هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

خبيرة نفسية تحذر من التلاعب العاطفي بالذكاء الاصطناعي

في ظل التوسع المتسارع لتقنيات الذكاء الاصطناعي وتغلغلها في منصات التواصل الاجتماعي، أصبح الجمهور يوميًا أمام موجة من المقاطع العاطفية التي تبدو حقيقية، لكنها في الواقع ليست إلا منتجًا رقميًا مفبركًا صمم بدقة ليؤثر على المشاعر ويستحوذ على الانتباه. ورغم اعتقاد البعض أن هذه المقاطع مجرد ترفيه، يرى خبراء الصحة النفسية أن تأثيرها أعمق بكثير، وقد يصل إلى تشويه الوعي المجتمعي وإحداث اضطرابات نفسية لدى الفئات الأكثر حساسية.


تقول الدكتورة خديجة عبدالغفار، خبيرة الصحة النفسية والعلاج المعرفي السلوكي بجامعة حلوان أن أخطر ما في هذه المقاطع أنها صممت لخلق ما يسمى بالاستجابة الانفعالية الفورية، وهي استجابة سريعة تغلب التكير المنطقي وتستغل طبيعة الدماغ البشري المصممة للاستجابة للمشاهد قبل تحليلها. وتضيف أن مقاطع مثل بكاء طفل، أو رجل يحمل زوجته المريضة، أو دعاء حزين على الأب، جميعها تُصنع بالكامل بالذكاء الاصطناعي، لكنها تؤثر في المشاعر كما لو كانت حقيقية، وهذا بالضبط ما يستغله المزيفون لتحقيق أعلى نسب مشاهدة وتحويل التعاطف إلى أرباح.

وتشرح الدكتورة خديجة أن المزيفين يعتمدون على معرفة دقيقة بما يتفاعل معه الجمهور، مستغلين الترندات العاطفية لإنتاج عشرات الفيديوهات المشابهة عبر تقنيات جاهزة، لتظهر في قائمة المحتوى الرائج، وهو ما يخلق شعورًا لدى المتابع بأن ما يشاهده حقيقي وعاطفي. موضخة أن الذكاء الاصطناعي لا يكتفي بتقليد الواقع، بل يصنع صورًا أكثر مثالية وأكثر إثارة للانفعال، وهو ما يجعل المشاهد يتأثر بصورة أكبر من أي حدث حقيقي، حتى قبل أن يبدأ العقل في التساؤل عن صدق ما يشاهده.

وتشير إلى أن 70% من قرارات التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي تعتمد على الإدراك الانفعالي، وليس على التفكير التحليلي. لذلك، يحدث أن يتأثر المشاهد قبل أن يسأل نفسه: هل هذا حقيقي؟ ومع التكرار المستمر، يؤدي ذلك إلى إرهاق عاطفي، ونوبات قلق بعد المشاهدة، وشعور بالمقارنة غير الواقعية، وانخفاض قيمة الذات، وهي مشكلات لاحظت ظهورها مؤخرًا بين المراهقين والنساء في عيادات الصحة النفسية.

وعندما يتعلق الأمر بالأطفال والمراهقين، فإن الخطر يصبح مضاعفًا. فالأطفال لا يملكون القدرة الناضجة على التمييز بين الواقع والخيال، ومشاهدة فيديوهات مصنوعة بالذكاء الاصطناعي تعيد تشكيل تصورهم عن الأسرة والمشاعر والأمان. وتؤكد أن هذه المقاطع تضع الأطفال والمراهقين في حالة مقارنة مستمرة بين حياتهم وبين عالم وهمي مثالي، مما يؤدي إلى تشوه صورة العلاقات، وتراجع تقدير الذات، وانخفاض الشعور بالأمان الأسري، وزيادة الحساسية العاطفية.

وترى استشارى الصحة النفسية أن التطور الحالي للذكاء الاصطناعي لم يعد مقتصرًا على صناعة مقاطع عاطفية، بل يمتد ليشمل الابتزاز العاطفي والتشهير، حيث يمكن تركيب وجوه أشخاص في مواقف حساسة أو تلفيق قصص إنسانية ضدهم، بل وإنشاء فيديوهات موجهة تستهدف شخصيات معينة. وتوضح أن هذا الخطر يتجاوز مجرد المحتوى المؤثر، ليصل إلى إمكانية خلق واقع كامل يُستخدم ضد أشخاص لا علاقة لهم به، مما يضاعف المسؤولية على منصات التواصل والجمهور.

كما تؤكد على أهمية تعليم الناس كيفية التعامل مع المحتوى الرقمي بشكل إيجابي، وأن يسألوا أنفسهم دائمًا هل هذا حقيقي أم مصنوع؟ كما توضح أن تقليل التعرض للمحتوى العاطفي المكثف يساعد على حماية الجهاز النفسي من الإرهاق، وأن رفع وعي الأسر والأطفال من خلال التدريب على الفصل بين الواقع والخيال يعد خطوة أساسية للوقاية. وتشير أيضًا إلى ضرورة دعم القوانين التي تُلزم صانعي المحتوى بالإفصاح عن استخدام الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تشجيع الجمهور على متابعة المحتوى الحقيقي والموثق كبديل صحي للمحتوى الوهمي.

وتحذر الدكتورة خديجة عبد الغفار استشارى الصحة النفسية أن أخطر ما يواجه المجتمع اليوم ليس الذكاء الاصطناعي نفسه، بل استخدامه كأداة للتلاعب بالمشاعر وصناعة واقع غير موجود، يبتلع الجمهور نفسيًا، مؤكدة أن الوعي هو السلاح الأول لحماية الناس وإعادة ضبط علاقتهم بما يشاهدونه على المنصات الرقمية.





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق