تبذل الدولة جهودا كبيرة لدمج ذوي الهمم في المجتمع حتي يصبحوا فاعلين في المجتمع ومشاركين في كل الجهود لإعادة بناء الوطن .. والرئيس السيسي عندما يطلق مبادرة لرعاية ودعم ذوي الهمم فهذا بجانب انه دور انساني من جانب رئيس الجمهورية فايضا رسالة لكافة القطاعات في الدولة لتحذو حذوه لدعم هذه الفئة التي عانت وتحملت الكثير خلال العقود الماضية سواء من التجاهل او الاهمال وحتي وصلت في بعض الاحيان الي التنمر والسخرية.
"الجمهورية أون لاين" تواصلت مع خبراء علم النفس والاجتماع لتسليط الضوء علي كيفية التعامل الأمثل معهم من قبل الاسرة والمجتمع والدولة وإدماجهم ليصبحوا قيمة مضافة ويتمكنوا من الابداع والابتكار.
تري دكتورة هالة منصور "أستاذ علم الاجتماع بجامعة بنها" أننا لابد أن ندرك علي المستوي الاسري والمجتمعي أن اظهار تعاطفنا لذوي الاحتياجات الخاصة هو امرا سلبيا حيث أن ذلك يشعرهم بضعفهم واعاقتهم فقد يكون المبالغة في اظهار حبنا وشفقتنا عليهم بمثابة تنمرا سلبيا عليهم. ويؤدي ذلك الي أحد الامرين إما مبالغتهم في استغلال مشاعرنا واستجلابها بشكل مبالغ فيه او زيادة احساسهم بالعجز وفقدان ثقتهم بأنفسهم. فلابد أن يكون تعاملنا معهم إيجابيا وأن نبث فيهم روح القوة ونقنعهم بأن أي إعاقة لا تمنع الانسان من ممارسة حياته والاستمتاع بها وتحقيق النجاحات.
أوضحت اننا جميعا نعاني من درجات مختلفة من الإعاقة فالإعاقة لا تقتصر علي الإعاقة الحركية او التأخر الذهني أو الإعاقة البصرية والسمعية أو البكم. فهناك عدد كبير من الناس في مجتمعنا يعانون من إعاقة اجتماعية تتضح في سلوكياتهم وتصرفاتهم غير السوية في التعامل مع الاخرين والتي تتسم بالغيرة والحقد او الانانية وايذاء الاخرين بشكل او بآخر. كما يعاني بعضنا من مشكلات نفسية. وغيرها من المشكلات التي لا تظهر بوضوح ولكن تؤثر علي صاحبها. وبالتالي فالكمال لله وحده. ولذا يجب ان ندرك أن أصحاب الاعاقات الذهنية والحركية هم أشخاص لديهم نقاط قوة الي جانب نقاط الضعف. وبالتالي لابد من التركيز علي هذه النقاط ومنحهم طاقة إيجابية واشراكهم اجتماعيا في جميع مجالات الحياة. ولابد ان نساعدهم من نظور الدعم وليس الشفقة.
أكدت ضرورة تنظيم حملات توعية للأسر والمجتمع عن كيفية التعامل مع ذوي القدرات الخاصة بشكل إيجابي وكذلك صحيح. مشيدة باهتمام الدولة بهذه الفئة وإتاحة الفرصة لهم بالمشاركة الاجتماعية والظهور إعلاميا وكذلك اتاحة بعض الوظائف لهم. مشيدة أيضا باهتمام الرئيس بوضع ذوي الهمم في الاعتبار فيما يتعلق بتصميمات الطرق والارصفة. حيث إن الرئيس السيسي يحرص علي الاهتمام بالفئات المهمشة وقد خصص عاما لذوي الاحتياجات الخاصة. مشيرة أيضا الي ضرورة نشر ثقافة التطوع لتخصيص مراكز مجانية تشتمل علي اخصائيين وأطباء نفسيين لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة. وأيضا لابد من وجود مؤسسات تدعم وتنظم عمليات التطوع لتحقق النتائج والثمار المرجوة. كما لابد أيضا من وجود مناخ يعزز هذا التطوع من خلال تكاتف جهود المؤسسات الإعلامية والدينية والتعليمية والقانونية.
يري دكتور إبراهيم شوقي "أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة" أن الإعاقة لا تقتصر علي الإعاقة الذهنية والحركية او الصم والبكم وكف البصر. فهناك إعاقة نفسية وهي منتشرة جدا تتمثل في عدم الثقة بالنفس والشعور بانعدام القيمة والاكتئاب الذي قد يعوق الانسان عن ممارسة عمله والمشاركة في المجتمع ويدفعه الي العزلة والانطواء والتفكير في الانتحار والإهمال في شكله ومظهره. وبشكل عام وبغض النظر عن نوع الإعاقة من الضروري أن يدرك المجتمع ضرورة التعامل بشكل لائق وبإنسانية مع هذه الحالات وضرورة تقبل الاخر وعدم ايذائه واحترام هذه الفئات لأن من حقها أن تعيش حياة كريمة.
أكد أيضا ضرورة أن تعي الأسر خطورة حبس طفلها من ذوي الاحتياجات الخاصة او حجبه عن المجتمع. لأن ذلك يؤدي الي تدهور حالته وتأخر قدراته الذهنية والحركية والنفسية. وبالتالي فلابد من ان تتقبل كل اسرة ابنها ذي القدرات الخاصة وان تعمل علي دمجه بالتدريج في المجتمع ولا تعتبره وصمة عار خاصة وأن خروجه وادماجه اجتماعيا يعمل علي اكسابه خبرات ومهارات وتعليمه كيفية الاعتماد علي النفس وكذلك تعليمه قواعد الحياة والمعاملات المالية وغيرها ليتمكن من موصلة حياته عند فقدان والديه. ولابد أيضا من التأكيد علي أهمية الاعتدال في تعامل الاسرة مع ذوي الاحتياجات الخاصة بحيث لا تتسم معاملتهم بالتدليل او الحماية المفرطة ولا بالإهمال.
أوضح ضرورة فتح مزيد من المراكز النفسية ونشرها بجميع المستشفيات وتزويدها بأخصائيين نفسيين واجتماعيين مدربين تدريبا جيدا. ولابد أيضا من مساعدة الأهالي علي تخطي أي مشكلات نفسية يمرون بها من وجود ذوي الاحتياجات الخاصة لديهم. وأيضا ينبغي توعية الطلاب في سن المدرسة بشكل عام من اللجوء لاستشارة الاخصائي النفسي بالمدرسة. وأيضا يجب تدريب هؤلاء الاخصائيين علي كيفية القيام بواجبهم علي اكمل وجه. وكذلك علي الاخصائي النفسي ان يقوم بتحويل الحالات الشديدة التي تحتاج لعلاج طبي الي الوحدة الطبية التابعة للمدرسة منعا لتدهور الحالات.
أشار أيضا الي أهمية نشر ثقافة عدم الخجل من الذهاب للطبيب النفسي. فمن حق كل انسان ان يعيش حياة سوية وصحية وناجحة. وأيضا فإن اهمال اي خلل أو ضغط نفسي قد يؤدي الي تفاقم المشاعر السلبية مثل الحقد والغيرة والغضب التي قد تقود بدورها لمشكلات كبيرة مثل الإدمان او المتاعب الصحية والبدنية واتخاذ قرارات خاطئة والاقبال علي ارتكاب الجرائم. مؤكدا استياءه من ادعاء بعض الاهالي كذبا تأخر القدرات الذهنية لأبنائهم بهدف الاستفادة من نظام الدمج والحصول علي امتحانات مخففة. مشيرا الي ان ذلك يضر بالطالب ويؤثر سلبيا علي قدراته ومستوي تفكيره ويؤدي الي تراجع قدراته العقلية.
أوضح أهمية استغلال طاقات وقدرات ذوي الهمم وزيادة تمكينهم وتفعيل ادوارهم في العمل واشعارهم بذاتهم. ودفعهم الي الابتكار والتفوق خاصة وان بعضهم قد يتميز بمواهب وطموحات خارقة. فعلي سبيل المثال نجد بعض الصم والبكم واكفاء البصر يحققون بطولات رائعة في الرياضات والفنون المختلفة ويصلون الي درجات الماجستير والدكتوراه في المجالات العلمية بمختلف أنواعها. وخير مثال علي ذلك النبوغ الذي حققه بيتهوفن في التلحين رغم انه كان ضعيف السمع. وبالتالي فليس هناك انسان معاق وانما الإعاقة الحقيقية والتي لم يتم تصنيفها رسميا ضمن الاعاقات هي الإحباط والمشاعر السلبية والإهمال والتسويف والكسل والشعور بقلة القيمة.
تقول دكتورة سوسن فايد "أستاذ علم النفس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية" أنه لتحقيق التعامل الأمثل مع ذوي الهمم ينبغي الاهتمام بالارتقاء بالمستوي الثقافي للأسرة وخاصة الام. ويمكن الاستفادة من قصة العالم اديسون كان طفلا وعاد الي المنزل وقال لأمه: هذه رسالة من إدارة المدرسة. فقاومت الأم دموعها وهي تقرأ الرسالة لطفلها بصوت عالي: "ابنك عبقري والمدرسة صغيرة عليه وعلي قدراته. عليك أن تعلميه في المنزل¢ ومرت السنوات وتوفيت والدة أديسون والذي تحول إلي أكبر مخترع في تاريخ البشرية. وفي أحد الأيام عثر اديسون في خزانة أمه عثر علي الرسالة الحقيقية التي كانت المدرسة قد أرسلتها وكان نصها: "ابنك غبي جداً. فمن صباح غد لن نُدخله المدرسة" فكتب في مذكراته: "أديسون كان طفلاً غبياً ولكن بفضل والدته الرائعة تحول لعبقري".
أكدت ضرورة ان احتواء الام والاسرة والمجتمع للأبناء وجعل نظرته لنفسه إيجابية وخاصة ذوي الهمم حتي يتقبلوا ذاتهم ويشعرون بتقبل الاخرين لهم وكذلك تدريبهم وتعزيز نقاط القوة لديهم ولابد ان تتكاتف المؤسسات والجهات المختلفة في حماية هذه الفئة وتدعيمها ومنع التنمر بها وتحقيق اقصي اتزان نفسي لهم والاعلاء من مستوي هممهم. مؤكدة ان وجود قصور لدي هذه الفئة في أي قدرة او جانب. يعمل علي تعظيم باقي قدراتهم. فلابد من اكتشاف هذه القدرات وتنميتها وبث الأمل والتفاؤل لديهم. وتفعيل نسبة توظيفهم في المؤسسات واحكام الرقابة علي المؤسسات لإلزامها بهذه النسبة.
اشاد دكتور محمد عبد الرحمن "أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس" باهتمام الدولة المصرية بذوي الهمم وحرصها علي توفير فرص عمل لهم بكل مؤسسة. وإتاحة الفرصة لهم للمشاركة في البرلمان وتخصيص مقاعد لهم للمشاركة في سياسيات الدولة والمجتمع. فضلا عن تقديم خدمات وتسهيلات لهم للحصول علي السيارات الخاصة بهم او مساكن اجتماعية او قروض. لكن لابد من احكام الرقابة ومنع تلاعب البعض بهذه التسهيلات أو إساءة استغلالها. مشيرا الي ضرورة ان تقوم الدولة بتخصيص معاشات تتيح لهم حياة كريمة. وكذلك لابد من تخصيص مؤسسات لرعاية وتبني هذه الفئات خاصة الأكثر احتياجا وغير القادرين علي العمل.
أشار الي استيائه من النظرة الدونية من قبل المجتمع لهذه الفئة واعتبارها وصمه عار وعدم رغبة أصحاب الشركات والمدارس والمؤسسات الخاصة في تعيينهم. فضلا عن التنمر بهم من قبل المجتمع حيث ان الكثير من الناس لا يفضلون التعامل معهم او مصادقتهم مما يؤثر سلبيا عليهم. مؤكدا أهمية احتوائهم واحترامهم ووضعهم في الاعتبار حتي عند تصميم المباني والمساكن لتسهيل صعودهم وتحركهم بالعجلات المخصصة لهم. وكذلك عدم التباطؤ عن تقديم الخدمات التي يحتاجونها. مشيرا أيضا الي أن الاسرة عليها دور كبير في الاهتمام بهذه الفئة فلابد التعامل معهم بشكل انساني ومراعاة الظروف النفسية لهم والصبر عليهم ومساعدتهم في الاندماج الإيجابي في المجتمع. وبالتالي فلابد من التكاتف علي جميع المستويات بدءا من الاسرة ومرورا بالمجتمع ووصولا الي الدولة لدعم هذه الفئة اجتماعيا ونفسيا وصحيا وماديا.
أشادت دكتورة نادية رضوان "أستاذ علم الاجتماع بجامعة بورسعيد" باهتمام الرئيس السيسي بذوي القدرات الخاصة مشيرة الي ان هذا الاهتمام يعد مفهوما جديدا بالنسبة لمصر كان للرئيس فضل في ادخاله. حيث اهتم الرئيس بعلاج الأطفال مرضي ضمور العضلات علي نفقة الدولة . مشيرة الي ضرورة ان تقوم الجهات المختلفة بجهود مساندة في هذا الصدد فعلي سبيل المثال يجب علي المؤسسات الإعلامية والتعليمية والدينية نشر ثقافة تقبل الاخر والتعامل بإنسانية وعدم التنمر كما يجب علي الدولة ان تفعل القوانين التي تجرم التنمر لحماية مثل هذه الفئات وتمكينها من الاندماج في المجتمع.
أشارت أيضا الي ضرورة أن يتم فتح مكاتب مجانية لتوعية الاسر وتقديم المشورة لهم وتنظيم جلسات وندوات أسبوعية عن كيفية التعامل السليم مع ذوي الهمم الخاصة. خاصة وأن اسر الطبقة الدنيا ليس لديها رفاهية الاستعانة بمتخصصين نفسيين. مشيرة أيضا الي ضرورة احكام الرقابة علي جمعيات ومدارس رعاية ذوي الإعاقة وتركيب كاميرات مراقبة من قبل الجهات المختصة للتأكد من عدم إساءة معاملتهم وأيضا لضمان تلقيهم الرعاية الاجتماعية والصحية والنفسية المناسبة. موضحة أن ذوي الاعاقات الذهنية وضمور العضلات هي اكثر فئات ذوي القدرات الخاصة احتياجا للاهتمام نظرا لزيادة فرصة تعرضهم للتنمر والظلم وعدم القدرة علي الدفاع علي انفسهم فلابد من تكثيف رعايتهم حتي لا يصبحوا فريسة لذوي النفوس المريضة مشيرة أيضا الي ضرورة تعديل القانون وتزويد نسبة توظيف ذوي الاحتياجات في المصالح والهيئات خاصة وأن 5% هي نسبة لا تكفي لاستيعاب أعدادهم.
أكدت أيضا ضرورة تكثيف الاهتمام بذوي الهمم والقدرات الخاصة. مشيرة الي انه يمكن الاقتداء بالتجارب الأوروبية في هذا الصدد حيث يتم ادخال ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس العادية في سن رياض أطفال حتي يشعروا انهم اشخاص عاديين من جانب وحتي يتقبلهم زملاؤهم الاصحاء والمجتمع بشكل عام من جانب آخر. مع مراعاة ان المدرسين يكونون علي وعي بقدرات هذه الفئة من الطلاب بحيث لا يوجهون اليهم أسئلة صعبة وبحيث أن تقديراتهم ودرجاتهم في الامتحانات يتم تقييمها بطريقة مختلفة تتناسب مع قدراتهم. كما يتم تخصيص حصص إضافية ومختلفة خصيصا لهم لتأهيلهم نفسيا وتنمية مهاراتهم وتقويمهم. ثم تقوم لجان مختصة باكتشاف مواهبهم وإخبار أسرهم بها وبعد وصولهم لمرحلة الإعدادية يتم توظيفهم في الحرف المناسبة لكل فرد منهم سواء في الفنادق او المطاعم وغيرها لإدماجهم بشكل اكبر في المجتمع.
أضافت ان معظم الدول الاوروبية تقوم بتبني اطفالها من ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل كامل لحمايتهم وضمان عدم تشردهم عند وفاة والديهم او ذويهم مستقبلا. كما تحرص علي اشراك هذه الفئة في وظائف تلائمها. مشيرة الي انها حينما زارت احد المصانع بأمريكا في الثمانينات اثناء وجودها هناك في بعثة اكتشفت ان ذوي الاحتياجات الخاصة يعملون بالمصنع علي ماكينات آمنة ولا تمثل خطرا عليهم.
اترك تعليق