هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

عزف‭ ‬على‭ ‬حرف

"‬ضربنى‭ ‬وبكى"‮‬‭ !‬

ما‭ ‬أن‭ ‬بدأ‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصي‮»‬،‭ ‬حتى‭ ‬ولولت‭ ‬إسرائيل‭ ‬وصرخت‭ ‬بأعلى‭ ‬صوتها،‭ ‬تستنفر‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬وتستجديه‭ ‬وتطلب‭ ‬النجدة،‭ ‬مدعية‭ ‬أن‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬ترتكب‭ ‬جرائم‭ ‬بشعة‭ ‬وتقطع‭ ‬رءوس‭ ‬الأطفال،‭ ‬وخلال‭ ‬دقائق‭ ‬أشاعت‭ ‬ذلك‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬الكوكب،‭ ‬فوجدت‭ ‬تعاطفا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬أبيها‭ ‬غير‭ ‬الشرعي،‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬صاحبة‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬زرع‮»‬‭ ‬اليهود‭ ‬فى‭ ‬فلسطين،‭ ‬والذين‭ ‬نفذوا‭ ‬المخطط‭ ‬الخبيث‭ ‬بوعد‭ ‬بلفور‭ ‬العام‭ ‬1917‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬وقوع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬كلها‭ ‬تحت‭ ‬الاستعمار‭ ‬الأوروبى‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬والاحتلال‭ ‬العثمانى‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭.‬
وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والأبواق‭ ‬الغربية‭ ‬المؤيدة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬تلقفت‭ ‬المعلومات‭ ‬المغلوطة‭ ‬وقامت‭ ‬ببثها‭ ‬دون‭ ‬توثيق‭ ‬ودون‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬صحتها،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬ساسة‭ ‬كباراً‭ ‬رددوا‭ ‬الأباطيل‭ ‬مثل‭ ‬الببغاوات،‭ ‬وبكل‭ ‬بساطة‭ ‬وبعد‭ ‬خراب‭ ‬غزة،‭ ‬قام‭ ‬بعضهم‭ ‬بالاعتذار‭ ‬عن‭ ‬جريمتهم‭ ‬التى‭ ‬شاركوا‭ ‬فيها،‭ ‬بعدما‭ ‬تأكد‭ ‬أن‭ ‬الذى‭ ‬يقتل‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬والمسنين‭ ‬والمرضى‭ ‬ورجال‭ ‬الإنقاذ‭ ‬والإسعاف‭ ‬والطواقم‭ ‬الطبية‭ ‬ويدمرون‭ ‬المساجد،‭ ‬هم‭ ‬الإسرائيليون،‭ ‬فبماذا‭ ‬إذا‭ ‬ينفع‭ ‬الاعتذار؟‭!‬
هرول‭ ‬الغرب‭ ‬بتقديم‭ ‬الدعم‭ ‬العسكرى‭ ‬واللوجستى‭ ‬والمعلوماتى‭ ‬لإسرائيل‭ ‬كأنها‭ ‬تواجه‭ ‬حربا‭ ‬‮«‬عالمية‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تغطى‭ ‬على‭ ‬‮«‬كبوتها‮»‬‭ ‬الشديدة‭ ‬وانكشاف‭ ‬زيف‭ ‬ما‭ ‬تردده‭ ‬عن‭ ‬إمكاناتها‭ ‬وجيشها،‭ ‬وأسلحتها‭ ‬‮«‬الذكية‮»‬‭ ‬وكاميراتها‭ ‬وأجهزة‭ ‬الإنذار،‭ ‬وظهرت‭ ‬عوراتها‭ ‬أمام‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬حماس‭ ‬الذين‭ ‬يعتمدون‭ ‬على‭ ‬إمكانات‭ ‬بدائية،‭ ‬وما‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬أوجاع‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬تزامن‭ ‬مع‭ ‬ذكرى‭ ‬جرحهم‭ ‬الذى‭ ‬ينزف‭ ‬دما،‭ ‬بمرور‭ ‬50‭ ‬عاما‭ ‬على‭ ‬هزيمتهم‭ ‬فى‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر،‭ ‬وأعاد‭ ‬لها‭ ‬ذكريات‭ ‬مؤلمة،‭ ‬فزاد‭ ‬من‭ ‬إحساسها‭ ‬بالوجع‭ ‬والقهر‭.‬
ومصداقا‭ ‬للمثل‭ ‬القائل‭ ‬‮«‬ضربنى‭ ‬وبكى‭ ‬وسبقنى‭ ‬واشتكي‮»‬،‭ ‬اعتادت‭ ‬اسرائيل‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬الحقائق،‭ ‬وتاريخها‭ ‬الدموى‭ ‬ينطق‭ ‬بذلك،‭ ‬ترتكب‭ ‬الجرائم‭ ‬والمذابح‭ ‬وتقتل‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬وتغتصب‭ ‬الأراضى‭ ‬والحقوق،‭ ‬وأيديها‭ ‬ملوثة‭ ‬بدماء‭ ‬الأبرياء،‭ ‬وفى‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬تلقى‭ ‬باللائمة‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬بل‭ ‬وتلصق‭ ‬بهم‭ ‬الاتهامات‭ ‬والجرائم‭ ‬التى‭ ‬ترتكبها‭.‬
لقد‭ ‬ثبت‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تستطيع‭ ‬ببراعة‭ ‬أن‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬‮«‬المظلومية‮»‬‭ ‬و»التهويل‮»‬‭ ‬فى‭ ‬قوتها‭ ‬وإمكاناتها،‭ ‬وتستخدم‭ ‬كلا‭ ‬منهما‭ ‬وقتما‭ ‬تريد‭ ‬لتحقق‭ ‬مكاسب‭ ‬من‭ ‬أى‭ ‬نوع‭ ‬تهدف‭ ‬إليه،‭ ‬معتمدة‭ ‬على‭ ‬النفير‭ ‬الإعلامى‭ ‬الذى‭ ‬تجيشه،‭ ‬وبكل‭ ‬أسف‭ ‬تنجح‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬تجذب‭ ‬المؤيدين‭ ‬لها‭ ‬وتلفت‭ ‬أنظار‭ ‬العالم،‭ ‬بالخداع‭ ‬والزيف‭ ‬والمعلومات‭ ‬المضللة‭.‬
لا‭ ‬ننسى‭ ‬كيف‭ ‬كانت‭ ‬إسرائيل‭ ‬تستنجد‭ ‬بالغرب،‭ ‬تدعى‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬يحيطون‭ ‬بها‭ ‬وسيلقون‭ ‬بها‭ ‬فى‭ ‬البحر،‭ ‬وهى‭ ‬التى‭ ‬ترتكب‭ ‬المجازر‭ ‬المتتالية‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1948‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬بينما‭ ‬تطلق‭ ‬على‭ ‬جيشها‭ ‬أنه‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬يقهر،‭ ‬وتزعم‭ ‬أن‭ ‬الموساد‭ ‬أذكى‭ ‬جهاز‭ ‬مخابرات‭ ‬فى‭ ‬العالم‭.‬
الاستمرار‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬فى‭ ‬الزيف‭ ‬طوال‭ ‬تلك‭ ‬العقود‭ ‬الماضية،‭ ‬جعل‭ ‬الباطل‭ ‬يرسخ‭ ‬فى‭ ‬أذهان‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يعلمون‭ ‬كأنه‭ ‬حق،‭ ‬يصفون‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بأنها‭ ‬إرهاب،‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬الذى‭ ‬يتمادون‭ ‬فيه‭ ‬بضم‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأراضى‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والتوسع‭ ‬فى‭ ‬بناء‭ ‬المستوطنات،‭ ‬والتعنت‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬مفاوضات،‭ ‬بجانب‭ ‬استخدام‭ ‬العنف‭ ‬المفرط‭ ‬والقوة‭ ‬العسكرية‭ ‬الغاشمة‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬العزل،‭ ‬ولم‭ ‬يقف‭ ‬عدوانها‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وحدهم‭ ‬بل‭ ‬امتدت‭ ‬أيديها‭ ‬إلى‭ ‬لبنان‭ ‬وسوريا‭ ‬والعراق‭ ‬وإيران،‭ ‬وكلما‭ ‬أوقدوا‭ ‬نارا‭ ‬للحرب‭ ‬أطفأها‭ ‬الله‭.‬
السؤال‭ ‬الذى‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭ ‬الآن،‭ ‬ماذا‭ ‬فعلت‭ ‬مفاوضات‭ ‬السلام‭ ‬بين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والإسرائيليين‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬قرن،‭ ‬وماذا‭ ‬قدمت‭ ‬للفلسطينين‭ ‬إلا‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الخسائر‭ ‬فى‭ ‬الأرواح‭ ‬والأرض،‭ ‬ثم‭ ‬يطالبهم‭ ‬العالم‭ ‬باللجوء‭ ‬إلى‭ ‬السبل‭ ‬السلمية،‭ ‬بينما‭ ‬رعاة‭ ‬السلام‭ ‬الغربيون‭ ‬يميلون‭ ‬كل‭ ‬الميل‭ ‬مع‭ ‬الجانب‭ ‬الظالم‭ ‬المغتصب‭.‬
إن‭ ‬العالم‭ ‬لا‭ ‬يكيل‭ ‬بمكيالين،‭ ‬بل‭ ‬بمئات‭ ‬المكاييل‭.!‬