حالة من الغضب العارم والغيظ أيضاً مما يجرى على الساحة والموقف اللاإنسانى المهترئ والساقط من الحرب الصهيونية على غزة والشعب الفلسطينى ..ورغم ان كل الوقائع تؤكد ان ما يقوم به الاحتلال هو حرب إبادة حقيقية وتطهير عرقي.. من أبرز شواهدها المجازر اليومية بحق الأبرياء العزل من النساء والأطفال والهدم المتعمد مع سبق الإصرار والترصد لكل مقومات الحياة والبنية التحتية وحرب التجويع والتعطيش والاظلام بقطع الكهرباء ومنع الوقود والمحروقات والحرب على المستشفيات بلا هوادة ومنع الخدمات الصحية ومنع فرق الإنقاذ من العمل والحيلولة دون إنقاذ المرضى والجرحى ومن هم تحت الانقاض سواء أمواتاً أو مصابين.. إلا أن أحداً لم يتحرك حتى من يصرخون وبعلو الصوت فى أرجاء الكرة الأرضية بعد ان فاقوا من سكرة الخداع الإسرائيلى ورهبة السوط الأمريكى وتكشف الأكاذيب والروايات الخادعة لممارسة الإجرام وشفاء الغليل فى شهوة الانتقام الأعمى من الأبرياء ومن كل ما هو فلسطيني.. حتى هؤلاء تذهب صرخاتهم ادراج الرياح.. بعد ان اصيب مجلس الأمن بالشلل التام وعجز عن ان يحرك ساكناً بفضل الفيتو الأمريكى اللعين.
يحار المرء فى وضع أى وصف لدولة الكيان الصهيونى ومن يشايعها ابتداء من الولايات المتحدة الأمريكية وتوابعها فى أوروبا عموما وتحت أى بند أو نوع من تصنيفات الدول حتى ولو وفقاً للمنظور والثقافة الأمريكية.. فقد ابتدعت الولايات المتحدة تصنيفا للدول خاصة بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر إياها مثل الدول المثيرة للقلق أو الدول المزعجة وغير الجديرة بالثقة أو الدول الخارجة عن القانون أو الدول المنبوذة أو الدول العدوة أو الدول المارقة.. وحاولت جاهدة فرض هذه المسميات فى أدبياتها السياسية لاغراض فى نفس يعقوب حتى انها باتت تسيطر على الكتابات والخطابات الأمريكية.
الحقيقة أن مصطلح الدول المارقة تسلل إلى عالم السياسة مع سطوع نجم الهيمنة الأمريكية من قبل ذلك بكثير..
يرى خبراء القانون والعلاقات الدولية ان الدولة المارقة هى التى تصدر منها أفعال تؤثر على الأمن والاستقرار الدولى ولا يمكن تجاهله أو التغاضى عنه. ووفقا لمنظرين أمريكيين فانهم يرون ان «الدولة المارقة هى الدولة التى تخالف بانتظام الأعراف والأنظمة الدولية.» وأنّ الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر هذه «الدول عدائية وتمثل تهديداً للسلام العالمى وتصنفها بأنها أنظمة رجعية عدائية تجاه الأجنبى ومتعالية ولا تحترم قواعد المجتمع الدولي.»
وان الدولة المارقة هى التى تتجاهل القانون الدولى والمعايير المقبولة للسلوك وقتما وحيثما كان ذلك التجاهل يخدم أهداف سياستها. فربما تقطع الدولة المارقة وعودا على نفسها أو توقع الاتفاقيات أو تنضم إلى المنظمات الدولية، لكنها تبقى تفكر دائماً مثل «الذئب المنفرد» الذى لا يلتزم بأى قواعد أو قوانين. حتى عندما تمد الدولة المارقة يد الصداقة بمشاعر دافئة فإنها تبقى على أهبة الاستعداد لاستخدام السكين التى تخفيها بيدها الأخرى وراء ظهرها. والدول المارقة دائماً ما تأخذ خطوات استباقية ولا تعتمد على رد الفعل. هذه الدول ببساطة لا تتقبل المعايير الدولية.
من المفارقات أن أمريكا عندما صكت مصطلح الدول المارقة كانت تريده بوابة للتاديب والتهذيب ومدخلاً يفتح لها أبواب البلطجة الدولية على مصراعيه حتى بالغت فى استخدامه ليس فقط ضد الدول الرافضة أو التى تعارض سياساتها وتوجهاتها عامة بل ضد القوى الدولية المنافسة لها على الساحة الدولية.. الآن على ما يبدو فقد انقلب السحر على الساحر وأصبحت أمريكا هى من توصف بانها أكبر دولة مارقة فى العالم.. ويكفى ما يحدث الآن مع حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقى فى غزة وموقفها المناقض للقانون والأعراف الدولية والإنسانية ورغم ذلك تجبر الدول على السير فى ركابها وتصيب الأمم المتحدة ومؤسساتها وهيئاتها بالشلل التام وتقف عاجزة عن اتخاذ موقف حتى ولو كان إنسانياً.. فهى حجر العثرة أمام قرار وقف اطلاق النار أو حتى هدنة إنسانية فى غزة.. ولم تشعر باى حرج لذلك ولا ان هذا يتناقض وسياستها وموقفها المعلن وجهودها الجبارة فى الحرب الأوكرانية!!
لذلك لم بكن غريباً ولا مفاجئاً ان يضع كثير من الساسة والمفكرين الأمريكيين الولايات المتحدة على قائمة الدول المارقة وفقا للقواعد الأمريكية نفسها ولعل فى مقدمة هؤلاء نعوم تشومسكى مستشار الامن القومى الأمريكى الأسبق وصامويل هنتنجتون صاحب كتاب صراع الحضارات والخبير فى مراكز الأبحاث التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية وهما من هما اذ يعتبران من الأركان والأعمدة الرئيسية التى يعتمد عليها البنتاجون فى وضع الخطط الإستراتيجية وتأصيل الفكر الاستعمارى والتوسعى وفرض الهيمنة الأمريكية على العالم.. فقد اتفقا على «أنَّ واشنطن تسلكُ مسارًا خطيرًا ففى أعين كثير من بلدان العالم -ربَّما معظم العالم- أصبحت الولايات المتَّحدة «القوة العظمى المارقة»، التى تُعدُّ «التهديد الوحيد الخارجى الكبير لمجتمعاتهم».
وقد انتقد نعوم تشومسكى مفهوم الدولة المارقة من خلال كتابه «الدولة المارقة.. استخدام القوة فى الشئون الدولية». ويعتبر أن الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب الباردة أخذت على عاتقها مسئولية حماية العالم ولكنه تساءل مِن مَن ستحميه؟ فبنظرة للتأثير هى بحاجة لِخلق أعداء جدد لذلك توجهت نحو تصنيف «الدول المارقة» لتتخذهم ذريعة بوصفهم يشكلون خطراً على أمنها القومي.
يذكر فى الفصل الأول ان «هناك استخدامين لمصطلح ‹الدولة المارقة›، مثله مثل مصطلحات أخرى كثيرة.
الأول دعائى يطبق على أعداء مصنفين.. والثانى موضوعى يطبق على دول لا تعد نفسها مقيدة بالأعراف الدولية.
بيد أن المنطق يوحى بأن الدول الأكثر قوة يجب أن تصنف فى الصنف الأخير إلا إذا كان هذا ممنوعاً على المستوى الداخلى وهذا توقع يؤكده التاريخ.» وبالتالى قد ركّز على انتهاكات الولايات المتحدة الأمريكية للقوانين الدولية وخلق الحجج من خلال أعداء جدد لتبرير العدوان والتدخلات. ويراها تقوم بأعمال عدوانية تنطبق عليها معايير الدولة المارقة. ويعتبر ان «المعايير واضحة جداً: «الدولة المارقة» ليست دولة إجرامية فحسب وإنما واحدة تتحدى أوامر الأقوياء الذين هم مستثنون، بالطبع».
هناك دراسة أخرى تنتقد التوجهات الأمريكية وتؤكد انها دولة مارقة بالفعل كتبها كلايدبرستوفتر رئيس معهد الإستراتيجيَّات الاقتصاديَّة فى واشنطن تحت عنوان «الدَّولة المارقة.. الدفع الأحادى فى السياسة الخارجيَّة الأمريكيَّة/ 2003»..كما يقول ناشر الكتاب فانه ليس مناقشةً ضدَّ السيطرة الأمريكيَّة أو ضد ممارسة القوَّة الأمريكيَّة إنَّه مناقشةٌ للحماقاتِ والغطرسةِ والجهلِ فى ممارسةِ القوَّةِ، حيث يكشف المؤلِّفُ عن الجذورِ التاريخيَّة للدفعِ الأحاديِّ ويبيِّن سطوةَ هذا الدفع على كلِّ موقعٍ ذى أهمِّيةٍ من مواقع السياسة الخارجيَّة الأمريكيَّة: السياسيَّة والتجاريَّة، والاقتصاديَّة، ومراقبة التسلُّح، والطاقة، والبيئة، والزراعة.
وقد علق على الكتاب مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا بالقول: «إنَّ كتابَ «كلايدبرستوفتر» يُقدِّم لنا تحليلاً نافذَ البصيرةِ لخيبةِ الأملِ التى سبَّبتها أمريكا للعالم بقصورها عن وفائها لقيمها وبتقديمها الموعظة عوضًا عن حسن الاستماع وبتصرُّفها ضد باقى أمم الأرض عوضًا عن تصرفها معهم فى هذه الأوقات الحرجة من علاقات أمريكا مع العالم الإسلامي».
بالتالى فان القول بالأساليب التقليدية فى المواجهة يصبح غير ذى جدوى .. ففى الظروف العادية يفترض إن المجتمع الدولى يواجه الدولة المارقة إما بأسلوب الترهيب أو الترغيب. فى الترهيب بفرض عقوبات قانونية على الدولة بجميع الأشكال، أو بالدخول فى حرب باردة مع الدولة، وهذا الأسلوب نجاحه غير حتمى ففى الواقع الدولى حالياً بعض الدول المارقة بالرغم من فرض العقوبات عليها إلا أنها لا تزال تقوم بأعمال تخالف القانون!!
لا بد إذن من بحث عن حل خارج الصندوق حتى تستمر المقاومة.
والله المستعان ..