في خطوة تُعد تقدمًا كبيرًا في مجال الطب التجديدي، كشف باحثون من مايو كلينك عن آلية جزيئية داخل خلايا الرئة تُحدد ما إذا كانت الخلايا تكرّس جهودها لإصلاح الأنسجة أو لمكافحة العدوى. هذا الاكتشاف، الذي نُشر في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز، قد يُمهّد لتطوير علاجات مبتكرة قادرة على استعادة توازن الرئة في الأمراض المزمنة مثل التليف الرئوي ومرض الانسداد الرئوي المزمن.
وفق "ساينس ديلي"، أوضح الدكتور دوغلاس براونفيلد، الباحث الرئيسي في الدراسة، أن المفاجأة الكبرى كانت في اكتشاف أن خلايا الرئة لا يمكنها أداء مهمتي الإصلاح والدفاع في آنٍ واحد، إذ يختص جزء منها بإعادة البناء بينما يتولى الآخر مهمة الحماية. وبيّن أن فهم "المفتاح" الذي يتحكم بهذا الانقسام الوظيفي قد يُتيح للأطباء مستقبلاً إعادة التوازن حين يختل بسبب المرض.
تركّز الدراسة على خلايا الحويصلات الهوائية من النوع الثاني (AT2)، وهي خلايا مميّزة تجمع بين وظيفتين أساسيتين: الحفاظ على الحويصلات الهوائية مفتوحة للتنفس، والعمل كخلايا جذعية قادرة على تجديد خلايا الحويصلات من النوع الأول (AT1) المسؤولة عن تبادل الأكسجين.
ورغم معرفة العلماء منذ زمن بصعوبة تجدد هذه الخلايا في أمراض مثل التليف الرئوي أو كوفيد-19، إلا أن الآلية وراء هذا الضعف ظلت لغزًا حتى الآن.
وباستخدام تقنيات تسلسل الخلية الواحدة والتصوير المتقدم، تتبّع فريق مايو كلينك دورة حياة خلايا AT2 منذ ولادتها وحتى نضجها، ليكتشفوا أن مرونتها لا تدوم سوى أسبوع إلى أسبوعين قبل أن تتخصص نهائيًا.
ويتحكم في هذا التحول ثلاث جزيئات رئيسية هي PRC2 وC/EBPα وDLK1، حيث يعمل C/EBPα بمثابة “مشبك” يمنع الخلايا من استعادة خصائصها الجذعية إلا عند إزالة هذا القيد أثناء إصلاح الأنسجة بعد الإصابة.
ويفسّر هذا "المفتاح" أيضًا سبب بطء تعافي الرئة أثناء العدوى، إذ تضطر خلايا AT2 للاختيار بين الدفاع أو التجدد، ولا يمكنها الجمع بينهما في الوقت نفسه.
ويقول براونفيلد: "الأمر لا يتعلق فقط بتحفيز الخلايا على العمل، بل بفهم القيود الجزيئية التي تُبقيها في وضع محدد وكيفية رفعها بأمان".
تفتح هذه النتائج الباب أمام علاجات تجديدية جديدة يمكنها تحفيز خلايا AT2 لإصلاح الأنسجة بكفاءة أكبر أو الحد من التندب الرئوي، ما يُعد إنجازًا محتملاً في مكافحة أمراض الرئة المستعصية. كما قد يساعد هذا الفهم الأطباء في رصد العلامات المبكرة للمرض وتطوير مؤشرات حيوية تكشف عن الخلل في مرحلة مبكرة يسهل فيها العلاج.
ويأتي هذا الاكتشاف ضمن مبادرات Precure وGenesis في مايو كلينك، واللتين تهدفان إلى الوقاية من فشل الأعضاء واستعادة وظائفها الطبيعية من خلال الطب التجديدي، في خطوة قد تغيّر مستقبل علاج أمراض الرئة المزمنة.
اترك تعليق