منذ عدة سنوات ويثار اللغط حول مدى مشروعية الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، واختلفت الأراء بين من يراه بدعة ومن يراه مشروعا، بل ومن يحرمه، فقط بناء على بعض مظاهر الاحتفال التى قد تقتصر على مجرد شراء الحلوى أو إقامة الموالد وغيرها، وهذا جعل ملايين المسلمين فى حيرة من هذه الاختلافات، لأن الجميع فى النهاية يريد أن يسير على الهدى الصحيح ويبتعد عن الوقوع فى أى خطأ.
فمن قالوا إن الاحتفال بالمولد بدعة، استندوا على أنه لم يثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه احتفل بيوم مولده، ولا عن الصحابة ولا التابعين، فدللوا بهذا على أن الاحتفال ليس مشروعا، وأنه من الأمور المحدثة، وأول من أحدثها الفاطميون فى القرن السادس الهجري.
وقالت دار الإفتاء المصرية «إن الاحتفال بالمولد النبوى أمرٌ أَجمع العلماء على جوازه؛ وهو ليس بدعة، وشراء حلوى المولد والتهادى بها من باب إظهار الفرح والسرور بمولد النبى صلى الله عليه وآله وسلم وهو أمرٌ جائز ومستحبٌ شرعًا».
وفريق يرى أن الاحتفال من المباحات، بشرط عدم اعتقاد سنيته، وألا يكون فيه من الخروج عن هدى النبى صلى الله عليه وسلم مما يٌفعل فى كثير من الاحتفالات.
وقد وجدت فى هذه الكلمات البليغة لصاحب الفضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، بلسما شافيا عن هذه الذكرى العطرة يقول «إن الاحتفال بمولد خاتم الأنبياء والمرسلين ليس احتفالا بعظيم من العظماء، ممن يتوقف التاريخ عند أدوارهم قليلا أو كثيرا، ثم ما يلبث أن يروح ويتركهم، بل هو احتفال من نوع آخر، احتفال بالنبوة والوحى الإلهى وسفارة السماء إلى الأرض، والكمال الإنسانى فى أرفع درجاته وأعلى منازله، والعظمة فى أرقى مظاهرها وتجلياتها».
وقال الطيب «إن رسولنا محمد بلغ فى هذه المعارج المتعالية، حتى أطلق عليه «الإنسان الكامل» من فرط ما استوعبه استعداده الشريف من سمو فى الفضائل، والخلق والأدب الرفيع، فلم يكن غليظ الطبع، ولا فاحشا فى قوله وعمله، ولا صخابا يرفع صوته فى الطرقات والأسواق، ولم يكن يجزى السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ما ضرب بيده شيئا قط، ولا ضرب خادما ولا امرأة، وما رؤى منتقما من مظلمة ظلمها».
وقال الإمام الأكبر، «إننا إذ نحتفل بذكرى مولد محمد صلى الله عليه وسلم فإننا لا نحتفل بمجرد شخص بلغ الغاية فى مدارج الأخلاق العليا، ومراتب الكمال القصوي، وإنَّما نحتفل -فى حقيقة الأمر- بتجلِّى الإشراق الإلهى على الإنسانية جمعاء، وظهوره فى صورة رسالة إلهية خُتمت بها جميع الرسالات، وكُلف بتبليغها للبشرية نبى خاتم، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، ولم يتركها حتى وضعها على محجة الحق والخير والجمال، وحذرها من الهوان والمذلة إن هى انحرفت إلى طرق أخرى لا ترجع منها إلا إلى هلاك محقق ودمار مؤكد».
وبعد هذه الكلمات الشافيات من الإمام الأكبر، يجب أن تنظر الأمة إلى ما فى شخصية النبى من عظمة ومن هديه وما فيه من صلاح وإصلاح للبشر وشئون الحياة، لا أن نقف عند الاختلاف حول الاحتفال.