كانت افريقيا دائما ضمن اولويات الدولة المصرية منذ الستينات وحتي الوقت الحالي.. ولم يقتصر الدور المصري على الجوانب السياسية فقط فقد كان الاقتصاد والتجارة والاستثمار الوجه الاخر للسياسة وقد شهدت السنوات الاخيرة زخما في العلاقات الاقتصادية ومجالات التجارة والاستثمار سواء من خلال الاتفاقيات الثنائية او من خلال التكتلات الاقتصادية المشتركة.
وترتبط مصر بأكبر التكتلات الاقتصادية الافريقية وهي اتفاقية الكوميسا التي تضم بلدان شرق وجنوب افريقيا وتشمل نحو 21 دولة واتفاقية الايكواس التي تضم 15 دولة بالغرب الافريقي.
اتفاقية كوميسا
وقد جاء انضمام مصر إلي اتفاقية السوق المشتركة لدول الشرق والجنوب الأفريقي "الكوميسا" نابعًا من إدراك عميق للأهمية الاستراتيجية للمحيط الجغرافي وعلاقات مصر مع دول حوض النيل، وحتمية التواجد المصري في التجمعات الأفريقية التي تضم هذه الدول، وبالأخص التجمعات الاقتصادية..حيث إن عضوية مصر في الكوميسا يتيح لها نطاقاً أرحب من الحركة في مجال فتح الأسواق، والحصول على مزايا نسبية جديدة.
وقد وقعت مصر على الانضمام إلي اتفاقية الكوميسا في يونيو 1998، وتمّ البدء في تطبيق الإعفاءات الجمركية من باقي الدول الأعضاء اعتباراً من فبراير 1999 على أساس مبدأ المعاملة بالمثل.
دور محوري
ومنذ انضمامها للكوميسا تقوم مصر بلعب دور نشط ومحوري في تفعيل وتطوير آليات عمل الكوميسا، وفي المشاركة في أنشطتها وبرامجها، و تستضيف مصر مقر الوكالة الإقليمية للاستثمار التابعة للكوميسا في مقر الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة.
وإيمانًا منها بأهمية إقامة منطقة تجارة حرة بين دول الكوميسا كمقدمة لإنشاء السوق المشتركة، سارعت مصر للانضمام لمنطقة التجارة الحرة للكوميسا التي أعلن عن إنشائها في قمة لوساكا عام 2000، وقد أدي ذلك إلي تحقيق الاستفادة المتبادلة والمصالح المشتركة لكل من مصر والدول الأخري الشقيقة أعضاء التجمع.
فائض تجاري
ويبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والكوميسا 3 مليارات دولار عام 2020، فيما بلغ قيمة الفائض التجاري 4.1 مليار دولار لصالح مصر في نفس العام، وارتفعت قيمة صادرات مصر لدول الكوميسا لنحو 1.683 مليار دولار عام 2019 في مقابل 1.522 مليار دولار خلال 2018، فيما زادت الواردات من تلك الدول لنحو 945 مليون دولار في مقابل 737 مليون دولار، طبقا لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار.
وتمثل صادرات مصر لدول الكوميسا نحو 45% من إجمالي صادراتها للدول الأفريقية، التي سجلت في عام 2021پنحو 4.767 مليار دولار، في مقابل واردات بقيمة 2.096 مليار دولار.
ويعد قطاع الصناعات الغذائية من أهم القطاعات التصديرية المصرية لدول الكوميسا..حيث يمثل 34% من قيمة الصادرات المصرية لتلك الدول، يليه قطاع الصناعات الكيماوية بنسبة 16%، ثم الصناعات الهندسية بنسبة 10%، والصناعات الطبية والدوائية بنسبة 8%، و مواد البناء بنسبة 7%، وصناعات اخري بنسبة 25%.
نصيب الأسد
وبحسب تقرير صادر في عام 2020 عن منظمة "كوميسا" فإن مصر استحوذت على أكبر عدد من المشروعات الاستثمارية المنفذة داخل دول تجمع الكوميسا عام 2020 بإجمالي مشروعات منفذة بلغت 32 مشروعا، ما يمثل نحو 32% من إجمالي عدد المشروعات بدول التجمع.
وقد تولت مصر رئاسة تجمع الكوميسا العام الماضي وقامت مصر بطرح عدد من المبادرات للمساهمة في تعميق التكامل، في عدد من القطاعات الاقتصادية، ذات الأولوية بين دول "الكوميسا"، على الأجلين القصير والمتوسط.
شراكات استثمارية
في السنوات الأخيرة لجأت الحكومة المصرية إلي تفعيل اسلوب الشراكات الاستثمارية في أفريقيا، بدلاً من الاعتماد على إنشاءات البنية التحتية كوسيلة لتعزيز وجودها في القارة الأفريقية، وبدأت تأسيس شركات مشتركة تمتلك النسبة الكبري من أسهمها، وتوسيع وجود البنوك المصرية كممول للمشروعات المشتركة بإنشاء فروع جديدة أو عبر الاستحواذ على بنوك قائمة.
ووفقا لتقرير اتحاد الغرف التجارية المصرية، فإن الشركات المصرية تستثمر حالياً أكثر من 20 مليار دولار في أفريقيا، في تحرك هدفه زيادة حجم التجارة البينية.
مصر للطيران
وتشير البيانات إلي تعاون بين شركة "مصر للطيران" وغانا لتأسيس شركة طيران "غانا أيروايز" بنسبة مساهمة مصرية تبلغ 75 في المئة، و25 في المئة لغانا، وتعتزم الحكومة المصرية التعاون مع جنوب السودان في تأسيس شركة طيران مشتركة، تمثل مصر فيها شركة "اير كايرو".
وامتد التعاون والشراكات مع افريقيا الي قطاعات الاتصالات والبنوك والخدمات المالية وتطبيقات المحمول، ووقعت 15 شركة مصرية اتفاقيات للتعاون مع 17 شركة من ست دول أفريقية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
البنوك المصرية في أفريقيا
ويتزامن ذلك مع تحرك البنوك المصرية في دول القارة الأفريقية، إذ افتتح بنك مصر أخيراً فرعاً في جيبوتي، إضافة إلي خطط لدخول بنوك حكومية أخري في دول مثل مدغشقر وجزر القمر والكونغو الديمقراطية.
وخلال العام الماضي، أعلن البنك "التجاري الدولي"، مصر، استحواذه على 51 في المئة من بنك "ماي فير" في كينيا مقابل نحو 35.3 مليون دولار، كما استحوذ بنك "القاهرة" على 100 في المئة من أسهم بنك "القاهرة - أوغندا" "كمبالا"، الذي يُعد أكبر استثمارات البنك في الخارج، ليصبح البنك المصري الحكومي الأول الذي يمتلك بنكاً بالكامل في شرق أفريقيا.
ويستهدف بنك "مصر" الوجود في فروع في الصومال وكوت ديفوار، إذ سيتم تحويل مكتب تمثيل بنك "مصر لبنان" إلي فرع، بالإضافة إلي مكتب تمثيل البنك في كينيا، الذي سيتم تحويله إلي فرع، وفي الوقت نفسه، يعمل البنك "الأهلي" المصري على إنهاء إجراءات تأسيس بنك تابع له في العاصمة جوبا في جنوب السودان، برأسمال 30 مليون دولار بعد حصوله على موافقة السلطات في البلدين ليكمل وجوده في السودان وجنوب أفريقيا وشبكة من البنوك المراسلة.
قطاع المقاولات
بدوره نشط قطاع المقاولات في القارة الافريقية حيث قام العديد من شركات المقاولات المصرية بانشاء مشروعات ضخمة، وتمثل شركة "المقاولون العرب" الذراع النشطة لمصر في ذلك الملف بحجم تعاقدات متاحة داخل السوق الأفريقية بقيمة 1.5 مليار دولار في نحو عشر دول أفريقية، وتوجد الشركة في 21 دولة أفريقية منها السودان وتشاد وإثيوبيا وموريتانيا والكاميرون وكوت ديفوار وأوغندا ونيجيريا وتنزانيا وغينيا والكونغو وتوغو وزامبيا وبتسوانا ومالي.
ونفذت مصر سد تنزانيا لتوليد الطاقة الكهرومائية بارتفاع نحو 130 متراً بمخزونات مياه متوقعة 33 مليار متر مكعب، ومحطة لتوليد الطاقة الكهرومائية بقدرة 2115 ميغاوات، ومحطة ربط كهرباء فرعية 400 كيلوفولت، بالإضافة إلي خطوط نقل الكهرباء 400 كيلوفولت لأقرب نقطة في الشبكة العمومية.
وتنفذ في غينيا المحطة الأولي لمعالجة المياه بطاقة 60 ألف متر مكعب يومياً لخدمة خمسة آلاف منزل في المستقبل بعد عملية المعالجة الأولية والثانوية والثلاثية، إضافة إلي قاعات احتفالات رسمية، وطرق "أنجيما سيبوبو"، بطول إجمالي يبلغ 14.6 كيلومتر وعرض 32.6 متر، و"بيكو" بطول 31 كيلومتراً يصل إلي قمة بركان، وطريق "ألنجيما كوبي"، حول العاصمة نجامينا بطول 186.5 كيلومتر، ومشروع لبناء قاعتي وصول جديدتين ملحقتين بمطار مالابو الدولي، وغرفة كبار الشخصيات بما في ذلك توريد الأثاث وتوريد وتركيب كل المعدات الكهروميكانيكية اللازمة.
بداية مبكرة
ووفقا لتصريحات سابقة لهبة سلامة الرئيس التنفيذي لوكالة الاستثمار الاقليمية التابعة لمنظمة الكوميسا فإن الاستثمارات المصرية في إفريقيا بدأت بداية مبكرة منذ عام 1970، وتشمل الاستثمارات في قطاعات البناء والتشييد، والمواد الكيميائية، والتعدين، والمستحضرات الطبية والدوائية، والاتصالات، والمكونات الإلكترونية، والخدمات المالية، بينما تتوزع الاستثمارات الإفريقية في مصر على قطاعات الزراعة، والصناعة، والمالية، والخدمات والسياحية، والبناء، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
أضافت، أن 35 شركة مصرية تستثمر في إفريقيا منذ عام 1970، يتركز غالبيتها في قطاع البناء والتشييد..حيث بلغ إجمالي استثماراته في الفترة من 2003 - 2015 حوالي 4 ر2 مليار دولار، ويعد أكبر المستثمرين في إفريقيا من مصر، شركات أوراسكوم للإنشاءات، وأسيك للأسمنت، والأهلي كابيتال القابضة، وريادة للصناعات الإنشائية، وأسكوم للجيولوجيا والتعدين، والسويدي الكتريك "السويدي للكابلات"، والمصرية الدولية للادوية "إيبيكو"، وموبي سيرف القابضة، والبنك الأهلي المصري، وشركة اكرو مصر للشدات والسقالات المعدنية.
أوضحت سلامة، أن أهم الوجهات المصرية للاستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا، هي الجزائر والسودان وليبيا ونيجيريا والمغرب وإثيوبيا وسوازيلاند وتنزانيا وكينيا وكوت ديفوار.
كما ركزت مصر على مشروعات الربط بينها وبين القارة السمراء، من بينها مشروع الربط الكهربائي، والذي يعد أحد أهم المشاريع لإمداد دولها بالكهرباء والأبراج المعدنية بحلول عام 2035.
إلي جانب مشروع الربط المائي اسكندرية فيكتوريا، وهو مشروع للربط المائي بين بحيرة فيكتوريا الواقعة في إفريقيا ومياه البحر الأبيض المتوسط في مصر، إذ أن البحيرة تقع في وسط القارة وتطل على ثلاث دول في إفريقيا، بمساحة تبلغ حوالي 69.490 كم2، وبطول 410 كم، وعرض 1.5 كم.
وكانت مصر قد اعلنت عن أحد أهم مشاريعها في إفريقيا، وهو مشروع حفر وتجهيز الآبار الجوفية في المناطق المتفرقة من دولة أوغندا في إطار حرص القاهرة على تنمية أشقائها من دول حوض النيل.
إلي جانب مشروع طريق "القاهرة -كيب تاون" الذي تستعد مصر لإنشائه بجانب محطات الطاقة الشمسية الجاري إنشاؤها في دول حوض النيل، وأيضًا فتح 22 سوقًا خارجية جديدة.
مصالح مشتركة
كان الدكتور محمود محيي الدين، المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، قد اكد في تصريحات له ان الاستثمار في أفريقيا ليس من باب المجاملة، ولكن أفريقيا أصبح لديها تطلعات مشروعة وجيدة لتحسين أوضاعها في كافة المجالات، خاصة التعليم والصحة.
مشيرا الي أن الاستثمار في إفريقيا مصلحة متبادلة مع مصر..حيث التنمية الإفريقية تعني فتح أسواق جديدة لمصر، ومن ثم زيادة الصادرات المصرية للقارة السمراء.
وأوضح "المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي"، أن جائحة كورونا والتغير المناخي المشترك بينها هو عدم قدرة دولة بمفردها على القضاء على تلك القضايا، لذا لابد أن يكون هناك تعاون دولي لمحاولة وقف انتشار وتفاقم هذه الأزمات العالمية.
اترك تعليق