وطاوعني يا عبدي .. مالك حبيب غيري قبلي ولا بعدي
ونعيش مع الحياة.. ومع الناس.. ومع دنيا العجائب التي ضاعت فيها ومعها الكثير من الأخلاقيات ومن الثوابت.. ومن قيم المجتمع ومثالياته.. الحياة الجديدة التي اختلطت فيها المعايير والأوراق والمفاهيم بحيث أصبح البعض لا يمكنه التمييز ما بين الأبيض والأسود. الحق والباطل.. الحلال والحرام.
وأتحدث في ذلك عن معركة تدور رحاها بعد موت أبطالها.. معركة بدأت عام 2022 عندما توفي المفكر الليبرالي سيد القمني المعروف بأدائه ضد التطرف والإرهاب وحينها علق ابن الداعية السلفي أبواسحاق الحويني علي وفاته وكتب يقول: "ومات سيد القمني والحمد لله أن قطع أنفاسه"..!
وتدور الأيام وكل من عليها فان وينتقل الداعية أبواسحاق الحويني إلي رحاب الواحد القهار لتكتب ابنة سيد القمني علي "الفيس بوك" وتقول: "أخيرا كنت مستنياها.. الحمد لله الذي قطع أنفاسك"..!
وطبعا لم يمر ما كتبته ابنة القمني علي الاتباع والمريدين مرور الكرام كما لم يمر من قبل ما كتب ابن الحويني دون جدال وتعليقات فقد عادت المعركة علي مواقع التواصل الاجتماعي لتشتعل من جديد.. معركة ما بعد الموت.. معركة نسيان حرمة الموت.. معركة فقدان الوعي.. معركة الجهل المتبادل تحت ستار الانحياز لأفكار أو أراء.. معركة التعصب والانحياز الزائف لفكر مشوه يتجاهل احترام الرأي والرأي الآخر والأهم من هذا كله احترام حرمة الأموات والترحم عليهم فقد انتقلوا إلي حيث من يصدر الحكم العادل ولا كلمة لنا ولا تعقيب علي قرار المحكمة الإلهية.
*
وأكتب عن معركة من نوع آخر.. معركة أخري من معارك التعصب وفقدان الوعي الكروي.. أكتب عن الحرب الدائرة في الملاعب والمرشحة للتفاعل بقوة وبقسوة أيضا بين جمهور الناديين العريقين الأهلي والزمالك وهي المعركة التي امتدت من مدرجات كرة القدم إلي مدرجات وملاعب كرة الطائرة.. وحيث كانت المباراة الأخيرة بين الفريقين مباراة في الهتافات والبذاءات والإشارات الخارجة عن اللاعبين وانتهت باتلاف المدرجات وبعقوبات لم تكن رادعة من اتحاد كرة الطائرة الذي لم يتخذ علي الفور قرارا بشطب اللاعبين الذين أساءوا للجمهور بإشارات يعاقب عليها القانون.
إننا مقبلون علي كارثة في المدرجات إذا ما استمر هذا الاحتقان قائما وإذا لم يكن هناك وقفة حازمة.. وإذا لم يكن هناك "كبير" في المنظومة الرياضية الشبابية له الكلمة والقرار للسيطرة علي الموقف وإلزام الأندية بالانضباط والانصياع للمصلحة العامة.. وهذا الكبير لا يتدخل في الأمور المتعلقة باللوائح والأنظمة.. ولكنه فقط يقول لهم.. كفي عبثا وتهريجا.. وتلاعبا بمصير أمة!!
*
وسؤال يتردد دائما عندما نسمع عن الأعداد الكبيرة من الذين يحرصون علي أداء العمرة مرة.. ومرتين وثلاث.. أيهما أفضل أداء مناسك الحج أو العمرة أم إطعام مسكين والعطف علي يتيم أو قضاء حاجة انسان..!! والاجابة في نفوسنا.. واستفتي قلبك قبل أن تسأل.. أليس الله موجودا في أعين طفل يتيم وجد الأمان بعد معاناة.. أليس الله موجودا في انفراجة أسارير وجه أرملة كانت تبحث عن الطعام لأبنائها.. الله موجود في كل خير نفعل.. الله موجود في كل صدقة تخرج من مالنا الذي هو مال الله.. الله موجود في كل شيء.. في كل أعمالنا.. والعمرة والحج لمن استطاع إليه سبيلا.. وقبل ذلك هناك واجبات والتزامات علينا أن نؤديها.
*
ومشهد جميل لابد أن نشير إليه ونشيد به ونتمناه نموذجا وأسلوبا.. والمشهد لرجال من الشرطة الأمريكية يقدمون وجبات الإفطار لعدد من المسلمين ساعة الإفطار.. الإنسانية هي أجمل ما يميز البشر.. واحترام الأديان هو الرقي والإيمان بكل معانيه.. والعالم سيكون أكثر أمانا إذا ما احترم بعضنا البعض.
*
ولكن العالم سيكون أكثر خطرا عندما نتحول جميعا إلي قضاة نحاول أن نحصل علي ما نعتقد أنه حقنا بأيدينا.. وما حدث في مدينة زايد بأكتوبر كان ترجمة وتعبير عن مفاهيم خاطئة للأجيال الجديدة.. فشاب صغير السن وصديقه حاولا "مغازلة" فتاة صغيرة أيضا.. والأخيرة اتصلت بشقيقها "آدم" وتعالي يا آدم إلحقني.. وآدم حضر ومعه أصدقائه.. مجموعة من الذين يسارعون لمساعدة بعضهم البعض وأمسكوا بالشاب وصديقه واقتادوهما لفيلا تملكها أسرة الفتاة.. وقاموا بتصويرهما واهانتهما وكاد الأمر يتطور لولا حضور والد الفتاة الذي صمم علي ايقاف العقاب والافراج عن الشاب وصديقه ولولا ذلك لكان ممكنا أن تكون هناك جريمة من نوع آخر في الحي الهادئ..!!
وما حدث هو خروج عن القانون.. وهو فقدان من نوع آخر للوعي.. وهو "بلطجة" ليس لها مبرر.. ونريد أن نعرف ماذا سيكون عليه الحال.. من سيعاقب من.. وكيف.. وللقضية فصول أخري..!
*
وعلموا أولادكم أن يكرهوا الخطيئة لا المخطئ ان يدعوا له بالهداية لا بالهلاك
علموهم أن البيوت قلوب.. إن لم يعمروها بالمحبة اجتاحتها الكراهية.
علموهم الحب.. حب الناس.. حب الحيوان.. حب الأماكن.. حب النفس.
علموا أبناءكم الحب ففاقد الحب لا يعطيه.
*
ونتذكر دائما.. رائعة محمود بيرم التونسي بألحان رياضي السنباطي وغناء أم كلثوم.. "القلب يعشق كل جميل".. وياما شفت يا جمال ياعين.. واللي صدق في الحب قليل.. قليل وأن دام يدوم يوم ولا يومين.. واللي هويته اليوم دايم وصاله دوم.. لا يعاتب اللي يتوب ولا في طبعه اللوم.. واحد مفيش غيره.. ملا الوجود نوره. دعاني لبيته لحد باب بيته. وأما تجلي لي بالدمع ناجيته.. كنت أبتعد عنه وكان يناديني ويقول مصيرك يوم تخضع لي وتجي لي.. طاوعني يا عبدي.. طاوعني أنا وحدي.. مالك حبيب غيري قبلي ولا بعدي.. أنا اللي أعطيتك من غير ما تتكلم وأنا اللي علمتك من غير ما تتعلم.
*
وأخيراً :
** أكثر ما يرهق الإنسان هو أن يحزن دون سبب واضح.
** وإذا تشابهت الأرواح.. طالت العشرة.
** وإذا أنت شخصية متقلبة فتقلب علي سريرك.. فالناس فيها ما يكفيها.
** وعندما تميل شمس الثقافة نحو الغروب يصبح الأقزام بقامة العمالقة.