يبدو اننا نعيش فى عالم فقد عقله بكل تأكيد .. كل شئ يجرى خارج اطار اللامعقول واللامنطق واللاانسانية ..كل صاحب عقل مصاب بحالة من الدوار وعدم القدرة على التفكير .. المشكلة هذه المرة ليست فى الجهل او غياب التعليم او تدهور المستوى التعليمى او غياب أصحاب العقول .. لكن المصيبة فى النخبة او من يسمون انفسهم كذلك سواء من متخذى القرار او من يدعمون الأفكار والتوجهات إياها .. المصيبة الأكبر والاشد دهشة تلك الدائرة الجهنمية من التلفيق والكذب وقلب الحقائق والإصرار على اجبار العالم ان يصدقها ويسير فى ركابها واى معارضة او رفض او حتى وقوف على الحياد فصاحبها يحكم على نفسه بالاعدام او انه يدخل نفسه فى المقصلة التى لا ترحم ولا تبقى ولا تذر..
العالم الذى يتشدق بالديمقراطية وحقوق الانسان واحترام القانون والشرائع الدولية ..الان هو نفسه الذى يرفض بصوت عال القانون الدولى وكل القواعد الإنسانية ويضرب بها عرض الحائط ولا يريد ان يستمع الى نصائح او حتى أى صوت للحق او إشارة الى العدل والانصاف ..
كان طوفان الأقصى كاشفا وبكل دقة لحالة التردى والانسياق الاعمى لرغبات النازيين الجدد الذين سقطت كل الأقنعة عنهم فى اول مواجهة حقيقية ..وغرق النازيون فى طوفان الأقصى ومعهم أوهام السلام الابراهيمى المزعوم او المشئوم غير مأسوف عليهم..ومن عجب انهم لا يتورعون فى رفع شعارات مضادة للقوانين والأعراف الدولية ويدعون الى الالتزام بها ويتخذون من الإجراءات ما يعطل أى محاولة لاقرار القانون او الاعتراف بالحقوق والتوجه نحو إقرار العدالة والانصاف.
.. ظهر الامر جليا فى الشعار الخادع المرفوع حق إسرائيل فى الدفاع عن النفس .. وفجأة صار الشعار وكأنه نص مقدس لايجوز المساس به ..من يعارضه او حتى يتحفظ عليه كمن يلقى نفسه فى الجحيم ويتم طرده فورا ليس من منصبه فقط بل الى مكان لايحمد عقباه ..
اعتقد انها سابقة لم تحدث فى التاريخ الإنسانى انيتم الادعاء بان قوى الاحتلال تملك حق الدفاع عن نفسها وفى المقابل لا حق للمقاوم او الضحية فى الدفاع نفسه وكأن عليه ان يرضخ ويستسلم لما يقره السيد المعتدي.
الأكثر غرابة ان تسير القوى الكبرى بهذا الشعار الكاذب الخاطئ المنافى لكل الأعراف الدولية والقوانين والشرائع الى الأمم المتحدة وتقاتل من اجل فرضه على الأعضاء مع انه يتعارض وقوانين المنظمة نفسها وهو ضد الهدف الذى قامت من اجله لفرض الامن والسلم الدوليين..وتجهض بالفيتو أى محاولة لوقف شلالات الدماء المراقة صباح مساء..
عشرات من القرارات الدولية تؤكد حق الشعوب فى المقاومة وتقرير المصير والدفاع عن نفسها بكل القوى المتاحة لها حتى تتمكن من الحصول على حقوقها المشروعة والدفاع عن وطنها وشعبها.
ولكن بما اننا فى عالم فقد عقله فان القاعدة انقلبت واصبح الدفاع عن النفس من حق المعتدى ولا يملك الضحية هذا الحق..الفكر الطبيعى والعقلى يؤكد ان اسرائيل قوة الاحتلال القائمة منذ 75 عاما هى المطالبة بعدم قمع المقاومة وليس العكس.وقد أكدت ذلك محكمة العدل الدولية فى فتواها بشأن بناء الجدار فى العام 2004 ردت المحكمة على الادعاء الإسرائيلى بأن بناء الجدار يأتى دفاعاً عن النفس بالقول إن هذا الحق لا أهمية له استناداً إلى حقيقة أن إسرائيل تمارس سيطرة فعلية على الأراضى الفلسطينية المحتلة.
وجاء قرار محكمة العدل الدولية بناء على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تصدر على وجه السرعة فتوى بشأن المسألة التالية: ما هى الآثار القانونية الناشئة عن تشييد الجدار الذى تقوم إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال، بإقامته فى الأرض الفلسطينية المحتلة بما فى ذلك فى القدس الشرقية وحولها..
وكان قرار محكمة العدل الدولية انه لا يحق لإسرائيل أن تتذرع بحق الدفاع عن النفس وتتخذ من الإجراءات التى تمثل عقابا جماعيا للشعب الفلسطينى الواقع تحت الاحتلال، وقد تلقفت الدوائر العلمية والأكاديمية فى الدول الغربية هذه الفتوى القانونية، أو القرار الذى أصدرته محكمة العدل الدولية بالدراسة والتحليل، وقد اعدت دراسات عنه فى كليات القانون فى الجامعات الكبرى فى أوروبا وأمريكا.
وهناك واقعة أخرى اكثر أهمية على هذا الصعيد ومرتبطة بالكيان الصهيونى وما يقوم به فى الأراضى الفلسطينية المحتلة وهو التقرير الذى قدمته لجنة التحقيق الدولية للجمعية العامة وهى لجنة تحقيق دولية مستقلّة تابعة للأمم المتحدّة معنية بالأرض الفلسطينية المحتلّة بما فى ذلك القدس الشرقية وإسرائيل واكد التقرير وجود أسباب معقولة تدعو للاستنتاج أن الاحتلال الإسرائيلى للأرض الفلسطينية بات غير قانونى بموجب القانون الدولى نظرًا لاستمراره وسياسات الحكومة الإسرائيلية للضم بحكم الأمر الواقع.
ودعت لجنة التحقيق المؤلّقة من ثلاثة أعضاء الجمعية العامة إلى إحالة طلبٍ عاجل إلى محكمة العدل الدولية لتقديم فتوى بشأن الآثار القانونية الناشئة عن استمرار إسرائيل برفضها لإنهاء احتلالها للأرض الفلسطينية المحتلّة مشيرةً إلى انه بموجب القانون الدولى الإنسانى احتلال أرضٍ ما خلال الحرب هو وضع مؤقّت ولا يحرم السلطة الواقعة تحت الاحتلال من وضعها كدولة أو من سيادتها.
ركّز التقرير المؤلّف من 28 صفحة على تعزيز المشروع الاستيطانى وتوسّعه بما فى ذلك البيانات التى أدلى بها مسئولون إسرائيليون يشيرون فيها إلى النيّة على استمرار السيطرة الدائمة على الأرض بما ينتهك القانون الدولي. واستنتجت لجنة التحقيق أنه تقع على إسرائيل إثر استمرارها باحتلال الأرض بمفعول القوّة مسئوليّات دولية ولا تزال مسئولة عن انتهاك حقوق الفلسطنيين فرادى وجماعات.
و»نتيجة تجاهل القانون الدولى فى إنشاء المستوطنات أو تسهيل إنشائها ونقل المدنيين الإسرائيليين بشكلٍ مباشر وغير مباشر إلى المستوطنات مهّدت الحكومات الإسرائيلية المتتالية لوقائع على الأرض لضمان السيطرة الدائمة على الضفّة الغربية»كما قالت رئيسة لجنة التحقيق السيّدة نافى بيلاي.
ورغم ان حق المقاومة للمحتل حق اصيل الا ان الغريب ان القوى الدولية تسعى جاهدة بكل ما اوتيت من قوة للالتفاف على حق مقاومة العدوان المشروع وتمارس كل الوان التضييق على قوى المقاومة وتحاول ان تنزع عنها أى صفة شرعية للقيام بواجبها الوطنى وتستخدم فى ذلك لعبة الإرهاب فتلاحق قوى المقاومة باتهامات شنيعة من قبل الإرهاب والتطرف وانها تمثل قوى الرجعية والتخلف وان المقاومين هم أعداء الحضارة والإنسانية وانهم لا يعرفون الا القتل واسالة الدماء وتستخدم فى ذلك وسائلها الإعلامية والدعائية حتى تجعل من تلك الاتهامات قاعدة وصفة لازمة يتم ذكرها ووصف المقاومة حين يأتى ذكرها فى أى مكان وفى أى وسيلة ..
وللأسف الشديد فانه وبعدما حدث من تقدم على مستوى التشريعات وإقرار الحقوق فى الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية واصبح «. لكل شعب الحق فى الوجود ولكل شعب حق مطلق وثابت فى تقرير مصيره .. وأنه من حق الشعوب المستعمرة المقهورة فى أن تحرر نفسها من أغلال السيطرة واللجوء إلى كافة الوسائل التى يعترف بها المجتمع».. تحدث مثل هذه الانتكاسة الفظيعة التى نشاهدها صباح مساء..
تبا لهذا العالم الذى يخرج علينا فيه ممثلو النازية الجديدة ليلقوا على العالم دروسا فى الأخلاق والفضيلة ويتحدثون بملء اشداقهم عن الحضارة والكرامة الإنسانية..
ينفذون جرائم ضد الإنسانية ويرتكبون أفظع المذابح ضد الأبرياء اطفالا ونساء ويمارسون سياسات التطهير العرقى والتصفية الجسدية على الهواء وعلى مرأى من العالم كله الذى لاتطرف له عين ولايهتز جفن..بل يؤيد ويبارك.. ويبرر أن وقف الجنون فى القتل ليس فى المصلحة!
يخرج نتياهو يوميا على الشاشات الفضائية وفى لقاءات مع قادة دول كنا نظنها كبرى الا انها وضعت نفسها فى حقيبة نتنياهو مشجعة له وداعمة للنازية والعنصرية الجديدة..
العالم فى حالة دهشة من النفاق الرهيب المقيت للكيان الصهيونى وعصابات النازية المتجبرة بالدعم المطلق من امريكا والقوى الغربية..
لا احد يتحدث عن دافعى الضرائب ولا اين تذهب ولا فيما تنفق المليارات ولا اين ذهب مخزون السلاح الاستراتيجى ولا اين الحماية لأسرار احدث الأسلحة التى لا يجوز امتلاكها الا للجيش الأمريكى فقط..
ولم يستغرب احد من استقالة مسئولين كبار فى الخارجية الأمريكية وغيرهم فى مواقع اخرى فى لندن وغيرها لأن اسرائيل طلبت أسلحة واشياء اخرى لا يمكن الموافقة عليها ..
علامات استفهام كثيرة وقلقة لا تزال مطروحة فى مقدمتها متى يعود العالم الى رشده ؟؟
والله المستعان ..