لايزال رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يعيش وهم أن بلاده تمتلك جيشا لا يقهر، ولم يقتنع أنهم حتى الآن مجرد مجموعة لا تمتلك سوى الأسلحة المتقدمة التى تزودهم بها أمريكا، ولولا هذه الأسلحة لكانوا عرضة للزوال إذا واجهوا أضعف الجيوش، فما بالك لو واجهوا جيشا قويا ومدربا حتى لو امتلكوا كل أسلحة العالم.
لا يريد نتنياهو أن يفيق من وهمه ويصر على اجتياح رفح رغم كل التحذيرات التى تلقاها من دول العالم، وعلى رأسها مصر بالطبع.
وبحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» فإن خلافا جديدا يدور بين رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، والجيش بشأن مسار حرب غزة، وهذه المرة سببه رغبة الجيش فى عدم اجتياح مدينة رفح الفلسطينية حاليا، تجنّبا للصدام مع مصر.
وقالت الصحيفة فى تقرير لها، إن نتنياهو اتهم الجيش الإسرائيلى بأنه يماطل فى تنفيذ تعليماته بالاستعداد لتنفيذ هجوم على رفح، معللة ذلك بأن الجيش له وجهة نظر تجعله لا يريد صداما مع مصر فى الوقت الراهن.
وتتماشى حسابات الجيش التى تُشير إليها الصحيفة الإسرائيلية، مع ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز الأمريكية»، حيث نقلت عن دبلوماسى غربى كبير فى القاهرة قوله إنّ المسؤولين المصريين حثّوا نظراءهم الغربيين على إبلاغ إسرائيل بأنهم يعتبرون أى تحركٍ لإجبار سكان غزة على العبور إلى سيناء، بمثابة انتهاك من شأنه أن يعلّق فعليا اتفاقية السلام الموقّعة بين البلدين عام 1979.
وجاء فى تقرير «يديعوت أحرونوت» عن حسابات الحكومة والجيش فى إسرائيل بشأن خطوة اجتياح رفح، وتأثيرها على العلاقات مع مصر:
منذ أن أطلق نتنياهو تصريحاته بشأن نيّته الهجوم على رفح لتدمير 4 كتائب لحركة حماس موجودة بها، وهناك تنديد عالمى وخلاف واضح مع مصر.
وقد أشار البعض إلى أن إقدام تل أبيب على هذه الخطوة سيكون خطأ قاتلا ستدفع ثمنه من أمنها على مدى طويل.
ففى مقال بصحيفة التايمز البريطانية، كتب وزير الخارجية البريطانى الأسبق ويليام هيج، يقول إن الهجوم الإسرائيلى على رفح سيكون خطأ قاتلا، وأشار إلى أن نتنياهو يرى هذا الأمر طريقا له نحو تحقيق «الانتصار الكامل»، لكنه سيؤدى إلى إطالة أمد الصراع ويفسح الطريق لظهور جيل جديد من حماس، على حد تعبيره.
وأكد هيج أن الهجوم العسكرى الشامل على رفح، حيث يوجد نحو مليون ونصف فلسطينى الآن، لن يحقق الانتصار المطلق الذى وعد به نتنياهو، ولكنه سيهدد أمن إسرائيل على المدى الأطول.
حتى من داخل إسرائيل نفسها، تعالت الأصوات التى تحذر من كارثة فى حال اجتياح رفح، وكتب جدعون ليفى فى صحيفة هآرتس يقول عن الاجتياح الإسرائيلى لرفح سيكون كارثة إنسانية غير مسبوقة، وأضاف: كل ما يمكننا الآن أن نطلبه ونتوسل إليه ونصرخ به هو عدم دخول رفح، فالاجتياح سيكون هجوما على أكبر مخيم للنازحين فى العالم، وسيجر الجيش الإسرائيلى إلى ارتكاب جرائم حرب على درجة من الفادحة لم ترتكب بعد، على حد قوله، مشيرا إلى أنه من المستحيل أن يتم غزو رفح بدون ارتكاب جرائم حرب.
كما حذرت الصحف الغربية من الكارثة الإنسانية الوشيكة حال استهداف رفح، وقالت صحيفة واشنطن بوست إن المدينة كانت آخر ملاذ للفلسطينيين فى قطاع غزة فى ظل الحرب الوحشية التى تشنها إسرائيل عليهم منذ أكتوبر الماضى، وأصبحت المدينة الآن مستهدفة باجتياح من قبل قوات جيش الاحتلال.
وأشارت الصحيفة إلى أن القوات الإسرائيلية نفذت ضربات مميتة على رفح صباح الاثنين، فيما أعلن متحدث باسم حكومة تل أبيب أن القوات تقترب من شن اجتياح برى لمدينة.
وحتى حلفاء إسرائيل أعربوا عن قلقهم من العمليات العسكرية هناك، وذكر مسئول رفيع المستوى فى إدارة بايدن أن الرئيس الأمريكى ضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كى لا يمضى قدما بدون خطة لحماية المدنيين.
ونقلت واشنطن بوست تحذير بوب كيتشن، نائب رئيس الطوارئ فى لجنة الإنقاذ الدولية، وهى إحدى المنظمات الدولية التى تعمل فى قطاع غزة، إن فقدان الأرواح الذى نواجهه لو دخلت إسرائيل رفح ضخم.
وتحدثت الصحيفة عن الأزمة الإنسانية فى قطاع غزة، وقالت إن المنظمات الإنسانية حذرت من أن المساعدات التى تدخل معبر رفح ليست كافية على الإطلاق لتلبية احتياجات الفلسطينيين.
وفى تقرير آخر عن الأوضاع فى رفح، قالت واشنطن بوست إن العائلات الفلسطينية تزدحم فى البيوت والخيام، وبعض الذين وصلوا مؤخرا ينامون فى الشوارع، وجميعهم يعتمدون على المساعدات الإنسانية فى الوقت الذى تحذر فيه جماعات الإغاثة من المجاعة.
صحيفة الجارديان أبرزت حالة الذعر واليأس التى هيمنت على مدينة رفح بعد القصف الإسرائيلى الوحشى على المدينة مساء الأحد، ونقلت عن يوسف حماش، من مجلس اللاجئين النرويجى والذى نزح إلى رفح مع عائلته إن ليلة الاثنين كانت أثقل ليلة نشهدها منذ أن فررنا إلى رفح، وذكرتنا بما شهدناه فى الأجزاء الشمالية فى قطاع غزة وفى مدينة غزة ومرة أخرى فى خان يونس.
وذكرت الصحيفة أن حوالى نصف عدد سكان القطاع 2.3 مليون نسمة، قد نزحوا إلى رفح، ولجأ البعض على المنازل والمستشفيات ومنازل أخرى بينما أقام آخرون فى مراكز إيواء مؤقتة وخيام، وينام الآلاف فى الشوارع.
كما أكد مسؤولون أمنيون أن أى عملية عسكرية فى رفح، وبالتأكيد أى عمل على ممر فيلادلفيا، يجب ألا يتم إلا بالتنسيق مع القاهرة وبدعم دولى، ومن دون كليهما فإن العملية العسكرية التكتيكية يمكن أن تصبح مشكلة استراتيجية قد تؤثر على قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها من الحرب.
أخيرا فإن فى تصريحات الخارجية المصرية ما يمكن أن يردع نتنياهو ورفاقه حيث صرح السفير أحمد أبو زيد المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية، بأنه من المؤسف والمشين أن يستمر وزير المالية الإسرائيلى «سموتريتش» فى إطلاق تصريحات غير مسئولة وتحريضية، ولا تكشف إلا عن نهم للقتل والتدمير، وتخريب لأية محاولة لاحتواء الأزمة فى قطاع غزة.
واعتبر المتحدث باسم الخارجية المصرية، أن مثل تلك التصريحات غير مقبولة جملة وتفصيلاً، حيث تسيطر مصر بشكل كامل على أراضيها، ولا تسمح لأى طرف بأن يقحم اسم مصر فى أية محاولة فاشلة لتبرير قصور أدائه.
إذن فإن نتنياهو يعيش فى وهم كبير، ويريد إطالة أمد الحرب حتى يظل فى الحكم ويتجنب المحاكمات التى تنتظره، لكن هيهات فليس كل ما يتمناه نتنياهو يدركه، خاصة أن اجتياح رفح مرفوض جملة وتفصيلا من قبل مصر.. وما أدراك عندما ترفض مصر أو تغضب!