قال وزير المالية الصهيوني المتطرف بتسلئيل سيموتريتش في مؤتمرعقاري مؤخرا في تل أبيب إن قطاع غزة يُمثل ثروة عقارية هائلة، وإنه يُجري محادثات مع الأميركيين حول كيفية تقسيمه بعد الحرب, وأضاف:"لقد أنفقنا أموالاً طائلة على هذه الحرب,علينا أن نرى كيف نُقسّم الأرض بالنسب المئوية، لقد أنجزنا عملية الهدم، والآن، كل ما نحتاج إليه هو البناء".

الوزير المتطرف لم يكن ليقول ذلك في مؤتمر عام من دون موافقة من نتنياهو بل ومن الأمريكان أنفسهم, وهذا معناه أن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب  بتحويل قطاع غزة بعد الحرب إلى "ريفييرا" تحت السيطرة الأمريكية، بدفع جزء كبير من السكان الفلسطينيين على المغادرة؛ لا تزال قائمة و يتم العمل عليها من جانب نتنياهو وحكومته بالتنسيق مع واشنطن لإنجازها.

بمراجعة الشهرين الماضيين يتضح لنا فعليا أن خطة ترامب التي ينفذها نتنياهو تسير بدقة, فمنذ الانهيار الصادم والمفاجئ للجولة التفاوضية الأخيرة، تتجه الأوضاع في قطاع غزة نحو التصعيد الخطير، حكومة الاحتلال توسع العمليات العسكرية وتجتاح المناطق الغربية لمدينة غزة للسيطرة الكاملة عليها، بما يعني تفريغها من سكانها الذين يشكلون الكتلة السكانية الأهم في شمالي وادي غزة، أي في محافظتي غزة وشمال غزة.

يتضح الآن للعالم أن قرار نتنياهو بالمضي قدما في العملية الراهنة لا يهدف إلى تحقيق نصرعسكري مباشر، بل يؤكد أن الأولوية الفعلية تنصرف إلى الهدف "غير المعلن" رسميا وهو التخلص من الكتلة الديمغرافية الفلسطينية في قطاع غزة نهائيا لتنفيذ المشروع الأمريكي.

الرئيس دونالد ترامب تعامل مع الحرب في غزة على طريقة المطور العقاري, أعجبته الأرض ولم يرق قلبه للدماء التي ترويها, فكر في الاستثمار وحين سألته إحدى الصحفيات: بأي سلطة ستضعون أيديكم على غزة؟ قال بمنتهى السرعة والقوة بسلطة الولايات المتحدة، دون اعتبار لقانون دولي ولا سيادة دول ولا حق الشعوب في تقرير مصيرها!!

أسفرت العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة عن سيطرة الاحتلال على نحو 75% من مساحة القطاع، وتم دفع السكان إلى ثلاثة جيوب رئيسية: غربي مدينة غزة، والمخيمات الوسطى، والشريط الساحلي الضيق في خان يونس "المواصي" , وتم حُشر أكثر من مليوني فلسطيني في ظروف انعدام مقومات الحياة، وسط حصار خانق وتجويع ممنهج أودى بحياة العشرات، وأرهق أجساد عشرات الآلاف,وتهدف هذه المرحلة إلى دفع نحو مليون فلسطيني محتشدين في غربي مدينة غزة إلى الجنوب بالقوة، بما يعني- للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب- تفريغ شمالي وادي غزة بأكمله من سكانه، وتحويله إلى أرض فارغة مدمرة بالكامل, وعمليا ينفذ الاحتلال الآن ما وصفه سموتريتش، سابقا بـ"تفكيك غزة حجرا حجرا"، بما يعني القضاء على أية إمكانية لعودة السكان إلى مناطقهم التي تحولت إلى أطلال وركام، يستحيل العيش فيها.

نحن الآن أمام خطة متكاملة للهندسة الديمغرافية، ترتكز إلى القضاء على الكتلة السكانية في قطاع غزة، وتفريغه من أهله، وتحويله إلى أرض قاحلة مهيأة للمشروع "الترامبي" الموعود

قد يتساءل البعض: لماذا إذا يتفاوضون لطالما القرار متخذ بالفعل بسرقة قطاع غزة من أهله؟!, والإجابة ببساطة أن الحديث عن التفاوض يعتبر غطاء أخلاقيا مناسبا, حتى يقال أن هناك رغبة في إنهاء الحرب بينما يتم الاستفادة من الوقت المقتطع للحديث عن المفاوضات ليرتب جيش الاحتلال أوراقة ويستعيد توازنه داخل قطاع غزة ويبقى الحديث عن المفاوضات مجرد حديث منزوع الصلاحية.

لم تعد "ريفييرا غزة" مجرد مقترح للرئيس الأمريكي ولكنه صار خطة رسمية تطالب -بما توصفه كذبا- ب"الهجرة الطوعية" إلى دول أخرى, ولا شيء في الحقيقة اسمه "هجرة طوعية", فنقل السكان من أرضهم قسرا بالتجويع بعد تدمير بيوتهم يوصف في القانون الدولي بتطهيرعرقي يرتقي إلى جريمة إبادة جماعية, الخطة التي تنفذ الآن تحت ستار "صندوق إعادة بناء غزة والتسريع الاقتصادي", صيغت في وثيقة من 38 صفحة، أعدها فريق يضم إسرائيليين مرتبطين بـمصيدة الموت المسماه "مؤسسة غزة الإنسانية" و"مجموعة بوسطن للاستشارات"، وبمساهمة "معهد توني بلير للأبحاث".

أخيرا: سيموتريتش عندما تحدث عن سرقة خيرات غزة بعد تهجير سكانها واقتسامها مع الأمريكان, لا يقول جديدا فهذا ما تعمل عليه حكومة نتنياهو بدعم أمريكي مطلق, لكن سيموتريتش فقط يمتلك من البجاحة ما يجعله يصرح بالسرقة!!