هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

#أحسن_القصص صبر أيوب .. فقد ماله وأبناءه ومسه الشيطان بنصب وعذاب 18 سنة
أحسن القصص محفوظة في القرآن الكريم معجزة كل العصور، إذ فيه تاريخ البشرية منذ خلق آدم عليه السلام إلى قيام الساعة، وهو ما لن تجده في أمهات الكتب الأخرى ولو اجتمع لتأليفهن الإنس والجن.

هذه القصص أنار الله سبحانه وتعالى بها الطريق لجميع الأمم لتخرج من ظلمات الكفر والإلحاد إلى أنوار الإيمان والتوحيد، فقال رب العالمين واصفا حال الجن بعد سماع القرآن: "قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم". 

 

وعلى مدار شهر رمضان نتحدث يوميا عن قصة من أحسن القصص التي جاءت في كتاب الله تبارك وتعالى.

 

سكن نبي الله أيوب في حوران وهي المنطقة الجنوبية من سوريا حالياً، وعاش عمره مبشراً ومنذراً، قانتاً عابداً بَسَطَ الله له في رزقه.

 

وكان رزقه في متناول كل محتاج وسائل ومحروم حيث أطعم الجائع وسقى العطشان وأوى اليتامى ونصر المظلومين وساعد الضّعفاء، وكان النّاس يرون ويسمعون عن قصة سيدنا أيوب والعيش الرّغيد والنّعيم الذي يعيش فيه وكلّما زاده الله بركةً ورزقاً واسعاً ازداد هو ورعاً وتقوى، لا يفتنه مال ولايُغويه ولدٌ، بل حُبّ الله ورضاه هما همّه الوحيد وشغله الشاغل في الدنيا.

 

وأصبح الشيطان يوسوس للنّاس بأن أيوب ما كان يعبد الله حبّاً بعبادته ولا طواعية في نفسه وأن عبادته وطاعته كانت طمعاً فيما يمنحه الله من مال وبنين وبما أعطاه من ثروة طائلة وأن الله لو نزع عنه كل هذه النّعم والرّزق الوفير والثراء الكثير فإنه سيبتعد عن عبادة الله وعن ذكره.

 

وكانت أخبار ما يوسوس به الشيطان للناس تصل إلى مسامع سيدنا أيوب ولا يعيرها أي اهتمام ولكنّ الله سبحانه وتعالى أراد أن يجعل سيدنا أيوب مثالا للبشرية جمعاء في قيم الصبر على البلاء.

 

فابتلاه الله بأعظم ابتلاء فنزع ماله وفقد أبناءه، وأصيب جسده بالمرض حتى أصبح لا يقدر على الوقوف ولا يقوى على الحركة والسّير.

 

وعندما رأى الناس ماحلّ بسيّدنا أيوب من ابتلاء عظيم أصبح فريقاً منهم يشكّك بأنّه نبيٌّ من عند الله، كذلك ظن الشيطان الذي وسوس لهم أن المصائب والكوارث التي حلّت بسيّدنا ايّوب سوف تذهب إيمانه وتقواه وتفسد قلبه، لكن ظنّهم ومسعاهم قد خاب فلم تزد تلك المصائب سيّدنا أيوب إلا إيماناً وصبراً.

 

ومرّت الأيّام وأيوب على حاله من ضعف ووهن في الجسم وفَتَكَ المرض بأغلب جسده، ولم يتبقّى أحدٌ بقربه إلا زوجته، التي بقيت تخدمه وترعاه وكانت على عهدها بوفائها لزوجها وكانت صابرة محتسبة، لكنّ رفقاء الشيطان والمفتّنين لم يتركوها لحالها ومعاناتها.

 

بل راحوا يألّبونها ويحرّضونها على هجر وترك سيدنا ايوب، وفي إحدى زياراتها له. قالت له: لِمَ يعذّبك الله؟ وأين مالك؟ وأين أبناؤك؟ وأصدقاؤك؟

 

فرد عليها سيّدنا ايوب، وقال: لقد سوّل لكِ الشيطان أمراً، أتُراكِ تبكين على عزٍ قد ولّى، لقد خاب ظنّي بك ولا أراكِ إلا وقد ضَعُفَ إيمانك وضاق قضاء الله وقدره بصدرك ولئِن شُفِيت من مرضي هذا لأجلدنِّك مائة جلدة. فإذهبي عنّي ولا أريد أن أراك حتى يقضي الله بيني وبينك وهكذا أصبح سيّدنا ايوب عليه السلام وحيدا إلا من مرضه وفي ذروة معاناته وفي قمّة الشدّة، اشتكى إلى الله.

 

قال تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ}.
 

عادت إليه صحّته وعافيته وخَرّ أيوب ساجداً لله على تلك النعمة التي أعادها الله إليه وأوحى له الله بأنه سيعيدها له كاملة كما كان في السابق كثير الرزق والمال والأبناء.

 

أما زوجة أيوب فقد أصابها القلق على زوجها الذي تركته، وعرفت أنها أخطأت في حقّه، وأن الشيطان أبعدها عن الحق فما كان منها إلا أن عادت إلى المكان الذي فيه زوجها وهي ملهوفة ومتحسّرة ونادمة على ما بدر منها.

 

وكان سيّدنا أيوب عليه السلام قد حلف أن يضرب زوجته مائة جلدة إذا شفي من مرضه، فأوحى له الله بأخذ حزمة من العيدان الصغيرة ويضرب بها زوجته، فكأنّه يضربها مائة جلدة حتى لا يحنث بيمينه الذي قطعه ولا يؤذي تلك المرأة الصالحة التي كابَدت وعانت معه الشقاء والمحن أيام مرضه وسهرت اللّيالي بجانبه.

 

وكان جزاء سيدنا أيوب على صبره على الابتلاء وعدم ضيقه بمصابه الجلَلْ، أن أنعم الله عليه بأكثر مما كان عنده، فأصبح لديه من الأولاد الكثير، وزادت ممتلكاته وأرزاقه أضعافاً مضاعفة عمّا سبق، وأصبح سيدنا ايوب مثالاً في الصبر على البلاء.

 

ورد عن ابن حجر العسقلانيّ أنّ أصحّ ما جاء في قصَّة أيّوب عليه السلام ما أخرجه ابن أبي حَاتم عَن أَنس أنّه عليه السلام ظلّ مُبتلىً مدّة ثلاث عشرة سنة، جاء في الحديث: أنَّ أيوبَ عليهِ السلامُ ابتُليَ فلبثَ في بلائهِ ثلاثَ عشرةَ سنةً، وجاء في رواية أخرى عند صاحب المستدرك، وغيره، أنّ بلاءه استمرّ ثماني عشرة سنة، ورد في الحديث: "إنَّ نَبيَّ اللهِ أيُّوبَ عليه السَّلامُ لبِثَ به بَلاؤُهُ ثَمانَ عَشْرةَ سَنَةً".

 

وفي النهاية نتعلم من قصة سيدنا أيوب عليه السلام أن البلاء من عند الله سبحانه لا يزيدنا إلا تقرّباً لله، وأن الرّضا بالقدر والشكر والصبر يعيد للإنسان نعم الله التي أنعمها عليه.





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق