هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

كيميا رواية تنتصر للمهمشين في الدوائر الصوفية

تصادف أن كانت قراءتي لرواية "كيميا" لوليد علاء الدين تالية لقراءة ثانية لرواية عبد الحكيم قاسم "أيام الانسان السبعة، ولأن لاشيء يأتي صدفة كما تؤكد "رواية كيميا" على لسان الراوي والبطل وليد علاء الدين فالروايتان تدور أحداثهما في عالم التصوف والصوفية، واذا كان عبد الحكيم قاسم أعطى البطولة الجماعية في الرواية لفرقة من الدروايش الفلاحين عشاق السيد البدوي الذين يضحون بالغالي والنفيس من أجل زيارته ويتحملون سخرية أهل البندر منهم، فإن رواية كيميا تتفق معها في هذا الخط اذ أعطت البطولة لشخصية همشها التاريخ وتجاهلها الجميع وكأنها


 

شخصية لا يرغب أحد في الاعتراف بوجودها فضلا عن إظهار ماتعرضت له من ظلم على يد جلال الدين الرومي العاشق الصوفي الكبير الذي أهداها كزوجة لرجل يكبرها بثمانية وأربعين عاما لكي يرضى عنه محبوبه شمس التبريزي بتدبير من زوجة الرومي كيرا، وامتدادا لخيط الظلم تموت كيميا بعد فترة قصيرة من الزواج بمرض غريب يقهر جسدها بعد أن قهرت روحها وحرمت من علاء الدين ابن الرومي الذي زوجوها في غيابه .

وفي قونيه وعند ضريح الرومي يحاول البطل استكشاف قبر كيميا أثناء رحلة صحفية إلى تركيا، لكنه لايجد لها قبرًا، بل ويفاجأ بأن المرشد السياحي يعامله بجفاء لمجرد سؤاله عن قبرها، من هنا تبدأ رحلة روحية وتجربة فريدة في التواصل الروحي عبر الزمان مع شبيهه في الاسم او معكوسه علاء الدين ولد ابن الرومي لكي يصل في النهاية إلى النجاح في محاولة رد الاعتبار الى كيميا ولو بوضع شاهد قبر يمثل روحها مكتوب عليه قتيلة مولانا بجوار ضريح الرومي

برع الكاتب في السرد عبر أكثر من تقنية منها أصوات كيميا وعلاء الدين، وخطاباته وتقاريره الصحفية حول الرحلة، بجانب صوت الراوي البطل وكذلك أحلامه

تبدأ الرواية بالبطل وهو بنفس اسم الكاتب وليد علاء الدين في أحد فنادق تركيا وهو يحكي عن قصته مع أحلامه الغريبة الحلم داخل الحلم والحلم الصافي  في اشارة الى ماسيحدثنا عنه في فصول الرواية التالية

 ورغم غرابة التجربة إلا أنه استطاع اقناعنا بها عبر تضمين الأحداث التاريخية الحقيقية بأسماء الشخصيات والأماكن، وعبر قدرته على الوصف الخارجي للأماكن والشعوري للشخوص.

وتحاول الرواية القاء الضوء على الكثير من قضايانا المعاصرة ففي مقطع دال وذكي يقول الكاتب مامعناه أن الترك دخلوا الاسلام وركبوا الحكم في العالم العربي ولكنهم احتفظوا بلغتهم وملبسهم ما يمثل اعتزازهم بهويتهم.

إذا كان عبد الحكيم قاسم رصد في روايته وضع المرأة الريفية في دوائر دراويش السيد البدوي ،حيث يقتصر دور البنات والسيدات على الخبيز والطبيخ من أجل خدمة زوار السيد البدوي وحتى أثناء سفرهن يسلكن طرقا مختلفة عما يسلك الرجال  ،ففي رواية كيميا يتم الانتصار للمرأة التي همشت في دوائر المولوية ، حتى أن المرأة في ظل تلك الثقافة وتحت هيمنتها تظلم أختها المرأة فحين تضيق الدوائر بكيرا وتأكلها الغيرة على زوجها الرومي لاتجد سوى كيميا فتقدمها لشمس لكي تستعيد زوجها وتبعد عنه شمس الدين التبريزي بعد أن لمحت بدهاء المرأة تعلق التبريزي بصغيرات السن ورغبته في كيميا ويصل الأمر بها الى الإيحاء لكيميا بأنها تحب شمس ودفعها لطلب الزواج به.

تتناثر في النص إشارات ثقافية عديدة وقد تم تضفيرها بذكاء وبشكل غير مباشر حيث تتدفق موازية للأحداث دون وقوع في فخ المباشرة أو الخطابية، وهو مايجعل الرواية القائمة على مجهود بحثي وعلمي نصًا ممتعا حيث يأخذنا النص في ثنايا السرد لنعلم الكثير عن آيا صوفيا ومسجد السلطان أحمد وشوارع تركيا وسلوك الأتراك مع الاجانب، وحتى صنوف الطعام الغريبة في أقليم تركي بعيد عن العاصمة .

يذكر الكاتب كتابات الكبار ويعمد إلى توجيه التحية لهم ومن ذلك رواية  كتيبة سوداء للمنسي قنديل ،كما يشير إلى رواية إليف شافاق "قواعد العشق الاربعين ورواية "بنت مولانا" للبريطانية "مورل موفروي"

وفي نهاية الرواية يلحق الكاتب قائمة بأسماء المراجع العلمية والنصوص الصوفية والأدبية التي استقى منها المعلومات مايشير إلى مجهود بحثي وعلمي وليس مجرد سرد حكاية تاريخية.

وصف الأماكن والاحساس بروح المدن وطبائع سكانها يؤهل الرواية للانضمام تحت تصنيف أدب الرحلات فإن كان عبد الحكيم قاسم في رحلته إلى طنطا حيث بيوت ودكاكين وناس البندر يرى المدينة  بعين الطفل الريفي فإن وليد علاء الدين يخوض رحلته على المستوى الجسدي إلى قارة اخرى وثقافة مختلفة وعلى المستوى الروحي يتواصل مع أناس عاشوا في أزمنة غابرة

يثور عبد العزيز الطفل في رواية أيام الانسان السبعة على طقوس أهله من الفلاحين وتزاحمهم بلاعقل تلبية لحب السيد البدوي في نفوسهم ويتهمه أبيه بالكفر والنجاسة لأنه غير مقتنع بما يفعله هؤلاء الدروايش،أما وليد علاء الدين بطل الرواية فهو يثور على النظرة التي تقدس جلال الدين الرومي وشمس التبريزي وتعتبرهما رمزين للحب فيما راحت كيميا ضحية لحبهما ولم يذكرها التاريخ ولم ينصفها أحد ، وتتمثل ثورة البطل في رفض هذه القدسية وشعوره بزيف مايراه من دراويش الرومي ومحبيه ورغبته في الافصاح لهم عن ظلم الرجل للفتاة المسكينة، ولأنه مدفوع بروح علاء الدين ولد الذي أحبها وافتقدها بعد موتها وتم طرده واتهامه بالكفر فقد قام البطل بمحاولته لرد الاعتبار إلى روح كيميا

 

  

 





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق