ما أن بدأ «طوفان الأقصي»، حتى ولولت إسرائيل وصرخت بأعلى صوتها، تستنفر العالم كله وتستجديه وتطلب النجدة، مدعية أن «حماس» ترتكب جرائم بشعة وتقطع رءوس الأطفال، وخلال دقائق أشاعت ذلك فى كل أنحاء الكوكب، فوجدت تعاطفا غير مسبوق، خاصة من أمريكا أبيها غير الشرعي، والعديد من الدول الأوروبية صاحبة فكرة «زرع» اليهود فى فلسطين، والذين نفذوا المخطط الخبيث بوعد بلفور العام 1917 فى ظل وقوع الدول العربية كلها تحت الاستعمار الأوروبى من جانب والاحتلال العثمانى من جانب آخر.
وسائل الإعلام والأبواق الغربية المؤيدة لإسرائيل تلقفت المعلومات المغلوطة وقامت ببثها دون توثيق ودون التأكد من صحتها، بل أن ساسة كباراً رددوا الأباطيل مثل الببغاوات، وبكل بساطة وبعد خراب غزة، قام بعضهم بالاعتذار عن جريمتهم التى شاركوا فيها، بعدما تأكد أن الذى يقتل الأطفال والنساء والمسنين والمرضى ورجال الإنقاذ والإسعاف والطواقم الطبية ويدمرون المساجد، هم الإسرائيليون، فبماذا إذا ينفع الاعتذار؟!
هرول الغرب بتقديم الدعم العسكرى واللوجستى والمعلوماتى لإسرائيل كأنها تواجه حربا «عالمية»، بينما كانت تحاول أن تغطى على «كبوتها» الشديدة وانكشاف زيف ما تردده عن إمكاناتها وجيشها، وأسلحتها «الذكية» وكاميراتها وأجهزة الإنذار، وظهرت عوراتها أمام مجموعة من شباب حماس الذين يعتمدون على إمكانات بدائية، وما زاد من أوجاع الإسرائيليين، أن ذلك تزامن مع ذكرى جرحهم الذى ينزف دما، بمرور 50 عاما على هزيمتهم فى حرب أكتوبر، وأعاد لها ذكريات مؤلمة، فزاد من إحساسها بالوجع والقهر.
ومصداقا للمثل القائل «ضربنى وبكى وسبقنى واشتكي»، اعتادت اسرائيل على قلب الحقائق، وتاريخها الدموى ينطق بذلك، ترتكب الجرائم والمذابح وتقتل الأطفال والنساء وتغتصب الأراضى والحقوق، وأيديها ملوثة بدماء الأبرياء، وفى نفس الوقت تلقى باللائمة على الآخرين بل وتلصق بهم الاتهامات والجرائم التى ترتكبها.
لقد ثبت أن إسرائيل تستطيع ببراعة أن تجمع بين «المظلومية» و»التهويل» فى قوتها وإمكاناتها، وتستخدم كلا منهما وقتما تريد لتحقق مكاسب من أى نوع تهدف إليه، معتمدة على النفير الإعلامى الذى تجيشه، وبكل أسف تنجح فى أن تجذب المؤيدين لها وتلفت أنظار العالم، بالخداع والزيف والمعلومات المضللة.
لا ننسى كيف كانت إسرائيل تستنجد بالغرب، تدعى أن العرب يحيطون بها وسيلقون بها فى البحر، وهى التى ترتكب المجازر المتتالية من عام 1948 حتى الآن، بينما تطلق على جيشها أنه الذى لا يقهر، وتزعم أن الموساد أذكى جهاز مخابرات فى العالم.
الاستمرار الإسرائيلى فى الزيف طوال تلك العقود الماضية، جعل الباطل يرسخ فى أذهان الذين لا يعلمون كأنه حق، يصفون المقاومة الفلسطينية بأنها إرهاب، فى الوقت الذى يتمادون فيه بضم المزيد من الأراضى الفلسطينية والتوسع فى بناء المستوطنات، والتعنت فى أى مفاوضات، بجانب استخدام العنف المفرط والقوة العسكرية الغاشمة ضد المدنيين العزل، ولم يقف عدوانها على الفلسطينيين وحدهم بل امتدت أيديها إلى لبنان وسوريا والعراق وإيران، وكلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله.
السؤال الذى يطرح نفسه الآن، ماذا فعلت مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ ما يقرب من نصف قرن، وماذا قدمت للفلسطينين إلا المزيد من الخسائر فى الأرواح والأرض، ثم يطالبهم العالم باللجوء إلى السبل السلمية، بينما رعاة السلام الغربيون يميلون كل الميل مع الجانب الظالم المغتصب.
إن العالم لا يكيل بمكيالين، بل بمئات المكاييل.!