أثناء التصوير وايضا لضمان تحقيق المصداقية في الاداء وكذلك خضع كل المشاركين وشخصيات العمل  لتدريبات مكثفة لفهم نفسيات الشخصيات، خاصة دور المتحرش ، الذي تطلب دراسة دقيقة لتجنب التبسيط أو التهويل وهذا ما نشره المخرج كواليس توضح الحرص على راحة الطفل، بينما حذرت الكاتبة الجمهور من إثارة أسئلة قد تؤذي الصغير. 
وكان هناك تأثيرا مجتمعيا وجدل كبير تحول إلى ظاهرة على منصات التواصل وفتح باب النقاش في السيرة المصرية والعربية حول كيفية حماية أطفالنا ، ورأينا استشارات نفسية مجانية لضحايا التحرش.  
ولابد أن ندرك أن لام شمسية يقف خلفه منتج واعي لعب دورا رئيسيا في انتاج عمل جرئ وتحمل المسئولية الاجتماعية والانتاجية ووفر كل الامكانات المعنوية والمالية ، فدور محمد السعدي "ميديا هوب" سعدي – جوهر يؤكد أن الهدف من وراء انتاجه لام شمسية لم يكن الاستثمار التجاري فحسب، بل الوصول إلى وعي جماهيري حقيقي وطرح قضية مسكوت عنها بكل جرأة وفتح الباب للتعاون مع خبراء علم نفس واجتماع والمجلس القومي للأمومة والطفولة لضمان دقة التوصيف النفسي للضحايا والجناة وتقديم محتوى آمن للجمهور، خاصة الأطفال ، بل وتصدي محمد السعدي كمنتج لكل التحديات التي واجهها العمل ، وأيضا لابد أن نشير أن دور الشركة المتحدة التي تبنت لام شمسية وانتاجه وعرضه علي شاشاتها بل ما حمله من جرأة الطرح ، ويؤكد أيضا أننا أمام شراكة فريدة بين كاتب متمرس يعي أبعاد ما يكتب ومخرج مبدع ومنتج شجاع تحت مظلة المتحدة للخدمات الاعلامية.   

وأخيرا ..

لام شمسية لم يكسر تابوه التحرش فقط، بل قدّم خريطة طريق لكيفية التعامل مع آثاره، بدءًا من الكشف المبكر، مرورًا بـالدعم النفسي، ووصولًا إلى المساءلة المجتمعية والسؤال الأهم هل سنتعلم من "لام شمسية" في حياتنا؟ بعد كل هذه  الحقائق التي تم الكشف عنها ؟ السؤال الذي يطرح نفسه الآن بعد مشاهدتنا له هل نستطيع تحويل هذه الموجة من الوعي إلى سياسات حماية فعلية لأطفالنا؟ وكيف يمكن للدراما أن تواصل لعب هذا الدور التوعوي دون الوقوع في فخ التكرار أو الإثارة؟ ولابد أن نري أن لام شمسية دراما صارت صوتاً للصامتين وسيفاً ضد المتحرشين.
وأثبت أن الدراما الجادة يمكن أن تكون أداة تغيير اجتماعي فعالة، عندما تجمع بين الحرفية الفنية والمسؤولية المجتمعية. هذا النموذج يفتح الباب أمام أعمال درامية أخرى لتناول قضايا اجتماعية حساسة، مع الحفاظ على التوازن الدقيق بين التوعية والتسلية، وبين كشف الحقائق وحماية المشاهدين وهذا ما طالب به السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي نادي مرارا وتكرارا التي بناء الانسان والمجتمع .

مصطفي البلك
[email protected]