البيوت تسكننا بسطوة الحب لا بحكم العادة، ولكل منا ذكريات مع البيوت التي تمكث في وجداننا ككائنات حية، في كل ركن فيها قصة ربما اكتملت أو لم تكتمل، هنا ضحكنا وهنا تدثرنا بدفء الأسرة وهنا غشينا صوت الأب فشعرنا بالأمان وهنا سمعنا صوت الأم يتدفق منه الحنان وهنا شعرنا بلمة العيلة وبهجة الإخوة..هنا ذكريات لا تقدر بمال...!!
هنا مخزون الذكريات ..هنا تراقصت الضحكات و الهمسات و انهالت الدموع على فراق الأحباب..هنا مستودع الأسرار ..هنا لعبنا.. هنا تناولنا الشاي.. هنا تحدثنا طويلا..هنا كتبنا على الجدران.
بيوتنا القديمة ربما صارت أثرا بعد عين.. لكنها لا تزال تمكث في الذاكرة تحمل أصداء الماضي وذكرياته..بيوتنا القديمة أكثر شيء نستعيد به حيوية الطفولة والصبا واندفاع الشباب..
البيوت الخاوية أو حتى الزائلة هى أكثر شيء بقى في وجداننا ..ليست مجرد مساكن لأشباح الموتى بل هي مستودعات لحيواتهم المعاشة، والأماكن التي لا تزال فيها قصصهم التي لم تكتمل بعد.
فلكل منا اماكن نتعلق بها وننتمي إليها ..اماكن تسكننا ونسكنها حتى ولو صارت أطلالا نبكيها أو نبكي على من كانوا يسكنون فيها ثم رحلوا لدار هى أبقى وأكثر رحابة واتساعا.
ما أصعب الحنين لبيوت تربطنا بها مواقف لا تنسى وروابط لا تنفصم عراها..يربطنا بتفاصيل حبل سري ولد معنا..فكل ذرة فيها تبعث فينا طمأنينة وسكينة وارتياحا ربما لا نشعر به في بيوت وثيرة وآرائك فخيمة ..!!
بيوت الأهل ليست مجرد حجارةٍ صماء فنحن نكاد نسمع أصوات هذه البيوت تحكي وتغني وتشكو وتدمع وتحدث المارين بها بلغتها المفعمة فصاحة وبلاغة
لا نسمعها بآذاننا ولكن نسمعها بقلوبنا.
إنه حديث الروح ولا شيء سواها إن صفت سمعت من قلب الصمت أشعارا.. فكل البيوت صنعت من طوب إلا بيت أبي صنع من حب..
اعرف تماما كيف تحمل الجدران ملامح من مر بها ومن اتكأ عليها ووقف عندها ، واشعر بمن ترك جزءا منه يسكن مكانا سكن روحه وذاكرته..
تختبئ بكل زاوية به ذكرى حركت مشاعري..فهنا بكيت وهنا جلست وهنا ضحكت وهنا تعلمت دروس الحياة..وهنا أحاديث أبهجتني ولا يمكن أن تنسي ..
إننى أحن كثيرا إلي بيت أبي الذي ضمنا حياة ممتدة أطفالا وشبابا حتى مضينا نحو منازلنا الجديدة التي تجمعنا وأولادنا.
وكلما طاف بذاكرتي بيت أبي وجدي تزداد خفقـات قلبي . وتتسع حدقة عيني وتذوب روحي في أتون عشـق متجـدد لحنـين لا ينقطع.
تنقلت بين أماكن كثيرة وسافرت لبلدان عديدة
وزرت عشرات المدن و لكن لم أزل اشعر أن أجمل الأماكن هو بيت أبي ..هو مدينة طفولتي ومسرح خيالي ومهد احلامي وطموحاتي
رائحة بيت أبي هي المصباح الذي احمله فيضيء غرفة ذاكرتي..بيت أبي كانت نوافذه مشرعة وأبوابه مفتوحة لا تغلق أبدا ..بيت أبي سماء لا تعتقل الأجنحة وفضاء لا يحجر علي العقول..بيت أبي ما زال ساحة احلامي ومصدر فخرى واطمئناني..رحمك الله يا أبي ورحم أمي . فهذان في الدنيا هما الرحماء..!!
احن كثيرا للبيت الذي بني من طوب..طينة في القرية التي ولدت فيها..بيشة قايد..مركز الزقازيق..وشقة عين شمس..وحمامات القبة التي سكنتهما سنوات طويلة قبل أن استقل في منزلي بالشروق.