السؤال الآن: هل نجح المخطط الاسرائيلى فى تمزيق الجسد الفلسطينى المترجم عام 2007 فى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية بمساعدة حماس كما يروج البعض ؟.
للإجابة عن هذا السؤال لابد من مناقشة مايروج له البعض عن "نجاح" ولن أقول إنتصار إسرائيل بعد عملية 7 أكتوبر 2023
فى البداية يكون السؤال ماهو تعريف النجاح ؟
هل احتلت اسرائيل غزة ، هل تم قتل كل أهالى غزة ، هل تم تهجيرهم لتحويل غزة لريفيرا أمريكية ، هل تم القضاء على فكرة المقاومة، وكيف يكون "نجاح" لإسرائيل في ضوء الفشل الاستخباراتي ، وعدم تحقيق الأهداف الاستراتيجية بالكامل بالقضاء على حماس والافراج عن الرهائن ، والخسائر البشرية والاقتصادية، والإدانة الدولية الواسعة، وغياب أي اتفاق سلام جديد ..
فى البداية يأتى فشل المخطط الاسرائيلى الساعى لفصل غزة والذى استمر منذ 2007 وحتى الآن واضحا بعد التوافق الدولى على خروج اسرائيل من غزة وبدء تعميرها لأهاليها وإدارة للقطاع من قبل السلطة الفلسطينية بدعم دولى متعدد ..وهذا هو محور الإجابة على السؤال الذى أطرحه ، والذى يكون فى التمهيد له أن أثار هذه الحرب أكدت للجميع انه لا عمليات تطبيع أو سلام مستقرة بدون النظر للقضية الفلسطينية، يعنى انهيار مفهوم إمكانية تحقيق سلام بمعزل عن الفلسطينيين
نعود للسؤال عن مدى تحقق هدف اسرائيل الاستراتيجى بفصل غزة عن السلطة الفلسطينية منذ عام 2007..
يمكننا القول لم تنجح إسرائيل في تحقيق فصل نهائي مقبول دوليًا ، تجلى ذلك فى مؤتمر شرم الشيخ الذى أكد على ضرورة وحدة الأراضي الفلسطينية "الضفة الغربية وغزة" وعلى أهمية وجود قيادة فلسطينية موحدة لإدارة القطاع في "اليوم التالي" للحرب، رغم الخلافات القائمة بين الفصائل الفلسطينية.
نعم على أرض الواقع كان الانقسام بين الضفة الغربية (حيث تقع السلطة الفلسطينية) وقطاع غزة (الذي كانت تحكمه حماس قبل الحرب) موجوداً بالفعل منذ عام 2007. وقد سعت إسرائيل بشكل غير مباشر لتعميق هذا الانقسام كجزء من سياستها طويلة الأمد.
لكن بعد 7 أكتوبر والهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة ومحاولة تدمير البنية التحتية لحكم حماس... ماهى النتيجة ؟
أعلنت إسرائيل نيتها القضاء على حماس وعدم السماح لـ "السلطة الفلسطينية" بالعودة إلى غزة بشكلها الحالي، لكن هذا الرفض لم يترجم إلى قبول دولي لسيناريو الفصل التام.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل طالبت الولايات المتحدة والدول العربية الفاعلة بعد الجهود المصرية والمواقف الواضحة لمصر والرئيس عبد الفتاح السيسى برغم الضغوط والتحديات بالإصرار على ضرورة عدم تهجير الفلسطينيين من غزة، ورفض تصفية القضية الفلسطينية على حساب أطراف أخرى... أقول طالبوا بضرورة وحدة النظام السياسي الفلسطيني وإمكانية إصلاح السلطة الفلسطينية لتولي إدارة غزة في مرحلة ما بعد الحرب، وربطت الكثير من جهود إعادة الإعمار بهذا التصور.
يعنى أكدت القوى الدولية على قمتها الولايات المتحدة على وحدة مصير الضفة الغربية وقطاع غزة كجزء من دولة فلسطينية مستقبلية، معارضة بذلك أي مخططات إسرائيلية محتملة لترسيخ الفصل الجغرافي والسياسي.
يعنى شكل مؤتمر شرم الشيخ تراكماً دبلوماسياً معارضاً لأي حلول إسرائيلية أحادية تهدف إلى فصل غزة بشكل دائم عن أي إدارة فلسطينية مستقبلية موحدة.
ويمكن القول ان مخطط فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية بعد حرب 7 أكتوبر (2023) مثالاً كلاسيكياً للفشل الاستراتيجى، حتى لو كان هناك نجاح تكتيكى مؤقت في ترسيخ الانقسام سابقاً.
فقد فشلت استراتيجياً في تحقيق هدفها طويل الأمد المتمثل في "إدارة الصراع" عبر فصل الكيان الفلسطيني. . وكان المخطط الإسرائيلى لـ "إدارة الانقسام"معتمدا على الاستراتيجية الإسرائيلية، خاصة منذ انسحابها الأحادي من غزة عام 2005، ثم سيطرة حركة حماس على القطاع عام 2007، على نموذج "فرق تسد" أو ما يُعرف بـ "إدارة الصراع" بدلاً من حله عن طريق تعزيز وجود حماس كقوة حكم مناوئة للسلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله. . يعنى تحقيق فصل الأمر الواقع، حيث تصبح غزة "كياناً معزولاً" تحت حكم حماس، بينما تستمر السلطة الفلسطينية (التي تتعاون أمنياً مع إسرائيل) في حكم الضفة الغربية... وهذا الفصل يخدم هدفين إسرائيليين: إضعاف حجة إقامة الدولة الفلسطينية الموحدة بعد هذا الإنقسام والفصل الداخلى، والهروب من اى ضغوط دولية بالتفاوض السياسي مع كيان فلسطيني موحد.
ولنتذكر إطلاق البعض لمصطلح "مصيدة حماس" الإسرائيلية بتسهيل الحكومات المتعاقبة لتحويل الأموال إلى غزة والتغاضى عن بعض أنشطة حماس، اعتقاداً منهم بأن الحركة "ستقع في المصيدة" وتتحمل مسؤولية الحكم والاحتياجات المدنية للقطاع، مما سيُضعفها سياسياً ويُرسخ لمفهوم الانقسام.
و النتيجة قبل 7 أكتوبر .. نجاح تكتيكي في ترسيخ الانقسام الجغرافي والسياسي بين الضفة وغزة، وتهميش القضية الفلسطينية كأولوية دولية وإقليمية مع التركيز على التطبيع مع بعض الدول العربية والاقليمية
لكن ما النتيجة ؟
فشل المخطط الاستراتيجي بعد 7 أكتوبر حيث مثلت الأحداث زلزالاً استراتيجياً أظهر انهيار نموذج "إدارة الصراع" و "مصيدة حماس".
وأثبت الهجوم من جهة أخرى الفشل الأمني والاستراتيجي فى احتواء حماس وإبقاءها ككيان منفصل ومحاصر في غزة ولم يضمن الأمن لإسرائيل، بل أدى إلى فشل أمني كارثي ، يعنى هذا الهجوم ألغى فرضية أن الانفصال يضمن الهدوء.
والمهم جدا لمن يشكك أو يقلل من الانتصار الفلسطينى السياسى رؤية الخروج من العزلة بعد عودة القضية الفلسطينية لصدارة الأجندة الدولية، منهيةً سنوات من محاولات تهميشها عبر اتفاقيات التطبيع.. وظهر العجز الإسرائيلى والنجاح الفلسطينى، وماذا عن "اليوم التالي"، وحتى بعد تدمير جزء كبير من قدرات حماس، واجهت إسرائيل مأزقاً في تحديد "اليوم التالي" لحكم غزة.. فالنموذج القديم "حماس" انهار، ومع رفض الحكومة الإسرائيلية عودة السلطة الفلسطينية لا تملك فيه إسرائيل بديلاً قابلاً للتطبيق، وهو ما يُعتبر فشلاً في التخطيط الاستراتيجي لما بعد الحرب.
وجاء الإجماع الدولي وبإصرار واضح فى قمة "شرم الشيخ" بعد الحرب برفضه لمخطط الفصل الإسرائيلي وإصراره على مبدأ الوحدة الفلسطينية كشرط لأي حل سياسي مستقبلي.
وتجلى ذلك فى الموقف الأمريكي والأوروبي الضاغط بشدة على إسرائيل لقبول خطة سياسية تؤول فيها إدارة غزة "بعد إصلاحات" إلى السلطة الفلسطينية أو كيان فلسطيني موحد. .. يعنى يمكن ترجمة الهدف " ربط غزة والضفة الغربية "في مسار يؤدي إلى حل الدولتين.
ولم يكن هذا الأمر فقط فقد تجلى النجاح المصري بقيادة الرئيس السيسى فى قمة شرم الشيخ للسلام و برغم عدم توقيع اتفاقيات سلام، مثلت القمة إجماعاً إقليمياً ودولياً على ثوابت تتعارض مع مخطط الفصل الإسرائيلي: وفى مقدمته رفض التهجير القسري للفلسطينيين،و التأكيد على وحدة الأراضي الفلسطينية وأن غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المستقبلية والدعوة إلى حل سياسي شامل يربط إعادة الإعمار بمسار الدولة الفلسطينية.
يعنى على الرغم من أن الانقسام السياسي الداخلي الفلسطيني لا يزال قائماً، إلا أن إسرائيل فشلت في استغلال الحرب لترسيخ هذا الفصل كأمر واقع مقبول دولياً، بل على العكس؛ فإن المجتمع الدولي المتمثل فى شرم الشيخ وفي مواقف القوى الكبرى يفرض حالياً مساراً سياسياً يتطلب توحيد الضفة وغزة تحت قيادة فلسطينية واحدة كشرط أساسي لإنهاء الحرب والانخراط في أى عملية سلام.
يسرى السيد