هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

بالبنط‭ ‬العريض

هل‭ ‬هى‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية؟

اهتمت‭ ‬الصحافة‭ ‬العالمية‭ ‬خلال‭ ‬الأسابيع‭ ‬الماضية‭ ‬بالجهود‭ ‬التى‭ ‬بذلتها‭ ‬القاهرة‭ ‬جنبا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬واشنطن‭ ‬والدوحة‭ ‬لتحقيق‭ ‬هدنة‭ ‬إنسانية‭ ‬لوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬فى‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وتطويق‭ ‬الصراع‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬ينفلت‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية‭ ‬تزامنا‭ ‬مع‭ ‬وصول‭ ‬قدر‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬لسكان‭ ‬غزة،‭ ‬ونقلت‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬فاينانشيال‭ ‬تايمز‮»‬‭ ‬البريطانية‭ ‬عن‭ ‬توم‭ ‬وايت‭ ‬مدير‭ ‬الوكالة‭ ‬الدولية‭ ‬لغوث‭ ‬وتشغيل‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬‮«‬أونروا‮»‬‭ ‬قوله‭ ‬إن‭ ‬الموت‭ ‬جوعا‭ ‬كان‭ ‬القدر‭ ‬المحتوم‭ ‬لسكان‭ ‬غزة‭ ‬لولا‭ ‬قوافل‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬وحث‭ ‬المسئول‭ ‬الأممى‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬تسريع‭ ‬وتيرة‭ ‬إدخال‭ ‬المساعدات،‭ ‬منتقدا‭ ‬ما‭ ‬تفرضه‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬تعقيدات‭ ‬على‭ ‬جانبها‭ ‬قبل‭ ‬الإفراج‭ ‬عنها‭.‬
للأسف‭ ‬لم‭ ‬تستمر‭ ‬الهدنة‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬سبعة‭ ‬أيام،‭ ‬وعادت‭ ‬غزة‭ ‬لتعانى‭ ‬تحت‭ ‬القصف‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬ورغم‭ ‬الجهود‭ ‬الكبيرة‭ ‬للوسطاء‭ ‬وفى‭ ‬قدمتهم‭ ‬مصر،‭ ‬فالتفاؤل‭ ‬بقرب‭ ‬انتهاء‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬يتضاءل‭ ‬لصالح‭ ‬استمرارها‭ ‬وتحولها‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية،‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬إسرائيل‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تمديد‭ ‬الحرب‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان،‭ ‬لتفادى‭ ‬السقوط‭ ‬السياسى‭ ‬الذى‭ ‬يهدده‭ ‬داخليًا،‭ ‬وإنقاذ‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬النهاية‭ ‬المحتومة،‭ ‬التى‭ ‬تقترب‭ ‬منه،‭ ‬وقد‭ ‬يجر‭ ‬نتنياهو‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬المشاركة‭ ‬فى‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬توافر‭ ‬احتمالات‭ ‬اتساع‭ ‬رقعة‭ ‬الصراع‭ ‬بدخول‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬فى‭ ‬المشهد‭ ‬أوانضمام‭ ‬إيران‭ ‬أوأى‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الموالية‭ ‬لها‭ ‬فى‭ ‬المنطقة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تخشاه‭ ‬واشنطن‭  ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬تكرار‭ ‬المناوشات‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وحزب‭ ‬الله‭ ‬اللبنانى‭ ‬وتنفيذ‭ ‬عمليات‭ ‬عسكرية‭ ‬متعددة‭ ‬ضد‭ ‬المصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬فى‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا،‭ ‬حيث‭ ‬قام‭ ‬الحوثيون‭ ‬وبعض‭ ‬الفصائل‭ ‬السورية‭ ‬بإطلاق‭ ‬الصواريخ‭ ‬باتجاه‭ ‬إسرائيل،‭ ‬واختطف‭ ‬الحوثيون‭ ‬سفن‭ ‬فى‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬هذه‭ ‬المناوشات‭ ‬صاحبها‭ ‬بالطبع‭ ‬تصريحات‭ ‬من‭ ‬عينة‭ ‬حديث‭ ‬طهران‭ ‬عن‮»‬‭ ‬وحدة‭ ‬الساحات‮»‬‭ ‬وأنها‭ ‬ربما‭ ‬تتدخل‭ ‬إذا‭ ‬استمرت‭ ‬المجازر‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬لكن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يغادر‭ -‬حتى‭ ‬الآن‭- ‬نطاق‭  ‬الحرب‭ ‬الكلامية،‭ ‬ففى‭ ‬تقديرى‭ ‬أن‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬سيكتفى‭ ‬بالمناوشات‭ ‬والاشتباكات‭ ‬المحدودة‭ ‬وإيران‭ ‬لن‭ ‬تحارب‭ ‬بالإنابة‭.‬
من‭ ‬زاوية‭ ‬أوسع‭ ‬لا‭ ‬يخفى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الصراع‭ ‬العربى‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬صراع‭ ‬أمريكى‭ ‬روسى‭ ‬صينى‭ ‬لإعادة‭ ‬توازن‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭ ‬فى‭ ‬صورة‭ ‬جديدة‭ ‬ربما‭ ‬تنهى‭ ‬سياسة‭ ‬القطبية‭ ‬الواحدة،‭ ‬وكذلك‭ ‬المعلن‭ ‬والخفى‭ ‬على‭ ‬الممرات‭ ‬التجارية،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭ ‬الصينى‭ ‬ومجموعة‭ ‬البريكس،‭ ‬وطريق‭ ‬الممر‭ ‬التجارى‭ ‬من‭ ‬الهند‭ ‬للخليج‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬ثم‭ ‬أوروبا‭.‬
مع‭ ‬وجود‭ ‬قواعد‭ ‬روسية‭ ‬فى‭ ‬سوريا‭ ‬وإفريقيا،‭ ‬وفى‭ ‬المقابل‭ ‬قواعد‭ ‬أمريكية‭ ‬فى‭ ‬تمركزات‭ ‬أخرى‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬كذلك‭ ‬مع‭ ‬تسارع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فى‭ ‬الأسبوع‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬بإرسال‭ ‬حاملتى‭ ‬الطائرات‭ ‬جيرالد‭ ‬فورد‭ ‬وأيزنهاور،‭ ‬لحماية‭ ‬إسرائيل‭ ‬ومنع‭ ‬مشاركة‭ ‬أى‭ ‬طرف‭ ‬آخر‭ ‬فى‭ ‬الحرب،‭ ‬وفى‭ ‬الجهة‭ ‬المقابلة‭ ‬تردد‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬أرسلت‭ ‬سفناً‭ ‬حربية‭ -‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬المعلومة‭ ‬لم‭ ‬تتأكد‭ ‬بعد‭- ‬ومع‭ ‬فتح‭ ‬واشنطن‭ ‬خزائنها‭ ‬ومخازنها‭ ‬لإمداد‭ ‬إسرائيل‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تحتاجه‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬وأسلحة،‭ ‬وتقديم‭ ‬أوروبا‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬الدعم‭ ‬لتل‭ ‬أبيب،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬عندما‭ ‬زار‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬بريطانيا‭ ‬إسرائيل‭ ‬لإعلان‭ ‬التضامن‭ ‬معها‭ ‬حمل‭ ‬معه‭ ‬فى‭ ‬الرحلة‭ ‬صواريخ‭ ‬حربية‭ ‬للاستفادة‭ ‬فى‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬
الشواهد‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬الحرب‭ ‬فى‭ ‬غزة‭ ‬وأى‭ ‬نزاع‭ ‬فى‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬لمضايقة‭ ‬واشنطن،‭ ‬واحتمالية‭ ‬تحوله‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية‭ ‬واردة،‭ ‬فمن‭ ‬جانبهما‭ ‬بكين‭ ‬وموسكو‭ ‬تستفيدان‭ ‬بالطبع‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬فى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬خاصة‭ ‬روسيا؛‭ ‬التى‭ ‬خففت‭ ‬الحرب‭ ‬فى‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬عليها‭ ‬وخطفت‭ ‬الأضواء‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬فى‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬إحداث‭ ‬صدام‭ ‬بين‭ ‬القوتين‭ ‬النوويتين‭ (‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وروسيا‭)‬،‭ ‬وبالتالى‭ ‬تشعر‭ ‬روسيا‭ ‬الآن‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬الراحة،‭ ‬أما‭ ‬الصين،‭ ‬فتنظر‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬سيشغل‭ ‬واشنطن‭ ‬ويوقفها‭ -‬ولو‭ ‬قليلاً‭- ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬تايوان‭ ‬ومضايقة‭ ‬بكين‭ ‬فى‭ ‬المسارات‭ ‬التجارية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والعسكرية،‭ ‬وربما‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬التعاطى‭ ‬الروسى‭ ‬الصينى‭ ‬مع‭ ‬أزمة‭ ‬غزة‭ ‬والذى‭ ‬يترجم‭ ‬تعاطفا‭ ‬ملحوظا‭ ‬مع‭ ‬الجانب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وبرز‭ ‬هذا‭ ‬جليا‭ ‬فى‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬ومواجهة‭ ‬الفيتو‭ ‬الأمريكى‭ ‬الأوروبى‭ ‬لصالح‭ ‬إسرائيل‭ ‬مما‭ ‬عكس‭ ‬فى‭ ‬الأخير‭ ‬عجز‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي،‭ ‬فى‭ ‬مثل‭ ‬هكذا‭ ‬أزمات،‭ ‬لأنه‭ ‬أصبح‭ ‬طرفاً‭ ‬رئيسياً‭ ‬فى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات‭ ‬المعاصرة،‭ ‬فأعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولى‭ ‬الخمسة‭ ‬الفاعلون‭ ‬يضعون‭ ‬مصالحهم‭ ‬وحلفاءهم‭ ‬فى‭ ‬المقدمة،‭ ‬لذلك‭ ‬فقدت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬إقرار‭ ‬الأمن‭ ‬والسلم‭ ‬الدوليين‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬نأمل‭ ‬فى‭ ‬توجب‭ ‬تلك‭ ‬الأزمات‭ ‬الكبيرة‭ ‬الحالية‭ ‬ضرورة‭ ‬التفكير‭ ‬فى‭ ‬إصلاح‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬تدشين‭ ‬مؤسسة‭ ‬جديدة‭ ‬تكون‭ ‬فاعلة‭ ‬فى‭ ‬إنهاء‭ ‬هكذا‭ ‬صراعات‭.  ‬
الحرب‭ ‬فى‭ ‬غزة‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬لها‭ ‬تداعيات‭ ‬إنسانية‭ ‬وأخلاقية؛‭ ‬قد‭ ‬تضع‭ ‬العالم‭ ‬أمام‭ ‬أكبر‭ ‬مواجهة‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬والصمت‭ ‬عليها‭ ‬جريمة‭ ‬أخري،‭ ‬فقد‭ ‬تسببت‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬فى‭ ‬دمار‭ ‬غزة‭ ‬بأكملها‭ ‬وإزهاق‭ ‬أرواح‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬أهلها،‭ ‬ولا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الصمت‭ ‬الإنسانى‭ ‬سيطول‭ ‬حيال‭ ‬تلك‭ ‬الجرائم‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينذر‭ ‬بجر‭ ‬باقى‭ ‬بلدان‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬المواجهة‭.‬