هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

من الألف إلى الياء

عالم اليوم.. بين المسيطرين والمؤثرين !!

 

كشفت الأحداث الأخيرة عن ملامح، واستراتيجيات إدارة أزمات الدنيا في عصر يحكمه اقتصاديات المصالح وتقنيات الذكاء الاصطناعي التي فاقت كل التوقعات، وتبحث عن عوالم نوعية موازية بقوانين وآليات جديدة، في حين تراجعت القوي الذكية والناعمة أمام هذه الموجة الجارفة!.

وتدور الدوائر في عالم اليوم بمتغيراته الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، الجميع داخل حلبة الصراع الوجودي الدنيوي، يسابقون الزمن متخطين حدود التوقعات والتصورات، إما للمنافسة التقليدية، أو للمناطحة والظفر والتميز بالبطولة المطلقة، أو لمجرد البقاء في الصفوف الخلفية لأداء دور "الكومبارس"، واستكمال حبكة "الديكور" البشري.

ووسط هذه المواجهات الشرسة، وفي هذا الزحام الكبير يبقي البقاء للأقوي مالا ونفوذا وتحكما، ويمسك بإدارة رحي الأحداث صنفان هم المسيطرون والمؤثرون..
الفئتان قد تتصراعان أحيانا، ويحدث الاندماج بينهما في أحيان أخري تحقيقا للأهداف والمبتغات المشتركة لإحكام القبضة بتلاليب كل الأوراق سياسيا واقتصاديا واجتماعيا،  والتحكم في صنع الرأي العام المساند أو الرافض.

وأمام هذه الآفات المرضية التي تسري كالنار في الهشيم، نحن أمام تحديات جمة تتطلب تدشين جدار صلب يعضد النسق القيمية والوجدانية والمجتمعية للحفاظ علي هوية وتماسك المجتمع العربي وقوته وصلابته أمام هذه المقابح العصرية المتزايدة!!
 وأتصور أن هناك قواسم مشتركة بين الطموحات اللامحدودة لمنتجي تطبيقات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات العسكرية والمدنية.. وصناع البدائل الغذائية بهدف الهيمنة والسيطرة على أسواق العالم والتحكم في قوته وفي حاضره ومستقبله!.
إنها شركات طموحة وجامحة تتعدي حدود الدول، ولا تعترف إلا لغة الهيمنة والقوة بكافة صورها ومعانيها في دنيا اللاقيم واللامعايير!.

وفي هذا السياق تداولت المنصات مؤخرا خبر ظهور كتاب "المسيطرون" للكاتب "شيموس برونر"، والذي يتناول مخططات وصور السيطرة اللامحدودة على رأس المال، فيما اعتبره بعض المحللين دليلا يكشف فضائح طبقة المليارديرات التى تهيمن على ثروات الأمريكيين. الكتاب أماط اللثام وكشف عن حقائق وأسرار لا حصر لها من بينها أن استثمارات الملياردير "بيل جيتس" مؤسس شركة "مايكروسوفت" فى الأراضى الزراعية والأسمدة الحاصلة على براءة اختراع والأراضى الزراعية، لاتهدف لتقديم خدمات رقمية وغذائية لبني البشر لإنقاذهم من الأزمات، بل فقط لتثرى حسابه البنكى وتعظم نفوذه.
كما كشف المؤلف كيف تسيطر ثروات "المليارديرات" على أدوات السلطة التى تهيمن على الحياة اليومية للمواطنين الأمريكيين العاديين.

كما أشار الكاتب الاستقصائى برونر، إلي إن بحثه كشف عن جهود "جيتس" لشراء الأراضى الزراعية الأمريكية، والاستثمار فى الألبان الاصطناعية واللحوم المصنعة معمليا فى المختبر بالولايات المتحدة تحت ذريعة حماية المناخ، وزعم أن الهدف من إنتاج تلك اللحوم هو السيطرة على سوق المواد الغذائية، وليس إنقاذ الكوكب!.

ونماذج المسيطرين في دنيا الناس شرقا وغربا لا حصر لها، ولا يتسع المقام لذكرها، وعلي الجانب الآخر يجيش المؤثرون عدتهم عبر منصات التقنيات المتطورة لتنفيذ سيناريوهات الإلهاء والإغواء ولغرس قيم الاستهلاك والتحلل من قيود الدين والهوية والقيم، وفقا لمفهومهم ولمنطقهم الخبيث!

كما يبحث هؤلاء عن إنسان عصري بمواصفات خاصة، فهناك أبحاث تجري علي قدم وساق حول تكنولوجيا ما بعدالإنسان، أو الإنسان البديل، أو "السايبورج" وإمكانية الوعي .. وهو كائن هجين من الإنسان والروبوت، كائن نصفه إنسان ونصفه "روبوت"، كائن مزيج من مكونات عضوية، و"بيوميكاترونية!.

وتثور التساؤلات حول تكنولوجيا "السايبورج"،
كيف تكون الطبيعة المعرفية لديه، وهل يتسم بالوعي، وهل يمثل "السايبورج" أي مساس بالكرامة الإنسانية وكيف تكون العلاقة بينه وبين البشر، ومدي تأثيره في اتخاذ قرارات فاعلة ومؤثرة في مصير الإنسانية!. 

 كما ظهرت تقنية "الأفاتار"، وهي بيئة افتراضية ثلاثية الأبعاد، ومن خلالها  تستطيع أن تعيش في عالم افتراضي مع من تحب من أشخاص سواء أكانوا أحياء أو حتي أموات.. تعيش حياة فعلية وواقعية تماما، ويتم تشكيل شخصيتك الرئيسة كما تريد وبعدها تنضم لغرف الدردشة وتتناول الحديث واللعب والحوار والحفلات وكافة أنشطة الحياة اليومية كما لو كانت واقعا فعليا !.

وتبقي التساؤلات الحتمية حول دور العرب بما يملكون من مقدرات ورؤوس أموال في هذه المعادلة الأممية الآنية المتشابكة، بعد أن عكرت حرب غزة صفو العلاقات المتوازنة مع دول الغرب، ومع ظهور دعوات المقاطعة للدول المناصرة للكيان الصهيوني، وهي أيضا نفسها الدول المنتجة لغالبية البرمجيات التكنولوجيا الحديثة.

ما دور العرب وسط المساعي الحثيثة والمخططات الخبيثة للهيمنة المطلقة وإزاحة دول المعسكر الشرقي كروسيا والصين وكوريا الشمالية عن المشهد وعن تطلعاتها بالمنافسة ومزاحمة الكبار وإقرار نظام أممي جديد، ومن ثم إحكام السيطرة علي الأسواق ، والإبقاء علي ملامح ومرتكزات النظام العالمي القديم، والابقاء علي تحكمه في خيوط اللعبة السياسية، وأدوات وآليات رسم الخريطة الاقتصادية المهيمنة.

لقد أمسي الكيان العربي في محطة فارقة تحتم أولا مراجعة العلاقات مع دول الغرب وتدشين مرتكزات مرحلة جديدة مشوبه بالتعاون الحذر.
كما تستوجب اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات وسياسات تضمن التحصن من تأثيرات هذه الموجة المادية المتدفقة، والتي تصارع الزمن لإحكام قبضتها علي العالم، وضمان التفوق الحضاري عبر روافدها المتعددة، وبكل السبل المشروعة واللامشروعة!.

وفي تقديري أنه بالإمكان التحقق من هذه القناعة بنظرة فاحصة للأحداث المفتعلة في السنوات القليلة الماضية، اعتبارا من أزمة كورونا، ثم أزمة أوكرانيا ثم غزة، علاوة علي ما سبقها من افتعال أزمات الربيع العربي وإشعال أزمات المياه والغذاء والطاقة.

إن منظومة الهدم والبناء، والتي تتحكم بها قوي العالم الرقمية، كيانات مغايرة ومتطورة فكرا وأداء وأكثر قدرة علي الإشتباك مع الحاضر ورسم ملامح المستقبل، إنهم شركاء المنافع، شعارهم تجاوز  العلاقات الدولية التقليدية، وكافة القيم المكبلة وجل أهدافهم تجاوز كل ما هو تقليدي، والقفز علي حدود الزمان والمكان.

إنها نفضة أممية تتطلب أن تكون العقول العربية حاضرة وبقوة في ذات المشهد، وفي هذا الزخم الكبير، مدعومة بقوي رأس المال العربي للإسهام في هذه الموجة الحضارية، والتحصن من تأثيراتها اللانسانية وتخليها عن المباديء القيمية !.

إنها منغصات واقعية، ربما ملمحها الإيجابي، فقط تحريك المياه الراكده، و نسج رسائل لأمتنا العربية لإيقاظ أحلام شعوبها القديمة في الوحدة والتكامل ومغادرة صفوف المتفرجين، وحجز مقعد متميز في ترتيب النظام العالمي الجديد.. والله المستعان.