وار
ووصف الطُرق الصوفية بأنها "مصحّات علاجية" لجميع أمراض العصر، مشيرا إلى أن التصوّف لا يعنى الانعزال أو الدروشة وإنما الصوفى هو "ابن عصره" ويجب إعداده وتأهيله لتولّى كل المناصب، مُعلنا أن "البودشيشية" تسعى لافتتاح فروع لها فى كل أنحاء العالم، وتضع يدها مع أشقائها من الطرق الأخرى لتصحيح صورة التصوّف الفلكلورية، ونشر الإسلام الصحيح.
وفيما يلى نص الحوار الذى أُجرى معه، على هامش الملتقى العالمى الـ14 للتصوف، والذى نظّمته مؤخرا الطريقة القادرية البودشيشية، بالتعاون مع مؤسسة الملتقى الدولية، بمدينة "مداغ"، جهة وجدة، بالمملكة المغربية، برعاية سامية لجلالة الملك محمد السادس.
· لماذا تم اختيار عنوان "التصوف والتنمية.. البُعد الروحى فى صناعة الرجال" للملتقى الـ14؟
** هذا الملتقى أصبح يعرف عاما بعد الآخر، حضور متصوّفة وأساتذة وباحثين ومختصين فى الفكر الصوفى، وفى مختلف مجالات العلوم الدينية والحياتية، كل هذا التقاطع للعلوم من أجل خدمة علم من علوم الإسلام الأساسية، وإن لم تكن قائمة بذاتها وقت رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- كما قال ابن خلدون، ولكنها كانت موجودة بمفهومها ومعناها حاضرا، سلوكا وأخلاقا، فاحتاج العلماء والناس فيما بعد أن يخرج كعلم قائم بذاته، ومتخصص بعلومه وفنونه، وحديث سيدنا جبريل- عليه السلام- مع سيدنا رسول الله يوضح ويؤكد ذلك، عندما سأله عن أركان الإسلام الخمس، فأجابه: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، والقضاء والقدر خيره وشرِّه" كما سأله عن الإحسان، فأجابه: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، وهذا هو مقام المراقبة والتصفية والحضور مع الله، فحضورى مع الله ليس محددا بمكان ولا زمان "أينما كنتم فهو معكم"، وحديث آخر يوضح هذه المسألة "وجُعلت لى الأرض مسجدا وطهورا"، فأنا مع الله سواء كنت فى مصر أو المغرب أو حتى القطب الشمالى أو غيره.
فحقيقة التصوف أنه يؤهّل قلبك بوسائله الروحية والتربوية، وأن تشعر بأن علاقتك الأفقية مع الشيخ هى علاقة رأسية مع الله، يعطيك الوسائل المعرفية الذوقية لأن تكون مع الله، وحينما يحدث هذا تُترجم هذه العلاقة مع الخلق، "ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء" فالعلاقة التعبّدية ينبغى أن تُثمر أخلاقا "إنما بُعثت لأُتمم مكارم الأخلاق"، "أدّبنى ربّى فأحسن تأديبى"، "وإنك لعلى خلق عظيم"، "كان خُلُقُه القرآن"، "كان قرآنا يمشى على الأرض"، فلابد أن ترتبط جوانبنا التعبّدية بالظهور والترجمة مع الخلق، وأن تكون لها الروح وهى النيّة، وهى فى القلب "إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى..."، فأى عمل فقهى من العبادات أو المعاملات فلابد من النيّة، فالأعمال صور قائمة وأرواحها الإخلاص فيها، كأنها أعمال ميتة إذا لم تكن فيها هذه الروح أى الإخلاص وهو شاق على النفس إن لم تكن فيه النيّة، لأن النفس الأمّارة تريد أن يكون فيها رياء ولكن التربية الصوفية والتزكية النفسية هى التى تحقق الترقى الروحى للنفس من أمّارة إلى لوامة- مازالت لم تستقر، مرة فى الخير وأخرى فى الشر- حتى تصبح مطمئنة راضية مرضية، وهذا أترجمه بمثل بسيط وهو: شكر العوام يشكرون الله على النعمة فقط، والخواص يشكرون على النعمة والنقمة، أما شكر خواص الخواص فهؤلاء غابوا فى المنعم عن ذكر النعمة.
كل هذا مدخل للتعريف بالتصوف ومعرفة حقيقته، فلماذا التصوف؟ لأنه مقام المراقبة، مرتبة الجهادى حين تنمى فيك فقيها فى قلبك، يعظك وتستفتيه، "استفت قلبك ولو أفتاك الناس وأفتوك"، "إذا أحب الله عبدا جعل له واعظا من نفسه".
والسبب الآخر لإختيار العنوان هو التأكيد على أن الصوفى "ابن عصره"، فالصوفى اليوم يختلف عن الأمس، فلم يعد المتصوف ذلك الرجل الذى يجلس فى الزاوية أو المسجد أو الساحة يعبد الله فقط، ولا يختلط بالناس، لا بالطبع، فصوفية اليوم حاضرة بقوة فى كافة المجالات، سواء الاقتصادية منها أو الاجتماعية أو حتى السياسية، فلا توجد مشكلة فى أن يصبح الصوفى سفيراً أو وزيراً أو رئيس دولة، أو غير ذلك من الأمور المهمة والتى نسعى نحن فى الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى إلى التأكيد عليها بشكل دائم ومستمر، كما أن أهل التصوف لهم دور أصيل بالتنمية، فلو عدنا للوراء لوجدنا شيوخ وأقطاب التصوف كانت لهم أدوار كبيرة فى هذا الإطار، فجميعهم كانوا يعملون وينتجون من أجل رفعة مجتمعاتهم فى الفترة التى كانوا موجودين فيها.
رسائل الملتقى
· ما هى الرسائل الأساسية التى وجّهها الملتقى العالمى؟
** هناك العديد من الرسائل التى وجهها أهمها، أن نبنى خطاباً جديداً للإسلام منسجماً مع قضايانا وسياقاتنا، وأن يكون التصوف ليس منعزلاً، وأن يكون الصوفى طبيبا ومهندسا وأستاذا وسفيرا ووزيراً، وأن يكون قيمة مضافة لمجتمعه، وذِكْره يؤهله أن ينسجم، ويتواصل مع الجميع بمحبة واحترام، دون إقصاء، وبسلم وسلام.
وكذلك جمع كلمة أهل التصوف حول العالم الإسلامى، ويكون الصوفية يداً واحدة، لمواجهة الأفكار المخالفة لصحيح الدين، كذلك إطلاق يد الصوفية فى كافة المشروعات التنموية والاجتماعية والاقتصادية، فيجب أن يكون الصوفى ابن عصره.
كذلك رسالتنا إلى حكومات وشعوب العالم: ابتغوا الخير فى التصوف، فهو قادر على تحقيق استقرار المجتمعات والحفاظ عليها من كل شر.
الصدق فى التعامل
· وكيف أثرت الطريقة القادرية البودشيشية فى مريديها، فكريا وروحيا ودينياً؟
** هذا التأثير يكون بالصدق فى المعاملة مع الآخر، فالخلق هم عيال الله، وهم الباب والحجاب، وكان سيدى حمزة البودشيشى- قدس الله سره- يقول دائما: أن كل كلام السادة الصوفية مستوحَى من الكتاب والسنة.
وابن تيمية- شيخ الوهابية- اعترف بفضل الصوفية، فى كتابه "الفتاوى" حيث قال: أنهم أفضل الناس وأحسنهم.
والصوفية يعتمدون على مقام "الإحسان" فى كل حركاتهم وهمساتهم وتعاملاتهم. وحتى المستشرقين فى البداية أرادوا أن ينتزعوا هذا البُعد الروحى من الإسلام، ولكن لم ينجحوا، لأن أهل التصوف كانوا متيقّظين لذلك الأمر جيدا. والمسشرقون اعتمدوا على التصوف الفارسى الذى كان مختلطا مع الحضارات الأخرى. والتصوف أساسه الدين، ولا يمكن فصله بأى حال من الأحوال عن الكتاب والسنة، كما أن الطرق الصوفية توصف بأنها مصحَّات علاجية، تعالج الناس من أمراض العصر، فعندما يأتى الناس إلى بلدة صغيرة اسمها "مداغ"، فيجدوا راحتهم، فهذا يؤكد أن الراحة والطمأنينة موجودة عند أهل الصوفية، وكذلك "التصوف" هو غذاء الروح، والغذاء الروحى أهم من غذاء الجسد، لذلك يسعد الناس عندما يتعرفوا على التصوف، ولذلك بات الناس فى حاجة ماسَّة للبُعد الروحى الموجود فى التصوف.
نشر الإسلام
· هل لعب التصوف دوراً محورياً فى نشر الإسلام فى القارة الإفريقية وغيرها من قارات العالم؟
** نعم بالطبع، حيث كان التصوف سببا رئيسيا فى نشر الإسلام فى إفريقيا، وذلك لأن التصوف انتشر بالمعاملات والأخلاق، وكذلك التجارة، فالتجار المسلمون الصوفية، الذين كانوا يتنقّلون هنا وهناك، كانوا يقيمون حضرات الذكر وقراءة القرآن، الأمر الذى جعل الناس تتعرف على الإسلام، ولذلك فالتصوف أنقذ المغاربة والسودانيين من الوثنية والأمور الخاطئة.
فالتصوف هو البحث عن العلاقة مع الله بدون هم أو تعب أو ملل، أما بالنسبة للقارات الأخرى كأوروبا وآسيا فأهل التصوف أدخلوا الإسلام لبلدان لم يكن يدخلها من قبل، فعندما فتح المسلمون إيران وبلاد ما وراء النهر لم يكن الإسلام قد انتشر بالصورة المطلوبة، فجاء أهل التصوف بعد ذلك لينشروه، ولذلك أصبحت الآن دول مثل: إندونيسيا والهند وماليزيا غالبيتها من الصوفية، وبالنسبة للأوروبيين فقد دخلوا أفواجاً للإسلام عبر بوابة التصوف.
ونحن فى الطريقة القادرية البودشيشية، كان لنا دور محورى فى هذا الأمر وتجارب على الأرض يعلمها الجميع، وهى حلقات الذكر، حيث عندما يشاهد الأوروبيون حلقات الذكر يبكون وبعدها ينطقون الشهادة.
فروع البودشيشية
· هل تسعى الطريقة القادرية البودشيشية لإنشاء فروع لها حول العالم وخاصة مصر؟
** نعم، فالطريقة حاليا فى إطار وضع خطة لإنشاء فروع لها فى العديد من دول العالم الإسلامى، وأول هذه الدول ستكون مصر المحروسة، وذلك لأن أهل التصوف موجودون فى مصر بقوة، ووجود الطريقة القادرية البودشيشية، إلى جوار أخواتها من الطرق الصوفية المصرية، سيعمل ذلك على النهوض بالتصوف وانتشاله من براثن التخلف والجهل والطابع الفلكلورى الذى أساء أكبر إساءة للتصوف الإسلامى السنّى، الذى نحاول جميعاً جاهدين لإظهار صورته الحسنة بين الناس.
كذلك نسعى إلى التواجد بقوة فى قارتى آسيا وأوروبا وأمريكا، حيث افتتحنا العديد من الفروع الخاصة بنا فى فرنسا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا، وكذلك قارة آسيا لدينا فروع فى اليابان وماليزيا، ونسعى للتوسع أكثر لنشر فكر الطريقة حول العالم، والحمد لله، لدينا رجال فى طريقتنا قادرون على نشر الفكر الصوفى الصحيح، وذلك لإنقاذ الناس من الفكر المتشدد الذى يسعى لفرض سيطرته وهيمنته على العالم ولكن نحن نقف له بالمرصاد.
التنمية الروحية
· البعض يعتقد أن التنمية تعتمد على الجانب المادى فقط، فكيف يُسهم البُعد الروحى فى تحقيق التنمية والبناء؟
** فى الواقع، المملكة المغربية، بقيادة ملكها الحكيم جلالة الملك محمد السادس- نصره الله- تعطى التصوف أهمية كبيرة، وذلك لأن القيادة الرشيدة للبلاد تعرف جيداً أن التصوف هو صمام الأمان لهذه الأمة، ولذلك فقد تم اختيار موضوع "التصوف والتنمية.. البُعد الروحى فى صناعة الرجال"، لأننا رأينا أنه لا تنمية حقيقية بدون وجود بُعد روحى، فالجانب المادى لا يُسهم وحده فى التنمية والبناء والتطوير، ولكن الجانب الروحى أكثر أهمية، فنحن نصوّر هذا الجانب بالمحرّك الذى يحرّك الإنسان أكثر من الجانب المادى، لأنه لا تنمية بدون أخلاق ولا أخلاق بدون بُعد روحى وجهاد للنفس، ولأن التصوف هو الرأسمال اللامادى الذى يكرّس جهوده الروحية التى تساهم فى بناء الإنسان الذى يعد لإنتاج قيم أخلاقية مرتبطة بحياة الإنسان، فهذه الأخلاق تجعل منه إنسانا مخلصاً صادقا متضامنًا مع الآخر، لذلك فالإنسان يتشبع بأخلاقيات كثيرة ويفهم الإسلام على حقيقته، إسلام الوسطية والاعتدال ومحبة الآخر، لأنه "لا إكراه فى الدين"، حتى أن مقصد البعثة النبوية كان مقصدا ساميا، حيث قال النبى "إنما بُعثت لأُتمم مكارم الأخلاق".
ولذلك فالتجربة الصوفية تخرج إنسانا يكون متحلّياً ومبدعاً لهذه الأخلاق التى لابد أن تكون أخلاقا تمشى فوق الأرض، والتصوف أوله علم وأوسطه عمل وآخره فضل وموهبة، فالاختيار للتنمية وعلاقتها بصناعة الرجال، لأن كل مشروع تنموى، الإنسان فيه قطب نفسه وإحساسه، فإذا صلح هذا الإنسان، صلحت المشاريع التنموية، وصارت تعطى الثمار، ثمار الخير والازدهار للبلد والوطن.
ترجمة عملية
· وكيف نرسخ القيم الروحية الأصيلة المستمَدة من قيم رسول الله، التى تبناها هذا الملتقى لدى الشريحة الكبرى من أبناء وشباب الأمة؟
** من خلال المشروعات والأنشطة الموازية للملتقى، مثل القرية التضامنية، والتعاونيات والمشروعات الإنتاجية الصغيرة، وذلك لنهتم بالشباب وتأهيلهم لسوق العمل، وكذلك الجمعيات والتعاونيات التى تشتغل على الاقتصاد التضامنى والاجتماعى.
فالتصوف ليس تقوقعا أو انعزالا، ولكنه علم وعمل، والتصوف الحقيقى أن تكون فى خدمة الآخر، فى الإيثار والتضامن، لقول النبى: "من فرَّج عن مؤمن كُربة فرَّج الله عنه كُربة من كُرب يوم القيامة" و"الله فى عون العبد مادام العبد فى عون أخية"، فالتصوف ليس فلكلورا، ولكنه متعدد الجوانب، فهناك الجانب الفنى وجانب المديح والسماع، وثمرة التعبّد والذكر أن تكون فاعلاً مع مجتمعك كيفما كان، وأيضا يجب على الإنسان أن يتفاعل مع الآخر ويجب إكرامه، إبتداء من الابتسامة، والكلمة الطيبة وهذا هو حقيقة الدين بمستوياته الثلاثة: إيمان وإسلام وإحسان، دون تطرّف أو عنف أو إقصاء للآخر، وبهذه الأمور كلها، نرسّخ القيم الروحية لدى الشباب من أبناء هذه الأمة الإسلامية.
فعندما يجد الشباب من يدعمه ويقف وراءه يحب التصوف وقيمه الروحية الأصيلة التى جاء من أجلها.
مسابقة القرآن
· كذلك قمتم بتنظيم أكبر مسابقة لحفظ القرآن الكريم بالتزامن مع فاعليات الملتقى، فلماذا؟
** الهدف من تنظيم هذه المسابقة فى ملتقى هذا العام، هو التأكيد على أن الصوفية دائماً تهتم بالقرآن الكريم، والزوايا الصوفية فى السابق كان دورها الأساسى تحفيظ القرآن الكريم، والصوفية دائما يهتمون بالقرآن، ويعلّمونه ويدرسون علومه، وكان النبى، قرآناً يمشى على الأرض، ومؤسسة الملتقى والطريقة القادرية البودشيشية، تسعيان إلى التأكيد على أهمية القرآن الكريم فى كافة المنتديات والملتقيات، وذلك من خلال تحفيظ شباب وأطفال الطريقة للقرآن الكريم، وعمل مسابقات بشكل دائم، لحث الشباب على الاجتهاد فى هذا الحقل المهم.
الصورة الصحيحة
· فى الفترة الأخيرة صُدَّر التصوف ليكون هو الصورة البديلة للإسلام السياسى، بعد أن اكتوى لعالم بنيران الإرهاب والتطرف، فهل تتفق مع هذا؟
** التصوف لا يخدم أجندات معيّنة، فالصوفية لا يلعبون لصالح أمريكا أو أوروبا، أو يواجهون التطرف نيابة عن أحد، فالتصوف منسجم مع مقاصد وتعاليم الشريعة، وهو البحث عن الأخلاق وهو البُعد الإحسانى، وأحسن كما أحسن الله إليك، وبهذا تجعل من العدو صديقاً، وذلك بالأخلاق، والقرآن الكريم تناول هذا الجانب، فقال جلّ وعلا: "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"، و"قل إنما حرّم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن"، وهذا دليل على أن كل تصوف شعاره الأخلاق.
و"الإسلاموفوبيا" ناتج عن إسلام بعيد عن حقيقة الإسلام، لأن الإسلام "يُسر لا عُسر"، وكما قال النبى "بشّروا ولا تُنفّروا"، والإسلام مقصده الأخلاق، وأقرب الناس إلى الله أنفعهم لعياله، والمسلمون يجب أن يكونوا سفراء لهذه الأخلاق، ويجب علينا تجسيد معانى القرآن الكريم، خُلُقاً وفعلاً وحالاً، وتصير النفس مستبشرة بهذه الأفعال.
وصورة الإسلام فى العالم الغربى قاتمة، وأنا عضو فى مجلس الديانات الفرنسى، وعندما نذكر الإسلام تحدث أزمة كبيرة، لأنه طُبعت لديهم صورة سيّئة عن الإسلام، ولذلك يجب علينا جميعاً أن نكون سفراء للإسلام، يجب علينا تحسين صورة الدين وفهمه.
تجديد الخطاب
· ما هو مفهوم تجديد الخطاب الدينى من وجهة نظر الصوفية؟
** هو فقه الأخلاق، والصوفية يعكسون جانبا مهما من الجوانب التى أُغفلت من قِبل العلماء والباحثين والمفسرين، فقد قال النبى: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وماله ونفسه"، وهذا يؤكد أنه عندما تحب شيئا معيّنا، يكون نموذجاً لك، وهو عين الرحمة، والرحمة المهداة، وحوار الأديان شىء مهم، حتى نبيّن للآخر أن ديننا يحترم الجميع، ولابد من الاستمرار بالذكر حتى نجد السُبل والطُرق مع الله تعالى، والحل الوحيد لتجديد الخطاب هو الحوار مع أصحاب الديانات الأخرى، حتى نخرج بحلول نهائية، ونعرّف الطرف الآخر، وجهة نظرنا، وماذا نقصد؟ وماذا يريد هو؟ يجب أن نفتح الحوار مع الجميع.
طموحات صوفية
· هل تحمل الطريقة القادرية البودشيشية على عاتقها أعباء وطموحات أهل التصوف حول العالم الإسلامى؟
** أنا جزء من هذه الطريقة وأتفاعل معها، وعلمت أن حقيقتها هى علم وعمل، وقصدها هى تصفية النفس من الأمراض والقاذورات والأدران، لأن تلقى الله بقلب سليم، كما أن الطريقة تعلّم مريديها أن التصوف ليس عبادة الأشخاص، بل أن التصوف أخلاق فى المرتبة الأولى، فمن زاد عنك فى التصوف زاد عنك فى الأخلاق، وشيخ الطريقة القادرية البودشيشية مولانا الشيخ جمال الدين القادرى بودشيش، يعلّمنا دائما الأدب ومحبة الآخر، والاجتهاد فى عملنا خلال حِلِّنا وتراحلنا لأن الله عزَّ وجلَّ يراقبنا فى كافة أحوالنا، وصُحبة الشيخ تجعلك تتعلق بالله، فمن عرف العارف فهو عارف، والشيخ يكون دالا عن الله، وهو الذى بصحبته تتغير أحوالك، والشيخ يغيّر سلوك مريديه بالمحبة والأدب والتواضع، كما أن الطريقة القادرية البودشيشية، تعمل جنباً إلى جنب مع الطرق الصوفية الأخرى، فهى لا تفرض وصاية على أحد، ولكنها تعمل بكل ما أوتيت من قوة، ومريدوها يعلمون جيداً الدور الذى يقومون به، وقد شارك هذا العام قرابة الـ 300 ألف مريد أو ما يزيد فى فاعليات الملتقى الصوفى العالمى، وهذا يؤكد قوة الطريقة فى الداخل والخارج.
والطريقة القادرية البودشيشية لم تجد الطريق أمامها مفروشا بالورود، بل إنها اجتهدت وصبرت وعملت ليلا نهارا من أجل أن تصل لما وصلت إليه حاليا، والطريقة بالفعل تحمل على عاتقها أعباء وطموحات أهل التصوف، ولذلك عندما يأتى أى مريد صوفى من دول أخرى ويرى الطريقة والنظام الخاص بها، يقول: نتمنى أن تصبح طريقتنا مثل طريقتكم! وهذا يؤكد أن الطريقة القادرية البودشيشية وصلت لمرحلة متقدمة، وذلك بفضل المولى سبحانه، ثم الملك محمد السادس الذى يقدّم اهتماما بالغا بالزوايا الصوفية، وذلك لأنه يعلم جيداً دور الزوايا فى الحفاظ على الهُوية الدينية للأمة.
اترك تعليق