عند فتح مكة وبينما رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقف فى الحرم المكى والأصنام تتساقط ويتم كسرها تباعًا وأهل مكة يقفون حائرين ويتساءلون: ماذا يفعل بنا محمد بعد أن نصره الله علينا وفتح مكة؟.. فيسأل الرسول الكريم: ماذا تظنون أنى فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم.. فقال عليه الصلاة والسلام: اذهبوا فأنتم الطلقاء..
وسط هذه الحالة نظر الرسول الكريم فوجد امرأة عجوزًا تقف بعيدًا وتنظر ناحيته بحب شديد فأقبل عليها وسألها عن نفسها وعندما عرف أنها حليمة السعدية احتضنها وقبل رأسها وبكى وهو سعيد بلقائها ثم خلع عباءته وفرشها على الأرض وأجلسها على العباءة وهو سعيد.. نظر إليه الصحابة الكرام وكأنهم يتساءلون: من هذه؟ فقال الحبيب المصطفي: إنها أمى حليمة السعدية التى ربتنى وأرضعتني.
كم من أم فى هذه الأيام التى نعيشها يكرمها أبناؤها وكم من أم ولدت وأرضعت وربت وكان جزاؤها قلة الأصل وإنكار عطائها وعدم البر بها بل إيذاؤها حتى وصل الأمر لضربها وطردها من بيتها.. ألسنا فى حاجة إلى ذكرى الحبيب لنتعلم؟
مع إكرام الحبيب المصطفى لحليمة السعدية عادت الذاكرة إلى مولده الشريف وكيف ابتعدت عنه المرضعات لأنه يتيم حتى جاءت حليمة السعدية فتغير حالها إلى الأحسن والأفضل وأصبح من ترضعهم بمن فيهم ابنها والحبيب المصطفى ومعها طفلان آخران يشبعون ويفرحون.. بل إن الشاة التى لديها وكانت لا تدر لبنًا بارك الله فيها فكانت تسقى الجميع.. فهل نتعلم الرضا بما قسم الله لعله الأفضل..!؟
ولد الحبيب المصطفى يتيم الأب فى عام الفيل على أرجح الأقوال.. ومات أبوه عبدالله وهو مازال طفلاً ذا ست سنوات فكفله جده عبدالمطلب.. ومات وعمره ٨ سنوات.. هل هناك من عاش هذه الحالة من اليتم «أب وأم وجد» لكن عين الله ترعاه ويكون خير البشر.. ولعله درس لو علمناه عظيم ولعله من المهم أن نشير إلى حديث ذكره ابن شاهين فى ناسخ الحديث ونسوخه وكذلك ذكره الشوكانى فى الفوائد المجموعة فى الأحاديث الموضوعة.. وهو حديث عن أم المؤمنين عائشة بنت أبى بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل الحجون كئيبًا حزينًا فأقام به ما شاء الله عز وجل ثم رجع مسرورًا وقال: «سألت ربى عز وجل فأحيا لى أمى فآمنت بى ثم ردها».
هل رأيت الوفاء الحقيقى لأمه برغم أنه لم يرسل إليه إلا بعد موتها بحوالى ٤٣ عامًا..؟!!
عندما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتى عشرة سنة خرج مع عمه أبى طالب إلى الشام فلما بلغ بلدة اسمها بصرى رآه راهب اسمه بحيرى فجاء الراهب إليه وأخذ بيده وقال: هذا رسول الله رب العالمين بعثه الله رحمة للعالمين فقيل له: وما علمك بذلك؟ قال: إنكم حين أقبلتم فى العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا خر ساجدًا ولا يسجدان إلا لنبى وإنا نجده فى كتبنا وسأل عنه أبا طالب فقال له: هو ابن أخى فقال له: أشفيق عليه أنت؟ قال: نعم.. قال: فوالله لئن قدمت به الشام لتقتله اليهود فرده أبو طالب خوفًا عليه.
ثم خرج مرة ثانية إلى الشام قبل البعثة فى تجارة لخديجة ومعه ميسرة غلام خديجة فلما نزل تحت ظل شجرة قريبًا من صومعة راهب فاطلع الراهب إلى ميسرة وسأله: من هذا الرجل؟ قال: من قريش من أهل الحرم فقال الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي.
وعندما بلغ الأربعين وبينما هو يتعبد فى غار حراء فى أعلى جبل الثور جاءه الوحي.. وكان أول ما أنزل عليه قول الله تعالى «اقرأ باسم ربك الذى خلق.. خلق الإنسان من علق.. اقرأ وربك الأكرم الذى علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم».. وهى أول دعوة للعلم والقراءة والتعلم.. وتعيدنا إلى قصة خلق آدم عندما علم الله آدم الأسماء التى لم يعرفها الملائكة.. وهى رسالة إلهية لأهمية العلم والتعلم..!!
قام صلى الله عليه وسلم بأمر ربه وبشر بالإسلام.. فأجابه من أهل بيته خديجة بنت خويلد زوجته فكانت أول من أسلمت من النساء.. وهى التى آزرته بما لها لنعرف قيمة المرأة فى تاريخنا.. بالفعل وليس مجرد الكلمات!! لقد كان سلوكه الشريف مع زوجته خديجة بنت خويلد أول زوجاته التى آنسى إليها أنسًا حقيقيًا وكانت أول من أسلم وظلت على وفائها لعهدها معه حتى ماتت وكان عام وفاتها هو عام الحزن لأنه فقد فيه أيضًا عمه أبا طالب الذى رباه بعد وفاة جده.
كان الحبيب المصطفى ودودًا مع زوجاته حبيبًا أنيسًا مع بناته بل إنه - كما يقول بعض الرواة - كان يقترع مع زوجاته لمن يخرج معهن فى المساء.. ولعل موقفه مع امرأة عرفها فهش لها وبسط لها عباءته حتى تجلس عليها فسألته عائشة رضى الله عنها عن هذه السيدة التى أكرمها الحبيب فقال لها: كانت تزورنا عند خديجة!! فكم كان وفيًا لزوجته حتى بعد وفاتها.. لعلنا نتعلم..!!
القصص القصيرة فى أنوار السيرة.. كثيرة وجميلة ولكن الحديث لا يتسع للكثير منها.. سواء فى علاقاته مع أصحابه.. وصداقته الوفية لهم خاصة أبا بكر الصديق أول من أسلم من الرجال.. وكم كان وفيًا لأبى بكر ويشيد به ويؤكد لأصحابه أن كل من كان له يد عند رسول الله إلا رد الله الجميل جميلاً إلا أبا بكر فقد ترك جزاءه على الله.. فقد ناصره عندما تركه الناس وسانده بماله وحبه وعطائه.. لذلك قال لعمر يومًا: اتركوا لى صاحب!!
وكان أبو بكر نعم الصديق الوفى للحبيب المصطفى ولعل قصة غار ثور عندما كان الرسول وأبو بكر فى طريق الهجرة وقررا الاختباء فى غار ثور دليل على هذا الحب العظيم حيث دخل أبو بكر أولاً إلى الغار لينظفه ويسد ثغراته خوفًا على الرسول الكريم إلا حفرة واحدة لم يسدها فوضع كعب قدمه على الحفرة ليسدها خشية أن يخرج منها عقرب أو ثعبان وبالفعل اطمأن الحبيب المصطفى ونام على فخذ أبى بكر مطمئنًا لكن ثعبانًا لدغ أبا بكر والرسول نائم وظل يتألم فى صمت حتى لا يوقظ الحبيب لكن دموعه سالت من الألم فنزلت على خد المصطفى فاستيقظ وعندما عرف قصة لدغة الثعبان وضع يده الشريفة على مكان الألم ومسح عليها فشفيت..!!
أى حب هذا؟ وظل الصحابة أوفياء لرسول الله وظل الوفاء والحب عنوانًا للعلاقة بين الصحابة أنفسهم تمشيًا مع قدوتهم الذى أمرهم الله أن يكون قدوتهم صلى الله عليه وسلم.. بل إن حب الرسول الكريم هو المكمل لإيمان المسلم فلن يؤمن أحدنا إيمانًا كاملاً إلا إذا كان محمد أحب إليه من والده وولده ونفسه التى بين جنبيه.. ولعل هذا الحب يكون شفيعًا لأحباب الحبيب فيكون عليه الصلاة والسلام شفيعًا لنا يوم القيامة.
وقصة الهجرة من قصص الأنوار المحمدية.. ولما هاجر كان معه صديقه وحبيبه أبو بكر الصديق ومولى له اسمه عامر بن فهيرة والدليل فى الرحلة عبدالله بن أريقط ولم يكن مسلمًا آنذاك، «ولم يعرف أنه أسلم بعد ذلك أم لا» ومع ذلك اختاره أبو بكر دليلاً لأنه الأعلم بالطرق فى الصحراء ولم يعترض عليه الرسول الكريم وهو درس لنا أن نستقى العلم والمعرفة من كل مكان المهم ألا يخالطه شرك بالله أو كفر أو فسوق.. وكانت رحلة الهجرة كلها دروس وعبر للمسلمين فى كل زمان.. وعندما وصل إلى يثرب «المدينة المنورة» تنازع الأنصار أيهم ينزل عليه الحبيب المصطفى فقال أنزل على بنى النجار وهم أخواله لأبيه فصعد الرجال والنساء فوق البيوت وتفرق الغلمان والخدم ينادون فى الطرقات: جاء محمد رسول الله.. وغنت فتيات بنو النجار: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع.. وبدأت فترة المدينة المنورة فى تاريخ الإسلام المشرق ولنا فى قصصها استكمال العدد المقبل إن شاء الله إن كان للعمر بقية.
وكل عام وأنتم بخير حيث احتفل العالم الإسلامى بالمولد النبوى الشريف أمس الأربعاء.
همس الروح
>> الصلاة على الحبيب استجابة لأمر الله.. وتأكيد على الحب ووفاء لعطاء الحبيب حتى نشر الله دينه الحق.
>> الحب نور فى القلب يظل نوره سراجًا مع كل دقة قلب.
>> الصداقة والأخوة هما الحب الحقيقى لمن يفهم.
>> لا تنتظر من نذل حبًا.. ولا تتوقع منه عطاء.
>> توكل على الله حق توكله واترك لقلبك العنان.