هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

فى الليلة الـ41 لـ"فكر ووصال البودشيشية": العالم بحاجة ماسة للتسامح.. لتحقيق العيش في سلام

أكد خبراء وعلماء التصوف أن الاختلاف سنة إلهية وأن العالم اليوم فى أمسِّ الحاجة لنشر قيم ومبادئ التسامح لمواجهة أمراض الكره والحقد، وأن الصوفية هم أكثر الناس تطبيقا لهذه القيم بما لديهم من منهج روحانى يُغلِّب التسامح والعفو.

جاء ذلك خلال الليلة الرقمية الواحدة والأربعين، التي نُظِّمت من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بشراكة مع مؤسسة الجمال.

ساهم في تأثيث فقرات هذا السمر الروحي، ثلة من العلماء والمثقفين والمنشدين المتميزين، مع عرض أشرطة علمية وتوعوية متنوعة.

 


وانطلقت الأمسية الروحية والعلمية، بتلاوة عطرة لآيات بينات من الذكر الحكيم، تلاها على مسامع المتابعين المقرئ محمد الشتيوي، لتتلوها المداخلة العلمية الأولى والتي قدم من خلالها د. عبد الرزاق تورابي، أستاذ التعليم العالي بالرباط، شذرات من كلام شيخ الطريقة القادرية البودشيشية فضيلة مولاي د. جمال الدين القادري بودشيش، خصصها لعرض جملة من أقواله التي تمحورت حول موضوع الشباب ومكانتهم في الإسلام، والتربية التي يتلقونها في رحاب الطريقة على القيم الدينية والوطنية.   

 

وكانت المداخلة العلمية الثانية باللغة الفرنسية، قدمها د. سمير الحلوي، أستاذ التعليم العالي بالمدرسة الوطنية العليا للإدارة تحت عنوان "le danger spirituel du jugement de valeur et la vertue de la bienveillance".

وتناول د. منير القادري بودشيش- رئيس مؤسسة الملتقى ورئيس المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم-، موضوع " قيم التسامح والحوار واحترام الآخر، وإرساء دعائم السلام في الارض ". وافتتحها بالحديث عن كون التقارب بين الثقافات والتفاعل بين الحضارات، واقع يفرضه تطور الاتصالات وفرط المعلومات والثورة التكنولوجية، التي قلَّصت الحواجز بين الأمم والشعوب ،حتى أصبح العالم قرية صغيرة ،مما يحتّم على الجميع التفاعل والتعاون من أجل حياة سعيدة، ومستقبل أفضل يعم البشرية جمعاء.

 

 ونبّه الى أن ما يعاني منه المجتمع العالمي اليوم من حروب وصراعات وأزمات، يجعله في أمسِّ الحاجة إلى التسامح الإيجابي حتى تتخلّص الأمم والشعوب من أزمتها ومشاكلها الراجعة الى تفشّي سرطان الحقد والكراهية الذي لا سبيل إلى معالجته إلا بالتسامح.

 

وأوضح أن التعارف هو القصد من اختلاف الناس وتنوّعهم، انطلاقا من قوله تعالى في سورة الحجرات "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ " (الآية 13).

 

وأضاف د. القادرى: التعارف هو الخطوة الأولى نحو التآلف والتعاون في جميع المجالات، وإنهاء العداوات والإسهام في بناء الحضارات.

 

واستطرد موضحا أن هذا مبدأ الدين الإسلامي الذي يحثّ على معاملة من يخالفونه بالعدل والبر والرحمة والنصح، مذكّرا بقوله تعالى في سورة الممتحنة: "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" (الآية 8 ).

 

وبيَّن أن الاختلاف سنَّة إلهية، وأننا اليوم في حاجة إلى الاختلاف الذي فيه الرحمة والتكامل والتسامح، بعيدا عن الخلاف والشقاق والتنافر، الذي لا يثمر إلا الحقد والكراهية وحب الانتقام، موردا في هذا الصدد مقولة الأديب المصري نجيب محفوظ: "التسامح هو أكبر مراتب القوة، وحب الانتقام هو أول مظاهر الضعف".

 

وأضاف: الاسلام دين عالمي يتجه برسالته ومبادئه إلى البشرية جمعاء، وأنه يرسي دعائم السلام ويدعو إلى التعامل الإيجابي مع البشر جميعا، باعتبارهم منحدرين من نفس واحدة، مستشهدا بقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ" (سورة النساء الآية 1)، وزاد أن الاسلام يعترف بوجود الآخر المخالف فردا كان أو جماعة، ويعترف بخصوصية هذا الآخر ووجهة نظره في الاعتقاد والتصوّر والممارسة.

 

وأكد د. القادرى أن التسامح قيمة لا تأتي في أول الأمر بسهولة تامة، بل لابد عند الإقدام عليها من مجاهدة النفس وتجرّع شئ من الألم، وأنه قمة الشجاعة وغاية الإقدام التي لا يوفق إليها إلا ذوو العقول الكبيرة والقلوب الطاهرة، مستدلا بالحديث النبوي الشريف: "ليس الشديد بالسرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"، وبقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه".

 

ولفت إلى أن التسامح والتعايش عمودي الرقي للممارسة اليومية في المجتمع المتحضر، وأنهما مفهومين رئيسيين للحياة المتكاملة والآمنة والسعيدة.

 

وقدّم د. القادري نماذج من التعايش في صورته الواقعية الإيجابية، في مقدمتها تعايش النبي- صلى الله عليه وسلم- مع يهود المدينة، حيث عاهدهم واتفق معهم على المصالح المشتركة التي تجمعهم في البلد الذي يشتركون في سكناه، وأنه كان يحسن إليهم ويتلطّف في معاملتهم، إضافة الى نماذج أخرى من أبرزها تعايش المسلمين مع المسيحيين في مصر إثر فتحها من طرف الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه، في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث عهد إلى المسيحيين بحماية كنائسهم وتم تأمينهم على ممارسة دينهم بكل حرية.

 

ونوَّه في معرض حديثه بالنموذج الإفريقي، بما تسهم به مؤسسة إمارة المؤمنين في عهد جلالة الملك محمد السادس- نصره الله- من مجهودات في نشر قيم التعايش والسلام والتسامح بما يحقق الازدهار والتعاون للقارة الإفريقية. 

 

وأوضح أن التصوف من خلال كونه تربية روحية إحسانية، يملك القدرة على توفير الأمن الروحي الذي يمَكّن من تبديد الصراع الحضاري المفتعل وتصحيح الاختلالات، وتحقيق التوازن النفسي والتكامل العقلي والقلبي، والتوافق المادي للإنسان، بعيدا عن الشَرَه والتسابق الشرس على الثروات والفردانية، وهيمنة كل مظاهر القلق والاكتئاب.

 

واعتبر- في ذات السياق- أن التصوف منظومة قيمية متكاملة تخترق أسوار المكان ولا يحدها زمان، لأنها نابعة من أصول فقه الفطرة الإنسانية ومستمدة من الوحي الإلهي والهدي النبوي، واجتهادات رجالات التربية والأخلاق، وأنه يسهم بقوة في إصلاح المجتمع وتيسير سبل الحوار الحضاري، وتقوية مبادئ العيش لمشترك.

 

ودعا إلى المحافظة على هذا الموروث الروحي الزاخر الذي ينعم به المغرب، وإشاعته إقليميا ودوليا، مع ضرورة إدماج القيم الروحية للتصوف ضمن البرامج التعليمية والتربوية، وتقوية روح الحوار بين الأديان، وإرساء قيم التعايش والسلام، بما يكفل تخريج جيل من الشباب الصالح المنفتح والمتشبع بمقومات هويته الوطنية والدينية، والمؤمن بقيم المواطنة العالمية المبنية على أساس التعايش والسلم والسلام والتفاعل الحضاري.

 

واختتم مداخلته بالإشارة إلى أن التصوف السني المغربي، الذي هو من ثوابت الهوية الدينية المغربية، يشكل رافدا للمحبة والأخوة الإنسانية، ودعامة لتجاوز الخلافات بين الشعوب والتأسيس للتعاون الاقتصادي، وتبادل الخيرات، وحماية الأرواح والنفوس، وزرع بذور الأمن والسلام والتسامح، عبر دبلوماسية روحية يرأسها أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس- نصره الله- الذي تتسم كل قراراته بالحكمة وبعد النظر، وتهدف إلى نهضة الأوطان ونموها، وتروم مصلحة البلاد والعباد وجمع شمل الأمم على قيم الاحترام المتبادل، في ترفّع عن سفاسف الأمور ، قاصدا في كل حركاته ومبادراته خير المسلمين ومنفعتهم .

 

وقدم د. محمد المصطفى عزام، أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس، فقرة "إشارات اللسان إلى مذاقات العرفان"، والذي فسر وحلل من خلالها الاصطلاحات الصوفية، عبر إبراز معالمها البيانية والعرفانية كما سُطرت في كلام القوم، وقد كان موضوع مداخلته في هذه الليلة حول "المُريد والمراد".

 

بعد ذلك قدم د. ادريس شارغيي درسا علميا باللغة الإنجليزية بعنوان: « humility in sufism and its impacts on society »، تطرق من خلاله الى خلق التواضع ومكانته عند الصوفية، والتأثير الإيجابي الذي يتركه في المجتمع ككل.

وتخللت هذه الليلة الروحية وصلات من النغم والمديح الصوفي لمسمعين داخل المغرب وخارجه، ويتعلق الأمر بكل من حكيم خزران وعبد الهادي حدروف، ومجموعة السماع للطريقة القادرية البودشيشية بجهة سوس، التي كان سماعها باللغة الامازيغية، إضافة الى مجموعة برعومات الطريقة بمداغ. 

 

  كما تم عرض شهادات حية لمريدي الطريقة من جنسيات مختلفة حول تجربتهم الدينية وثمار التربية التي تلقوها في أحضان الطريقة القادرية البودشيشية، منها شهادة عبد الله كيوندوني من فرنسا، وأمين شريكم من مدينة بورتو بالبرتغال، بالإضافة الى عرض عدة أشرطة تحسيسية وتثقيفية.

 

  و اختتمت أطوار هذا السمر الروحي بفقرة "من كلام القوم"، خصصها إبراهيم بلمقدم لعرض مختارات من كلام الشيخ سيدي أحمد بن عجيبة رحمه الله، مختتما كلمته برفع الدعاء الصالح للبلاد ولملكها ولسائر المسلمين والبشرية جمعاء.





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق