أكد العلماء والخبراء أن مواجهة ظاهرة الغلو والتطرف تحتاج لاستراتيجية شاملة تبدأ من الأسرة أولا وأخيرا، ثم التربية والتعليم، وعلى كل المستويات من مناهج ومعلِّمين وإدارة تعليمية فى مختلف المراحل التعليمية، ثم وسائل الإعلام المختلفة، ومنظمات المجتمع المدنى، وتصويب وترشيد الخطاب الدينى، وعلى رأس كل ذلك ترسيخ "الوعى" تلك القضية الرئيسية التى يُركِّز عليها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى معركته لبناء مصر الجديدة.
أشادوا بدور "عقيدتى" فى مواجهة هذه الظاهرة منذ إنشائها بداية التسعينيات، وما قامت به من حملات توعية لنشر صحيح الدين، وتفنيد المفاهيم المغلوطة من خلال علماء الأزهر والأوقاف، مستبشرين خيرا بما يتحقق على أرض الكنانة مصر من إنجازات عملاقة تعيدها مرة أخرى للقيام بدورها القيادى فى المنطقة بل العالم، وكذا ما يشهده الأزهر الشريف ومؤسساته، بقيادة الإمام الأكبر د. احمد الطيب- شيخ الأزهر- من تطوير وتدعيم وتقوية لأركانه فى مواجهته للغلو والإلحاد.
جاء ذلك خلال اللقاء رقم 73 من فعاليات منتدى الأصالة والمعاصرة، والذى عقد مساء أمس، بعنوان "الوسطية فى مواجهة الغلو والتطرف"، لمؤسِّسه الخبير التربوي د. يسرى عبدالغنى، ويرأسه حاليا د. مصطفى يسرى، وتشرف عليه أسماء أبو بكر- الأمين العام- وأُقيم بمقر مؤسسة بنت الحجاز للشاعرة السعودية "دلال كمال راضى"، بتنسيق مروان علاء الدين- مدير المؤسسة- واستضاف المفكر اللبنانى د. أحمد قيس- أستاذ الفلسفة والعقيدة بالجامعات العربية والأوروبية، مدير ومؤسس مركز دراسات القرآن الكريم ببيروت- د. سيد مندور- الأستاذ بهندسة القاهرة- الزميل مصطفى ياسين- مدير تحرير عقيدتى- وحضور عدد كبير من الخبراء فى مختلف المجالات، وأدارت اللقاء الأديبة نهى يسرى.
الكلمة البنَّاءة
أوضح د. يسرى عبدالغنى أنه تم انطلاق فعاليات هذا المنتدى منذ 8 سنوات لإعلاء قدر وقيمة الكلمة البناءة التى تجمعنا لنبنى ونُعمِّر ونُنمِّى ورفع راية الوسطية، مشيدا فى هذا الإطار بدور "عقيدتى" التى آلت على نفسها منذ صدورها بداية تسعينيات القرن الماضى مواجهة هذه الظاهرة قبل استفحالها، مؤكدا أن المواجهة لابد وأن تكون بخطاب عقلانى فلسفى خاصة لجماعة الإلحاد المنكرين لوجود الله، وهذا ما يقوم به الأزهر حاليا وقد أنشأ مركزا خاصا لمكافحة التطرف ومواجهة الإلحاد، وكذا بقية مؤسسات الدولة المصرية كوزارة الأوقاف ودار الإفتاء.
وأعلن د. يسرى عن الإعداد لعقد مؤتمر موسع بعنوان "تراث لا يُفرِّق" قريبا جدا.
مصر الأزهر
ركَّز د. قيس حديثه فى 4 نقاط تناولت: التطرف والغلو سمة إنسانية وليست إسلامية، لكن الإسلام يُتَّهم دوما بها لأسباب سياسية وأيديولوجية واقتصادية فيما يُعرف بالإسلاموفوبيا.
وأن الوسطية هى منهج الدين الحنيف "وكذلك جعلناكم أمة وسطا". واستعرض التساؤل: هل التوجّه نحو التطرف ذاتى المنشأ أم للبيئة تأثير؟ وعرض لخطورة الغلو والتطرف على الفرد والأسرة والمجتمع بما يُنتجه من انحرافات فكرية يتم استغلالها وتوظيفها سياسيا، مطلقا صرخة "لا تجعلوا الدين مطية للوصول لأهدافكم الدنيوية، ودعوا الناس تعيش فى سكينة وسلام وأمن داخل أوطانها". مؤكدا أن الخطاب "الخشبى" لم يعد صالحا من دعاة العصر الحديث بل لابد من الخطاب العلمى المستنير، مشيرا إلى أن الأمل مازال معقودا على مصر الأزهر لجمع شتات الأمة العربية والإسلامية لقطع الطريق على دعاة الفتنة والتطرف والانطلاق نحو رحابة الإسلام والمحبة والسلام.
حكايتى مع الجماعات
وعرض د. سيد مندور- الأستاذ بهندسة القاهرة- لمشواره فى المواجهة مع الجماعات الإسلامية فى الستينيات، محذرا من أنها تسعى لهدم وتقزيم دور الأزهر وعلمائه ورموز الإسلام لإفساح المجال أمام أدعيائها الجهلاء، فأطلقوا عليهم صفات إمام المحدِّثين، وعالم عصره، فى المقابل وصفوا العلماء الحقيقيين بأنهم علماء السلطة والسلطان للتنفير منهم!
العودة المصرية
ودعا الزميل مصطفى ياسين- مدير تحرير عقيدتى- لبث روح التفاؤل والأمل بعودة مصر لمكانتها الريادية بما تشهده حاليا بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى من إنجازات عملاقة فى كل المجالات الحياتية فى مسعى حقيقى ووطنى لإعادة بناء مصر داخليا على مختلف المستويات والأصعدة بما يقوّى شوكتها لاستعادة دورها القومى والإقليمى والدولى كمركز له ثقله، ونفس الشئ يحدث للأزهر الشريف ومؤسسات الدولة المصرية الجديدة بما يخدم الأمة العربية والإسلامية.
وتحدث الناقد والشاعر محمد أبو الليف عن أعلام مصر أمثال: د. محمود شلتوت، د. عبدالحليم محمود وغيرهما أصحاب الفكر المستنير، محذرا من أن الفرقة الفكرية والعقلية والجهوية هى البداية فى تفريق وتمزق الأمة والمجتمعات.
وأشارت نادية عبدالحى- أمين صندوق مؤسسة بنت الحجاز- إلى أن التطرف موجود فى كل المراحل العمرية والمظاهر الحياتية الإنسانية ولا يقتصر على الدين فقط ويحتاج للتصحيح والمعالجة الشاملة.
الإلحاد.. فنّيًّا
واستعرض الناقد الفنى خطَّاب معوَّض لصورة الملحد فى السينما المصرية التى أنتجت أكثر من 4 آلاف فيلم لم يتعرض إلا القليل جدا لظاهرة الإلحاد وعن بُعد، مثل: الطريق، قلب الليل، السُكَّريَّة، أصدقاء الشيطان، الشيطان يعظ، الأخوة الأعداء، لقاء هناك، الرقص مع الشيطان، أين تُخَبِّئون الشمس؟
ووصف د. سلامة تعلب- رئيس مركز التوثيق وأدب الطفل سابقا- أسلوب بعض الدعاة بأنه "يُنفِّر" ولا يُحبِّب المدعووين، وهذا يتنافى مع الدين الحنيف، مطالبا بالعودة للفنون الجميلة الراقية.
وأرجع المفكر والأديب د. صلاح شُعير نشأة التطرف للتدخلات السياسية منذ رحيل الإمام على بن أبى طالب- كرم الله وجهه- والمعضلة الكبرى فى الخلاف السنى الشيعى، ما يستلزم العلاج من قبل المتخصصين وليمتنع المغرضون.
مصر- أمريكا
واستعرض الناقد الفنى معتز محسن للنموذج المصرى والأمريكى فى مواجهة التطرف، ممثلا فى د. مصطفى محمود منذ تخبّطه الفكرى حتى وصوله للحقيقة وكتابه "الطرق إلى الكعبة" و"حوار مع صديقى الملحد". أما الأمريكى فى مالكوم إكس وجمعية الارتقاء بالملوَّنين فى مواجهة الفكر الداعشى لنشر الإسلام الوسطى المعتدل.
وتساءل الفيلسوف د. مصيلحى مصطفى عن دور الفلسفة فى مواجهة التطرف، ولماذا نُمَذْهِب الدين مع أنه واحد "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا"؟
وفى نهاية اللقاء تم تكريم عدد من المشاركين بفاعلية لإثراء الحياة الثقافية، ومنح القاضى اللبنانى د. يوسف عمرو الرئاسة الشرفية لمركز الصالة والمعاصرة.
اترك تعليق