فى مثل هذا الشهر الهجرى ربيع الأول وفى اليوم الثانى عشر منه شاءت إرادته سبحانه وتعالى أن يتم حلقة الأنبياء والرسل إلى البشرية فأرسل آخر أنبيائه الى خلقه حاملًا لهم آخر كلامه إليهم إلى أن تقوم الساعة دون تغيير أو تبديل فلا يكون لأحدهم حجة فيقول: «ما جاءنا من بشير ولا نذير»
وقد حدد الله سبحانه وتعالى مهمته فى خمس مسئوليات منبها له أنه مبعوث للبشرية كافه وأنه رحمة للعالمين إنسهم وجنهم وحيهم وجمادهم « وما أرسلناك الا رحمة للعالمين» .فقال له: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا» فهو كما تقول الآيات شاهدا ونستطيع أن نفهم الشهادة على الأمم أو على الأمة الإسلامية فى قوله :»وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا» فالشهادة هنا من قبل المسلمين ستكون على الأمم السابقة وشهادة الرسول صلوات الله وسلامه عليه ستكون على أمته فإذا قرأنا قوله تعالي: «فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا» وقد قال العلماء إن اسم الإشارة كلمة «هؤلاء» فى الآية تعود إلى الشاهدين من الأمم السابقة أى الرسل سلام الله عليهم أجمعين، فكل نبى يكون شاهدًا على أمته ويكون الرسول صلوات الله وسلامه عليه شاهدًا على أمته وعلى الرسل السابقين أما البشارة فهى بشارة للمؤمنين به كما قال تعالى : «وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا» فالبشارة عكس النذارة والتحذير وهو نذير أيضا للناس جميعًا، وفى الوقت ذاته داعيًا للناس جميعا إلى الله وإلى وحدانيه وعدم الشرك به، كما أنه نور لأنه جاء ليصحح ما علق بمسيرة الإيمان من شوائب ويزيل ما علق بالقلوب والعقول من شك برسالة واضحة كوضوح الأشياء فى ضوء السراج المنير حتى لا يكون لأحد حجه وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الوضوح الذى يتبينه المعاندون تماما فى آيات كثيرة ومنها: «قد نعلم إنه ليحزنك الذى يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون».
هذه المهات الخمس تكررت فى القرآن بصيغ مختلفة تؤكد مهمته وتنفى مسئولياته عن عدم استجابتهم،ومع ذلك نجد الحبيب صلى الله عليه وسلم يأسف لمصير أولئك الذين اختاروا العمى على الهدى فيخاطبه سبحانه بقوله :» لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ» الشعراء « وقوله : «فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَا أَرْسَلْنَكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ» وآيات كثيرة ومع ذلك نجده يدعو ربه معتذرا إليه لجهلهم فيقول: «اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون».
ولأنه سبحانه وتعالى أراده لهذه المهمة الجليلة فقد أعده لذلك ومنحه من الرحمة والرأفة والصبر وكل قيم الكمال حتى وصفه سبحانه بقوله:» وإنك لعلى خلق عظيم» وتحدث صلى الله عليه وسلم عن نفسه فى تواضع يليق بمقامه العلى فقال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، فأقر بقيم عظيمة سابقة على رسالته تحتاج الى كمال، مشيرا من خلال كلامه الى جهود الانبياء السابقين فى هذا السبيل وما أفرزته الفطره السليمة من قيم ومروءات وقد أشار إليها فى كلام صريح ومن ذلك عندما تحدث عن حلف الفضول فقال:» لقد شهدت مع عمومتى حلفا فى دار عبد الله بن جدعان، ما أحبّ أن لى به حمر النعم « حيث تحالف كرام الناس فى مكة على التضامن لحماية قيم نبيلة بالقوة ومنها نصرة المظلوم سواء أكان هذا المظلوم من مكة أو غيرها فهم ضد الظلم بصرف النظر عمن فعله أو من وقع عليه. وقد صدق الشاعر عندما قال فى وصفه صلوات الله وسلامه عليه:
خلقت مبرءا من كل عيب
كأنك قد خلقت كما تشاء
فاللهم صل وسلم وبارك عليه فى ذكرى مولده وفى كل لحظة وفى كل حركة وسكنة إلى يوم أن نلقاه.