هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

الإعلام البنائي الإيجابي..  والغرس القيمي !! 

 

في زمن الإعلام الرقمي الهادر المنطلق بسرعة الصاروخ ، بما يحمله من مضامين متنوعة،  ورسائل سلبية وإيجابية وموجهة،أصبحنا وأضحينا وامسينا في حاجة ماسة لضبط إيقاع هذا السيل المتدفق من حصاد الثورة الرقمية الجارفة.
وأيضا إجراء تقييم متواصل لهذا المحتوي بحلوه ومره، وما تبثه المنصات من مضامين وثقافات سائلة ومعارف أسهمت في تشكيل اتجاهات الرأي العام ورؤي الناس تجاه كافة القضايا والأحداث محليا وإقليميا وأمميا. 

ولعل إحياء مفهوم الصحافة الإنشائية لمواجهة التأثيرات الضارة للإعلام الرقمي، ربما يكون الضالة المنشودة،و يجب أن يكون هدفا إستراتيجيا لدي صناع القرار والسياسات الإعلامية علي المدي الآني والمنظور.
 والإعلام البنائي هو اتجاه جديد في الإعلام  ظهر مؤخرا في بعض الدول الغربية أوروبا، كالدنمارك وهولندا، وغيرها لتجسيد فكرة الإعلام الإيجابي، ويطلق عليه الصحافة الإنشائية أو البنائية، وهو نتاج التأثر بعلم النفس الإيجابي الذي أظهر أن التعرض بكثافة للأخبار التي تحمل قدرًا من الحزن والضيق والكآبة والعنف يؤدي إلى الكثير من السلبيات ومشاعر الإحباط والقنوط لدي الجمهور المشاهد أو المستمع أو القارئ باختلاف روافد وسائل الإعلام، لذلك طالبوا بوجود اتجاه في الإعلام يهتم بنشر الوعي بين الصحفيين و الإعلاميين  وأساتذة الإعلام، ومسؤولي الهيئات والمؤسسات الاعلامية ،والتي لديها سلطة إدارة وتوجيه ورقابة وتقييم المنتجات الإعلامية علي كافة المستويات.  

وتعتمد  فكرة الإعلام الإيجابي على البحث عن حلول للقضايا أو المشاكل التي يتم عرضها، وألا يكتفى القائم بالإتصال بمجرد تصدير وطرح المشكلة فحسب، بل يحاول أن يجد لها حلولا مبدعة ،أو يستعين بالخبراء لطرح الحلول المقترحة لهذه المشكلة، مع الاهتمام بإبراز مواضع التميز وطرح الجانب الإيجابي والاستناد للحجج والأدلة العقلية والعاطفية ومحددات المسؤولية الوطنية ،  
والبحث الدائم عن أية نقاط مضيئة تغرس الأمل وتدعم القيم والإتجاهات الإيجابية، علاوة علي تجاوز مرحلة التوصيف والطرح ،ومناقشة السلبيات في سياقها المنضبط بدون تهوين أوتهويل.

وفي تصوري أن هناك ضرورة لإجراء دراسات أكثر عمقا ،وسن قوانين أكثر صرامة لمراجعة وإحكام الرقابة علي صنوف الإعلام الرقمي المنفلت، وتوصيف أنواعه بدقة وأشكاله وإدراك خصائصه مثل الكونية والخطية والفورية والمرونة وسرعة التواصل واختصار الزمن والبعد الجغرافي، تمهيدا لإعادة صياغة وتطوير أدواته وآلياته ، من نصوص وصور وفيديوهات ومؤثرات صوتية وجرافيك، وكافة أشكال  الوسائط المتعدده التي يمكن تنفيذها واستخدامها داخل الإعلام الرقمي في سياق إيجابي متوازن.

 كما أن هناك اهمية لتوظيف وتعظيم الاستفادة من صور الإعلام الافتراضي والذكاء الاصطناعي، كالروبوت وتقنيات الثورة التكنولوجية وأجهزة الهاتف المحمول، وتطوير التعاطي مع هذا الأدوات علي مستوي الأفراد والمؤسسات ، والأهم تنمية قدرات الإبداع والابتكار في التواصل مع الجمهور المستهدف ودراسة خصائصه وفئاته ،وتجربة استغلال هذه المنصات الإعلامية الجديدة لتطوير محتوى البرامج والمضامين علي أسس مهنية وعلمية  وزيادة التفاعلية مع المواطنين ،ورصد المردود والتأثير المستهدف من خلال دراسات رجع الصدي وإجراء الاستفتاءات على مواقع التواصل الاجتماعي لمعرفة آراء الجمهور بهدف تصحيح مسار الرسائل الإعلامية أولا بأول.

ومما يعمق أزمة إعلام العصر، الانتشار الواسع للإعلام العشوائي ، والذي يقدمه مجموعة من الهواة ،ولا يلتفت لفكرة الإعداد المسبق لرسالة إتصالية متكاملة الأركان والأبعاد،ولايأبه بتدريب القائمين بالاتصال وحراس البوابات الرقمية الجديدة،ولا يهتم بصناعة مضامين هادفة،بقدر الصراع المحموم لتحقيق "التينريد" والإثارة وأحيانا التضليل وتزييف الوعي وبث الشائعات.

وانبثق من روافده إعلام العصر المغرض، الذي لا يعرف قيم الغرس الإيجابي، ويسعي حثيثا للهدم المعنوي، وتشويه كل رمز ،ولا يكترث بالمباديء الأخلاقية أوالإنسانية أو الأعراف المجتمعية ويوظف كل أدواته وآلياته وروافده لتحقيق أغراضه ومصالحه النفعية الخبيثة!.

والخلاصة أننا في حاجة ماسة لتدشين إعلام جديد بمواصفات خاصة وعصرية تعتمد علي فكرة المواطنة والتربية الرقمية والمسؤولية الاجتماعية.

ويبقي تعظيم الأهداف التنموية للإعلام من أهم الطموحات الإستراتيجية للاعلام الإنشائي ،وأيضا لدي باحثي الإعلام وعلماء الاتصال وكافة مؤسسات الإعلام بكافة راوفده في العصر الرقمي المفتوح.

وفي هذا السياق جاءت دراسة حديثة ومهمة للدكتورة حنان يوسف، أستاذ الإعلام بجامعة عين شمس ورئيسة المنظمة العربية للحوار، وعميدة كلية اللغة والإعلام بالأكاديمية البحرية، أكدت فيها أن الإعلام العربى مقصر فى تناول أهداف التنمية المستدامة وزيادة الوعى بها.

جاءت الدراسة تحت عنوان “رسالة الإعلام وأهداف التنمية المستدامة”، وتضمنت عرضًا شاملاً لرسالة الإعلام العربى ومدى التزامه بالمهنية والموضوعية والمسؤولية، وصولًا إلى تطبيقه، مشيرة إلي أن هذه الأهداف تمس المواطن العادى بدرجة أساسية، فهى أهداف ساعية لجودة حياة الإنسان العربى، وهو ما يجب أن يظهر فى وسائل الإعلام المختلفة.

ودعت يوسف، خلال دراستها إلى ضرورة تبنى استراتيجية إعلامية تستهدف زيادة مهارات الإعلاميين فى تقديم أهداف التنمية المستدامة المتعددة والمتجددة بمهنية وموضوعية، وأيضًا إنتاج وإعداد أشكال برامجية جاذبة ومتنوعة.

والخلاصة أن الإعلام التنموي البنائي المتوازن أمسي ضرورة عصرية وطوق نجاه للعبور نحو المستقبل بأمان وتجاوز كافة التحديات والعقبات والأزمات.