هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

عزف‭ ‬على‭ ‬حرف

الاحتفال‭ ‬بالنبوة‭ ‬والوحى

منذ‭ ‬عدة‭ ‬سنوات‭ ‬ويثار‭ ‬اللغط‭ ‬حول‭ ‬مدى‭ ‬مشروعية‭ ‬الاحتفال‭ ‬بالمولد‭ ‬النبوى‭ ‬الشريف،‭ ‬واختلفت‭ ‬الأراء‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يراه‭ ‬بدعة‭ ‬ومن‭ ‬يراه‭ ‬مشروعا،‭ ‬بل‭ ‬ومن‭ ‬يحرمه،‭ ‬فقط‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬مظاهر‭ ‬الاحتفال‭ ‬التى‭ ‬قد‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬مجرد‭ ‬شراء‭ ‬الحلوى‭ ‬أو‭ ‬إقامة‭ ‬الموالد‭ ‬وغيرها،‭ ‬وهذا‭ ‬جعل‭ ‬ملايين‭ ‬المسلمين‭ ‬فى‭ ‬حيرة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الاختلافات،‭ ‬لأن‭ ‬الجميع‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يسير‭ ‬على‭ ‬الهدى‭ ‬الصحيح‭ ‬ويبتعد‭ ‬عن‭ ‬الوقوع‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬خطأ‭. ‬
فمن‭ ‬قالوا‭ ‬إن‭ ‬الاحتفال‭ ‬بالمولد‭ ‬بدعة،‭ ‬استندوا‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يثبت‭ ‬عن‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬أنه‭ ‬احتفل‭ ‬بيوم‭ ‬مولده،‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬الصحابة‭ ‬ولا‭ ‬التابعين،‭ ‬فدللوا‭ ‬بهذا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الاحتفال‭ ‬ليس‭ ‬مشروعا،‭ ‬وأنه‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬المحدثة،‭ ‬وأول‭ ‬من‭ ‬أحدثها‭ ‬الفاطميون‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬الهجري‭.‬
وقالت‭ ‬دار‭ ‬الإفتاء‭ ‬المصرية‭ ‬‮«‬إن‭ ‬الاحتفال‭ ‬بالمولد‭ ‬النبوى‭ ‬أمرٌ‭ ‬أَجمع‭ ‬العلماء‭ ‬على‭ ‬جوازه؛‭ ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬بدعة،‭ ‬وشراء‭ ‬حلوى‭ ‬المولد‭ ‬والتهادى‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬إظهار‭ ‬الفرح‭ ‬والسرور‭ ‬بمولد‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭ ‬وهو‭ ‬أمرٌ‭ ‬جائز‭ ‬ومستحبٌ‭ ‬شرعًا‮»‬‭.‬
وفريق‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الاحتفال‭ ‬من‭ ‬المباحات،‭ ‬بشرط‭ ‬عدم‭ ‬اعتقاد‭ ‬سنيته،‭ ‬وألا‭ ‬يكون‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬هدى‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬مما‭ ‬يٌفعل‭ ‬فى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الاحتفالات‭. ‬
وقد‭ ‬وجدت‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬البليغة‭ ‬لصاحب‭ ‬الفضيلة‭ ‬الدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬الطيب‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر،‭ ‬بلسما‭ ‬شافيا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الذكرى‭ ‬العطرة‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬إن‭ ‬الاحتفال‭ ‬بمولد‭ ‬خاتم‭ ‬الأنبياء‭ ‬والمرسلين‭ ‬ليس‭ ‬احتفالا‭ ‬بعظيم‭ ‬من‭ ‬العظماء،‭ ‬ممن‭ ‬يتوقف‭ ‬التاريخ‭ ‬عند‭ ‬أدوارهم‭ ‬قليلا‭ ‬أو‭ ‬كثيرا،‭ ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬يلبث‭ ‬أن‭ ‬يروح‭ ‬ويتركهم،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬احتفال‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر،‭ ‬احتفال‭ ‬بالنبوة‭ ‬والوحى‭ ‬الإلهى‭ ‬وسفارة‭ ‬السماء‭ ‬إلى‭ ‬الأرض،‭ ‬والكمال‭ ‬الإنسانى‭ ‬فى‭ ‬أرفع‭ ‬درجاته‭ ‬وأعلى‭ ‬منازله،‭ ‬والعظمة‭ ‬فى‭ ‬أرقى‭ ‬مظاهرها‭ ‬وتجلياتها‮»‬‭.‬
وقال‭ ‬الطيب‭ ‬‮«‬إن‭ ‬رسولنا‭ ‬محمد‭ ‬بلغ‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المعارج‭ ‬المتعالية،‭ ‬حتى‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬الإنسان‭ ‬الكامل‮»‬‭ ‬من‭ ‬فرط‭ ‬ما‭ ‬استوعبه‭ ‬استعداده‭ ‬الشريف‭ ‬من‭ ‬سمو‭ ‬فى‭ ‬الفضائل،‭ ‬والخلق‭ ‬والأدب‭ ‬الرفيع،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬غليظ‭ ‬الطبع،‭ ‬ولا‭ ‬فاحشا‭ ‬فى‭ ‬قوله‭ ‬وعمله،‭ ‬ولا‭ ‬صخابا‭ ‬يرفع‭ ‬صوته‭ ‬فى‭ ‬الطرقات‭ ‬والأسواق،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يجزى‭ ‬السيئة‭ ‬بالسيئة،‭ ‬ولكن‭ ‬يعفو‭ ‬ويصفح،‭ ‬ما‭ ‬ضرب‭ ‬بيده‭ ‬شيئا‭ ‬قط،‭ ‬ولا‭ ‬ضرب‭ ‬خادما‭ ‬ولا‭ ‬امرأة،‭ ‬وما‭ ‬رؤى‭ ‬منتقما‭ ‬من‭ ‬مظلمة‭ ‬ظلمها‮»‬‭.‬
وقال‭ ‬الإمام‭ ‬الأكبر،‭ ‬‮«‬إننا‭ ‬إذ‭ ‬نحتفل‭ ‬بذكرى‭ ‬مولد‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نحتفل‭ ‬بمجرد‭ ‬شخص‭ ‬بلغ‭ ‬الغاية‭ ‬فى‭ ‬مدارج‭ ‬الأخلاق‭ ‬العليا،‭ ‬ومراتب‭ ‬الكمال‭ ‬القصوي،‭ ‬وإنَّما‭ ‬نحتفل‭ -‬فى‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭- ‬بتجلِّى‭ ‬الإشراق‭ ‬الإلهى‭ ‬على‭ ‬الإنسانية‭ ‬جمعاء،‭ ‬وظهوره‭ ‬فى‭ ‬صورة‭ ‬رسالة‭ ‬إلهية‭ ‬خُتمت‭ ‬بها‭ ‬جميع‭ ‬الرسالات،‭ ‬وكُلف‭ ‬بتبليغها‭ ‬للبشرية‭ ‬نبى‭ ‬خاتم،‭ ‬بلغ‭ ‬الرسالة،‭ ‬وأدى‭ ‬الأمانة،‭ ‬ونصح‭ ‬الأمة،‭ ‬ولم‭ ‬يتركها‭ ‬حتى‭ ‬وضعها‭ ‬على‭ ‬محجة‭ ‬الحق‭ ‬والخير‭ ‬والجمال،‭ ‬وحذرها‭ ‬من‭ ‬الهوان‭ ‬والمذلة‭ ‬إن‭ ‬هى‭ ‬انحرفت‭ ‬إلى‭ ‬طرق‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬ترجع‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬هلاك‭ ‬محقق‭ ‬ودمار‭ ‬مؤكد‮»‬‭.‬
وبعد‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬الشافيات‭ ‬من‭ ‬الإمام‭ ‬الأكبر،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تنظر‭ ‬الأمة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬فى‭ ‬شخصية‭ ‬النبى‭ ‬من‭ ‬عظمة‭ ‬ومن‭ ‬هديه‭ ‬وما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬صلاح‭ ‬وإصلاح‭ ‬للبشر‭ ‬وشئون‭ ‬الحياة،‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬نقف‭ ‬عند‭ ‬الاختلاف‭ ‬حول‭ ‬الاحتفال‭.‬