أعرق الصحف المسائية في الشرق الأوسط.. تستكمل مشوارها في دعم الوطن والمواطن
صاحبة تاريخ صحفي عريق.. وصاحبة أفضال كبيرة علي كبار الكُتّاب والشعراء والرياضيين
رصدت بالكلمة والصورة حرب أكتوبر 1973 ونقلت فرحة المواطنين بالنصر العظيم
لها دور كبير في نشر لعبة "كرة القدم" في مصر.. مع التليفزيون والإذاعي "فهمي عمر"
عناوينها الكروية تذكرها الجماهير إلي الآن.. وبعضها أصبح "لزمة" شعبية في أحاديثنا
توقف الإصدار الورقي.. لم يمنع الأجيال الحالية لمواصلة الإبداع في النسخة الإلكترونية
"المساء" الجريدة العريقة. تحتفل هذا الأسبوع بمناسبتين خاصتين.. الاولي عيد ميلادها الـ 69. الذي يتواكب مع انتصارات اكتوبر. حيث صدر العدد من أعرق الصحف المسائية في الشرق الأوسط في 6 اكتوبر عام 1956.. والمناسبة الثانية صدور العدد رقم 25 ألف. وهو رقم يدعو للفخر. لإصدار يملك كل هذا التاريخ العريق. الذي يفوق عمر دول كثيرة بالمنطقة.
"المساء" صدرت في عام 1956 برئاسة خالد محيي الدين وهو أحد الضباط الاحرار. وكان لها دور وطني كبير خلال تاريخها الممتد منذ العدد الاول. حيث كانت المنطقة مشتعلة علي أعقاب قرار تأمين قناة السويس وهجوم انجلترا وفرنسا ومعهما اسرائيل علي مصر فيما يعرف بالعدوان الثلاثي. ومنذ صدورها وقامت "المساء" بدعم الجبهة الداخلية- كعادتها- من خلال موضوعات صحفية حية. حيث قامت بإرسال مندوب لها إلي جبهة القتال ببورسعيد. بخلاف مقالات الرأي والتقارير الإخبارية الداعمة.
"المساء" ولدت عملاقة منذ العدد الأول وكانت تمثل تيار اليسار. ولكن استطاعت من خلال تنوعها وإبداعها أن تقدم كل ما هو جديد في كل فنون الصحافة. ويكفي أن العدد الثاني من "المساء" احتوي علي تصريحات خاصة من الزعيم جمال عبدالناصر. بخلاف تصريحات خاصة من كبار المسئولين.
ضمت "المساء" عدداً كبيراً من كبار الكُتّاب والصحفيين. الذين كانوا في ذلك الوقت نجوماً تتلألأ في سماء النقد والأدب. ويكفي أن الصفحة الأخيرة من الجريدة كانت تضم مقالات وقصصاً لكبار النقاد في ذلك الوقت مثل الاديب الكبير يوسف إدريس. والأديب نعمان عاشور. والكاتب الكبير لطفي الخولي. والإذاعي الكبير طاهر أبوزيد. والكاتبة الكبيرة هدي توفيق. والكاتبة الكبيرة زينب صادق. والكاتب الكبير سعد التايه. والكاتب الكبير محمد عودة. والكاتب الكبير عاشور عليش.
اهتمت "المساء" منذ عددها الأول بالقومية العربية وبكل قضايا التحرر في أفريقيا. وأفردت صفحاتها لكل الموضوعات التي تدعم الاستقلال والتحرر منه. ودعمت الجزائر والمغرب في حربهما ضد الاستعمار من خلال تقارير وموضوعات. وصلت إلي حد تخصيص "مانشيتات" الصفحة الأولي في أحد الأعداد إلي دعم الثورة علي الاستعمار في المغرب والجزائر في يومين متتاليين. بخلاف نشر موضوع علي الصفحة الاخيرة بعنوان "أفريقيا علي طريق الحرية".
وصل إبداع "المساء" في الاهتمام بصحافة المواطن إلي تخصيص تحقيق صحفي محلي يناقش القضايا الداخلية التي تهم المواطن.. ولهذا كانت "المساء" بالفعل صحيفة المواطن منذ العدد الأول. الذي احتوي تحقيقاً صحفياً عن منطقة معروفة في وسط البلد ومشاكلها ورأي السكان. وأيضا خصصت "بوكس كبير" بالصفحة الأولي كإشارة لهذا التحقيق.. وبهذا دشنت "المساء" عُرفاً صحفياً وقاعدة تحريرية وهي وضع المواطن في مقدمة أولوياتها الصحفية. فهي كانت ومازالت صوت المواطن البسيط.
"المساء" كانت دائما في بؤرة الحدث. وخلال حرب أكتوبر تفاعلت مع كل الاحداث والتزمت بخطة الخداع الاستراتيجي. ونشرت في يوم السادس من أكتوبر "إسرائيل تمهد لعدوان جديد علي الدول العربية". ونشرت أيضاً "المصادر الإسرائيلية تعلن أن إسرائيل تمهد للعدوان بحملة دعائية واسعة حول وجود حشود عربية". ونشرت يوم 7 أكتوبر: قواتنا تواصل تقدمها في سيناء. القوات المصرية تتدفق عبر قناة السويس وتواصل تقدمها صباح اليوم والاشتباكات الأرضية والجوية مستمرة. تدمير 5 قطع بحرية للعدو و27 طائرة و60 دبابة و115 موقعاً حصيناً وأسر عدد من جنود العدو. والقوات السورية تواصل تقدمها في هضبة الجولان وتسقط 10 طائرات وتغرق 4 قطع بحرية.
كما اهتمت "المساء" بالسينما والإذاعة. اللذين كانا في أوج ازدهارهما في ذلك الوقت. وقدمت أخبار الممثلين والمطربين وآخر أخبار الافلام الجديدة. والجميل أنها نشرت الدراسات التحليلية عن السينما ونجومها بلغة راقية وبسيطة في الوقت نفسه. واحتوي العدد الاول خبراً عن فيلم "دليلة" للمطرب الكبير عبدالحليم حافظ والفنانة الكبيرة شادية. واستمرت "المساء" في دعمها لكل الفنون. خاصة مع افتتاح التليفزيون عام 1960. وكانت فرصة طيبة لتقديم النجوم الجدد. وبالفعل "المساء" كانت صاحبة الفضل علي عدد كبير من كبار النجوم. حيث قدمت في أحسن صورة ونشرت أخبارهم ومعرفتهم بالجمهور.
كما أن "المساء" صاحبة فضل كبير علي أجيال كبيرة ومتعددة من الأدباء والشعراء. حيث كانت تقيم صالونات أدبية أسبوعياً وتنشر ملحقاً أيضا كل أسبوع لتقديم الوجوه الأدبية في الأقاليم. وكانت منبراً لهم. وكان يقود ذلك العمل العمالقة عبدالفتاح الجمل وفتحي عبدالفتاح ومحمد جبريل. وهذه الأسماء بالفعل كانت صاحبة الفضل علي أجيال متعددة من الأدباء.
أما في الرياضة. فتعتبر "المساء"- دون تحيز- صاحبة الفضل في نشر كرة القدم في مصر مع التليفزيون. الذي تم افتتاحه بعدها بـ 4 سنوات وأيضا مع الإذاعي الكبير فهمي عمر. الذي كان يقدم تقريراً رياضياً يومياً في الإذاعة يتابعه الملايين.
"المساء" كان ينتظرها الكثيرون بمجرد طبعها. لمتابعة ما يكتبه كبار النقاد الرياضيين عن المباريات وعن اللاعبين.. وأيضا- دون تحيز- "المساء" سبقت عصرها بما لا يقل عن 50 عاماً فيما كانت تقدمه عن الكرة من خلال إحصائيات ورسوم بيانية وصور كبيرة لم تكن موجودة وقدمتها تواً القنوات الرياضية الحالية في بداية الألفية الجديدة مثل إحصائيات اللاعب خلال المباراة "عدد التمريرات. وعدد التصويبات علي المرمي. وعدد المراوغات".
كما احتوت الأعداد الاولي أيضا علي وضع تشكيل الفريقين من خلال صور للاعبين ووضعهم علي صورة الملعب بالحجم الكبير. وهذا يعتبر إبداعاً في ظل إمكانات ذلك العصر.
هذا بخلاف مانشيتات الرياضة في "المساء". التي تغنت بها الجماهير ومازالت. مثل مانشيت "يا خرابي يا عرابي" وايضا "زكريا قال للمأمور عينك ما تشوف إلا النور" من خلال مبدعين سبقوا عصرهم مثل النقاد الكبار حمدي النحاس وفاروق يوسف وناصف سليم وعبدالفضيل طه وسمير عبدالعظيم وسامي عبدالفتاح.
يعلم الكثيرون أن الناقد الرياضي الكبير عبدالمجيد نعمان بدأ حياته الصحفية في "المساء". وكان له دور كبير في اهتمام الجريدة بالرياضة. التي أفردت مساحات كبيرة للرياضة في وقت كانت كل الصحف وقتها تخصص مساحات صغيرة جداً علي استحياء.
لا ننسي رسام الكاريكاتير الكبير مصطفي حسين. الذي بدأ حياته الصحفية أيضا في "المساء". قبل أن ينتقل لاحقاً إلي "أخبار اليوم". وبسببه اهتمت "المساء" بفن الكاريكاتير واعتبرته أحد الفنون الصحفية المهمة. حتي وصل الأمر في بعض الأيام إلي نشر كاريكاتير في الصفحة الأولي وهذا لم يكن يحدث. ولكنه ابتدعته "المساء". وللأمانة ظلت "المساء" تقوم بدورها الوطني ومرت ببعض العثرات ونجحت في تخطيها. حتي بعد توقف إصدار العدد الورقي في 15 يوليو عام 2021. أبي صحفيوها أن يستسلموا. وظلوا يقدمون النسخة الإلكترونية من الجريدة بنفس المستوي والجودة. صحافة مختلفة. قوامها دعم الوطن اولاً. ثم المواطن ومشاكله ثانياً.
مع بلوغ "المساء" 69 عاماً ووصولها لـ "العدد 25 ألف". نقول لها: كل عام وانتِ منارة للعلم والثقافة والتنوير. ومحطة مهمة في المشوار الصحفي للوطن. تؤدين دورك الوطني. وتتبنين قضايا الوطن والمواطن بلا كلل أو ملل. وتظلين سلاحاً للمواطن ودرعاً للوطن ضد كل المتربصين والكارهين.
اترك تعليق