من الظواهر الغريبة علي مجتمعنا ظاهرة عقوق بعض الأبناء لأبائهم ، وعدم احترامهم وتقديرهم الذي يصل أحيانا الي حد العدوان بالضرب أوالقتل ، ولعل ما تطالعنا به الصحف وو سائل الاعلام المختلفة من تطاول الابناء علي الأباء أسوأ شاهد علي ذلك . ومع رفضنا الشديد لكل صور ومبررات الإعتداء علي الأباء .. فإن علماء الاسلام لهم أكثر من وجهة نظر حول هذه الظواهر الشاذة ..!
في البداية يقول الدكتور أيمن كامل خطيب مسجد المدينة المنورة بالعبور : هناك بدايات يجب ان نحرص عليها لتكوين الأسرة المسلمة حتي تثمر ثمرات طيبة مباركة أهمها أن يلتقي الرجل والمرأة باسم الله وعلي منهج الله . فلو كل الزوجين حرصا علي هذه البداية واستقاما خلال حياتهما الزوجية علي شريعة الله ، ماوجدنا صور العقوق وتقطيع الأواصر داخل الاسرة المسلمة .
( غياب منهج الله )
ويضيف كا انحراف في العلاقة الأسرية سواء بين الزوجين أو بين الأباء والأبناء سببه عدم الامتثال لمنهج الله عز وجل . وهناك نقطة أخري وهي ان حق الأبناء علي الأباء مقدم أولا، بمعني ان الوالد أو الأب مطالب أن يختار الام الصالحة وان يرعي معالم التربية الإسلامية في تنشئة الأولاد ، وان يحافظ علي معالم البيت المسلم ، فهذه حقوق للأبناء تسبق واجباتهم نحو أبائهم وأمهاتهم فإذا فرط الأباء في هذه الحقوق كانت النتيجة هي العقوق وانحرافات السلوك داخل الاسرة .! فعلي الأباء ان يراعوا ظروف أبنائهم والا يتسلطوا عليهم تسلطا يدفعهم الي التمرد ، فقد ورد في الحديث الشريف : (رحم الله والدا اعان ولده علي بره ) . فليست المسألة تقديسا من جانب الأبناء للأباء وتسلطا من جانب الأباء علي الابناء ، وانما هي روح من التسامح والألفة والمودة والتبجيل تجمع بين أبناء الاسرة الواحدة . مع ذلك فالإسلام أكد تأكيدا قويا علي حق الأباء علي الابناء في الطاعة والاحترام قال تعالي : ( وقضي ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا ) فننصح الشباب والابناء ، أن يراعوا بر الوالدين لأن الايام دول ، فمن كان اليوم ابنا فهو غدا اب ، فعليه ان يقدم لنفسه لأن مايفعله في مرحلة البنوة مع والديه سيفعله معه اولاده عند شيخوخته ، لان الديان لا يموت ، وكما تدين تدان ، ولعل كثيرا مما يحدث في حالات العقوق هو جزاء لوالد عق أباه من قبل .!
( الاهتمام بالتربية الاسلامية )
( الشيخ عبد المنعم عبدالعزيز يرصد الظاهرة ويؤكد : أن أهمال تنشئة الطفل التنشئة الاسلامية التي تركز علي القيم والأخلاق الاسلامية السامية وواجب الابن تجاه والديه وما وصاه الله ورسوله به ، هو اهم أسباب مانعانيه في المجتمع من انحراف بعض الابناء وعقوقهم لوالديهم .. فالتنشئة الاجتماعية للطفل لا تتم باسلوب تربوي سليم .
واود ان اشير الي عدة اسباب هي من أهم اسباب انحراف الابناء وعقوقهم لوالديهم في عدة أسباب أهمها :
إغفال الوالدين لدورهما في تربية الطفل وتلقينه العادات الطيبة ، واختلاطه برفاق السوء ، واهمال الدور التربوي للمدرسة الذي كان يقوم به المدرس في الماضي وتغليب الدور التعليمي علي الدور التربوي ، وكذلك وسائل الاعلام وخاصة الفضائيات المنتشرة بعروضها السيئة والتي تبرز سلوكيات تؤثر علي تصرفات الطفل وسلوكه بطريقة سيئة وخاطئة . قطع روابط الود والمحبة بين الطفل والمسجد ليستثمر فيه وقته ويستفيد من القائمين عليه ، كما أن التدليل الزائد للأولاد في السنوات الاولي من أعمارهم يؤثر سلبيا في سلوكهم بعد ذلك .. فلابد من تضافر جهود الاسرة والمسجد والمدرسة ووسائل الاعلام في تنشئة الأجيال المسلمة علي القيم والاخلاق الاسلامية الفاضلة التي تحض علي بر الوالدين والعطف علي الصغير واحترام الكبير ، وصلة الارحام والتعامل مع الاخرين بالمودة والرحمة ..
( فضل البر )
( ويذكرالشيخ سيد عمارة مدير ادارة اوقاف شمال شرق القاهرة : أن من هدي رسول الله صلي الله عليه وسلم في فضل بر الوالدين مارواه البخاري ان ابن مسعود رضي الله عنه قال: ( سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم : أي العمل أحب الي الله ؟ قال : الصلاة علي وقتها ، قلت ثم أي ؟ قال : بر الوالدين ، قلت ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله .. ) . ويفهم من هذا الحديث أن بر الوالدين مقدم علي الجهاد في سبيل الله . كما أن بر الوالدين مفتاح الرزق قال صلي الله عليه وسلم : ( من سره أن يمد الله في عمره ويزاد له في رزقه ، فليبر والديه وليصل رحمه ) ومن بر والديه سيبره أبناؤه ، قال صلي الله عليه وسلم : ( بروا أباءكم تبركم أبناؤكم ) كما أن عقوق الوالدين يحرم الانسان من دخول الجنة لقول الرسول صلي الله عليه وسلم : ثلاثة لايدخلون الجنة .. منهم العاق لوالديه .. ومما أكده العلماء ماذكره العلامه محمد فرج السنهوري : أن بر الوالدين أفضل مايلقي العبد به ربه بعد التوحيد ، إنه افضل من التطوع بالصلاة والحج والعمرة والجهاد في سبيل الله ، وان علي الولد ان يبادر بالإتفاق عليهما من ماله دون ان يطلبا منه ، وان يسخو في الانفاق عليهما حتي ترضي نفوسهما وان لم يكونا مسلمين .. وان عليه ان يتلطف بهما غاية التلطف ، فلا ينظر اليهما نظرة الحدة والغضب وان ظالماه ، بل عليه ان ينظر اليهما علي الدوام نظرة الود والرأفة فأن له بكل نظرة ثواب حجة مبرورة ، كما عليه الا يناديهما بأسماءهما ، بل يناديهما بما يليق من القاب التكريم والتبجيل ولا يسبقهما في طعام ولا شراب ولا في جلوس اوقيام اومشي ولايتصدر عليهما في المجلس ..
وقال العلماء ن الأب أحق بالإمامة في بيته من الابن، إذا كان الأب صالحاً للإمامة ولو كان الابن أفقه منه وأقرأ، لكن لا بأس أن يؤم الرجل أباه في بيته إذا كان ذلك بإذنه. وقالوا ان علي الولد ان يطيع والديه فيما ليس محض معصية فعليه ان يطيعهما في كل ما هو مباح شرعا وان لم يوافق ذلك هواهم وان كان علي غير دين ، فطاعة الوالدين واجب محتم والاعراض عنها عقوق محرم وعلي الولد ألا يترك والديه أو أحدهما لأي سبب حتي ولو كان جهادا او حجا او طلب علم اومال طالما كان في حاجة اليه الا بإذنهما .
( حق الام )
( ويشير الشيخ اسلام سامي : الي ان حق الوالدة في البر أعظم من حق الوالد لانها أشد احتياجا الي بر ابناءها من الوالد فقد يكون في غير حاجة الي هذا البر ، ان كان صاحب مال او سلطان . أم الام فهي في حاجة الي حنان الابناء وعطفهم وبرهم روي البخاري ان رجلا جاء الي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال يارسول الله : من أحق الناس بحسن صحابتي قال : أمك ، قال : ثم من ؟ ، قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أبوك . وعلي المسلم ان لا يفضل عليهما زوجته او ولده ، روي انس بن مالك رضي الله عنه ان علقمة كان شابا شديد الاجتهاد في العبادة والطاعة عظيم الصدقة ، فمرض واشتد مرضه ، وذهب اليه عمر بن الخطاب وعلي بن ابي طالب وبلال بن رباح يعودونه ، فرعاهم ان لسانه لينطق بالشهادة اذا ما أراد ان ينطق بها ، فلما بلغ رسول الله صلي الله عليه وسلم امه وحدثها في امره وعرف منها انها ساخطة عليه لأنه كان يفضل زوجته عليها كثيرا ، فأخذ الرسول يدعوها الي الرضا عنه ، وكان مما قاله لها : فوالذي نفسي بيده لاينتفع والدك بالصلاة والصدقة مادمت عليه ساخطة ، فاستجابت ورضيت عنه ، فانطلق اليه بلال يعرف خبره ، فوجده يردد الشهادة ، فلما اخبر بذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم قال يامعشر المهاجرين والانصار من فضل زوجته علي امه فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ، اي لايقبل منه فرضا ولانافلة . فانظر يا أخي المسلم الي اي مدي نحن مقصرون في حقوق والدينا ، وكم نشكو من ضيق الرزق ، وقلة البركة ، ولم نفطن اننا نسينا والدينا وأهملنا رعايتهما فحدث ماحدث .
اترك تعليق