مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، ظهرت العديد من المسابقات والألعاب الإلكترونية التي تتخذ شكل القمار، مثل "صناديق الحظ"، حيث يدفع المشترك مالًا مقابل فرصة ربح أو خسارة تعتمد على الحظ. والمال في الإسلام مصان، لذا حرَّم الشرع القمار بكل صوره وأشكاله، محذراً من إضاعة الأموال بغير حق.
وعن حكم الاشتراك في مسابقات صناديق الحظ؟ التي تطلقها بعض المواقع والمنصات الإلكترونية اكدت دار الإفتاء أن الشريعةُ الإسلاميةُ جَعَلَت حِفظَ المال مِن مقاصدها الكبرى، فأناطت بذلك ثُلَّةً مِن الأحكام الشرعية الضابطة للمعاملات المالية بين الناس، تَرفع عنهم مراعاتُها الشقاقَ والاختلاف، وتحفظ أموالَهم مِن شتَّى صور الضياع، مِن نحو غشٍّ، وقِمَارٍ ونهبٍ وخِداع وغير ذلك مما منعه الشرع الشريف.
قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 188].
وأوضحت أن "مسابقة صناديق الحظ" -كما وَرَد في السؤال- عبارة عن منافسةٍ مدَارُها على النَّصيبِ والحظِّ في اختيار الصندوق أو الرَّقم الفائز المشتمل على المكسب، وتجنب اختيار الصندوق أو الرقم الفارغ الخاسر، مع التزام المتسابق بدفع مبلغ مالي يتيح له إجراء عملية الاختيار في تلك المسابقة، ولا يقبل الاسترداد حتى مع الخسارة.
والاشتراك في مسابقاتٍ مشروطةٍ بدفع مبالغ ماليةٍ، مع تردُّد النتيجة فيها بين الكسب والخَسارة، بحيث إذا أصاب في الاختيار رَبِحَ، وإلا خَسِرَ كلَّ مالِه أو بعضَه -يُعَدُّ صورةً مِن صور المقامرة.
قد حرَّم اللهُ اتِّخَاذَ الميسر وسيلةً للكسب، فقال جَلَّ وَعَلَا في محكم التنزيل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 90].
وجاء في السُّنَّة النبوية المطهرة عن قَيْس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ رَبِّي حَرَّمَ عَلَيَّ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ.. الحديث» أخرجه الأئمة: ابن أبي شيبة في "المصنف"، وأحمد في "المسند"، والبيهقي في "السنن الصغرى" وقال: "ورُوِّينا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: الميسر: القمار".
فالميسر هو القمار، وسُمِّيَ بالميسر اشتقاقًا مِن اليُسر؛ إذ يحصل فيه المقامِرُ على المال بيُسرٍ وسهولةٍ إن كان له نصيبٌ في المكسب، وإلا خسر ما قدَّمه مِن المال.
وقد حدَّد الشَّرع الشريف للعباد طُرُقَ الكسب الحلال، وأسبابَ المِلك، ولم يَجعل المقامرةَ سببًا منها. وأجمع الفقهاءُ على حرمة الميسر والمقامرة، ونقل الإجماعَ على ذلك غيرُ واحدٍ مِن العلماء.
وقد مَنَعَ الشرعُ الشريف إضاعةَ المال أو إتلافه؛ لأنَّه جعله وسيلةً لقيام الحياة الدنيا، قال تعالى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ [النساء: 5]. وعن المُغِيرَة بن شُعْبَة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ» متفقٌ عليه.
وبناءً على ذلك: فإنَّ كلَّ ما تَطَلَّب مِن المرءِ دفع مالٍ، وتردَّد فيه بين المكسَب والخَسارة، سواء رَبِح أكثر أو أقل منه، أو خسر ما دفعه كلَّه أو بعضَه، وكان الاعتماد في تحديد ذلك على الحظِّ والنَّصيب -كان مِن الميسر والقمار، وهو محرَّمٌ شرعًا بنصِّ القرآن والسُّنة، وإجماع الأمَّة.
وفي واقعة السؤال: الاشتراك في المسابقة المذكورة المسماة بـ"مسابقة صناديق الحظ" يُعَدُّ مِن باب المقامَرة، وهي حرامٌ شرعًا، ويجب على المسلم البُعد عن طُرُقِ إضاعة المال، وأن يقصد بماله سُبُل الكَسبِ الحلال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
اترك تعليق