لا أحب المتشائمين، ولا أفضل الجلوس معهم أو الاستماع إليهم، وكلما رأيت واحدا من هؤلاء على صفحاتى على مواقع التواصل الاجتماعى تخلصت منه، لإيمانى بأن التفاؤل والرغبة فى الحياة، ومقابلة المشكلة بنكتة هو الأسلوب الأفضل فى عالم مزدحم بالمشكلات والأزمات، ولقناعتى بأن هذه الحياة مجرد مرحلة يعيشها الإنسان وسوف يغادرها حتما، ويترك كل ما جمعه من مال، وما شقى من أجله طوال حياته، وبالتالى لا ينبغى أن نفرح كثيرا بما يضاف إلينا من أموال وممتلكات، ولا أن نحزن على ما فاتنا من متاع الدنيا، وليكن منهجنا هو ما وجهنا الحق سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم: «لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور».
للأسف.. من خلال تصفح مواقع التواصل الاجتماعى أجد مشاعر الإحباط والتشاؤم تسيطر على الكثيرين، والأسباب متنوعة، بعضها قد يكون له مبرر وبعضها مفتعل، وكأن هؤلاء يبحثون عن مصادر لجلب النكد لأنفسهم.. والمؤسف أكثر أن هؤلاء المحبطين لا يكتفون بالشعور بما أصابهم وسيطر على نفوسهم من مشاعر سلبية، بل يبثون سموم الإحباط واليأس من خلال صفحاتهم، وأمثال هؤلاء لا ينبغى أن نسير خلفهم، أو نتجاوب معهم، لو كنا حقا مؤمنين بأننا نعيش ما قدره الله لنا، بعد أن نسعى ونأخذ بالأسباب سواء أكنا فى يسر أو عسر.
أزعم أن أخطر ما تحمله مواقع التواصل الاجتماعى الآن هو نشر المشاعر السلبية فى نفوس الأجيال الجديدة، وتيئيس الشباب من الواقع الاجتماعى والاقتصادى لبلادهم، ورغم اختلاف تلك المشاعر والتوجهات من بلد الى آخر، وفقا لما يتوافر للشباب من فرص عمل، وحوافز معيشية، ومقومات الاستقرار الأسري، إلا أن هناك دراسات نفسية واجتماعية تم الكشف عنها فى عدد من الدول العربية تحذر من سيطرة الإحباط واليأس على نسبة كبيرة من الشباب العربى الذين تتطلع إليهم مجتمعاتهم للنهوض بها، وتغيير واقعها الى الأفضل.
تلك المشاعر السلبية تحتاج لمواجهة دينية ونفسية واجتماعية لتخليص هؤلاء الشباب من مشاعر الإحباط والاستسلام لليأس، وشحنهم بقيم التفاؤل والعمل، والحرص على مواجهة كل المشكلات والتحديات وهم يستعدون لبدء حياتهم العملية.
>>>
تلك المواجهة الواجبة تتطلب أن يقوم علماء الإسلام ورجال الدعوة والوعظ الدينى بواجبهم على الوجه المطلوب، فتعاليم ديننا وآدابه تصنع الحياة السعيدة التى تحقق للإنسان كل طموحاته، وهذه الحياة السعيدة تتطلب من الإنسان التسلح بالطموح والتفاؤل والرغبة فى العمل الجاد حتى ولو كان ينتمى لأسرة تستطيع أن توفر له كل وسائل الحياة المادية دون عمل، فالإنسان لا يشعر بقيمة ما يمتلك إلا إذا كان من صنعه، وثمرة كفاحه، أو يكون مشاركا فى صناعته على الأقل.
فى حوار مع الداعية الرحل الشيخ محمد متولى الشعراوي- رحمه الله- سألته عن بطالة الشباب وبحث الكثيرين منهم عن العمل السهل والراتب المضمون، فقال: «أنا أحمل هؤلاء الشباب وأسرهم قدرا كبيرا من مسئولية ما يعانون منه، لأنهم تربوا على الاسترخاء، والبحث عن السهل، والكسب بأقل مجهود، ونسى هؤلاء أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان فى كبد، ليكون كائنا عاملا منتجا مفيدا لنفسه وللآخرين، وهذا العمل يتطلب منه أن يتسلح بأدواته، وأن يجد فى البحث عنه والحصول عليه، وكلما ارتقى الإنسان بمستوى علمه ومهاراته المهنية، وقدراته العقلية كلما توفر له العمل الذى يتطلع إليه، وهنا لا مكان لهؤلاء الكسالى والخاملين والمتكاسلين الذين يريدون الجلوس على المكاتب والحصول على رواتب مجزية وهم بلا قدرات حقيقية على العمل والانتاج».
ديننا يحارب دائما مشاعر الإحباط واليأس داخل الإنسان، ويؤكد لكل فرد أنه يجنى ثمرة كفاحه وجهده، ولا ينبغى أن يعيش الإنسان عالة على الآخرين، وتعاليم الإسلام تصنع بالفعل الحياة الطيبة التى يتطلع إليها كل إنسان.
****
علينا أن نربى أولادنا على أن فرص العمل ومقومات الحياة الكريمة تفرض على كل إنسان أن يؤهل نفسه علميا ومهنيا جيدا كل فى مجال تخصصه، ويكافح ويبذل كل جهده لكى يرتقى بحياته، ويرسم مستقبله بنفسه ويحقق طموحاته، والانسان الذى يتربى على ذلك لا يعرف اليأس والإحباط، ويستقبل الحياة ببهجة وسعادة رغم ما فيها من مشكلات وأزمات.. وواجب كل شاب أن يرسم حياته المستقبلية بكفاحه وعرقه، وأن يحترم قيمة العمل حتى ولو كانت أسرته قد أمنت له مستقبله المادي، فقيمة الإنسان تقاس بما يعمل، وليس بما يمتلك أو يرث من أهله، وعلينا أن نغرس قيمة العمل فى نفوس أولادنا منذ الصغر، ونعودهم كيف يعتمدون على أنفسهم، وكيف يستقبلون مشكلات الحياة بمزيد من التحدى والإصرار على النجاح.
>>>
الذين ينشرون اليأس والإحباط فى نفوس شبابنا يريدون قتل روح الطموح بداخلهم، وحرمان مجتمعاتهم من طاقاتهم المتدفقة، وهذا ما ينبغى أن نواجهه من خلال كل قنوات الثقافة والتوجيه الدينى والاجتماعى فى البلاد العربية.
الإنسان السوى يكون دائما واثقا من نفسه، معتزا بشخصيته، لديه القدرة على التحدى ومواجهة الصعاب.. كما ينبغى أن يكون الشاب مبتهجا يستقبل الحياة ببهجة وسعادة، بعيدا عن التفكير الدائم فى الهموم والمشكلات والذى ينعكس سلبا على حياة الإنسان وخاصة فى مرحلة الشباب، لأن هذا الشعور فى حد ذاته كفيل بإصابتهم بأمراض أقسى وأشد عليهم من الأمراض العضوية، وعلى أسرهم دور كبير فى إخراجهم من هذه الحالة ببث روح الأمل والتفاؤل فى نفوسهم، وتربيتهم على الكفاح الذى يبدأ بالاجتهاد فى الدراسة منذ الصغر والاعتماد على النفس، ولذلك فإن الأمهات اللاتى يقضين الوقت كله فى المذاكرة لأولادهن مخطئات لأنهن يزرعن فى نفوس الأولاد منذ الصغر الاعتماد على الآخرين.
أيضا الأسر مسئولة عن دفع حالة الكآبة والحزن والإحباط التى تسيطر على بعض أطفالها وشبابها برسم الابتسامة على وجوههم ودفعهم الى بذل كل الجهد لتحسين أحوالهم الدراسية والتسلح بالأمل فى مستقبل أفضل.. لأن مشاعر اليأس والاحباط تعوق الإنسان عن العمل والإنتاج وتضاعف من معاناته النفسية وتجعله لا يثق فى لا واقع ولا فى مستقبل.