لم يعد المسجد مجرد منارة للعبادة، بل أصبح اليوم مركز إشعاع حضاري يجمع بين أصالة القيم وضرورة التطلع للمستقبل. وتأكيدًا لهذه الرؤية الطموحة، انطلقت لأول مرة في مصر المبادرة الوطنية للتحول الرقمي في المساجد،تحت رعاية وزارة الأوقاف ،كجسر معرفي يربط الأجيال الجديدة بالعصر الرقمي. هدفها الأسمى هو تدريب الأطفال على استخدام التقنيات الحديثة ببراعة ووعي، ليس مجرد للاستهلاك، بل للإبداع في توصيل القيم والأخلاقيات التي يتعلمونها من رحاب المساجد، وفي التعبير عنها بلغة تتناسب مع لغة العصر: لغة الابتكار الرقمي.
وفي مشهد يرسخ مفهوم "المسجد المتجدد"، احتفي مسجد عمر ابن الخطاب بمنطقه شبرا بالقاهرة بتكريم الدفعه الاولى من طلاب التحول الرقمي بالمسجد والذي ترأس مجلس إدارته الأستاذة حنان فراج والتي صرحت بأن هؤلاء الطلبة، الذين أتموا بامتياز المستوى الأول في الذكاء الاصطناعي على مدار ثلاثة أشهر، يمثلون نموذجًا للجيل الذي يحمل القيم في قلبه والتقنية في يده. هذا التكريم هو إعلان صريح عن ريادة تجمع بين التاريخ والمستقبل.
وتؤكد الإعلامية رضا الكرداوي، مؤسسة هذه المبادرة ، على هذا الارتباط العميق بالماضي المشرف والحاضر المتطور، قائلة: "لقد كان علماء العرب والمسلمين روادًا في الطب والهندسة والفلك وغيرها، مُشكلين بذلك القاعدة التي بُنيت عليها النهضة العالمية. واليوم، نرى جامعة الأزهر تحتضن كليات علمية وتطبيقية كالطب والهندسة والصيدلة إلى جانب صروحها الشرعية."
وتضيف الكرداوي: "من هذا المنطلق الفكري المتكامل، انطلقت مبادرة التحول الرقمي في أنشطة رواق المساجد. هدفنا هو تسليح طلابنا بأدوات الذكاء الاصطناعي، التي تمكنهم من التعمق في العلوم وتحويل المفاهيم والمعاني الروحية والتربوية إلى منتجات رقمية مذهلة. هذه هي لغة العصر التي يجب أن نتحدث بها مع الجيل ألفا، وهو الجيل الرقمي بامتياز الذي وُلد بين عامي 2010 و2025."
إن هذه المبادرة ليست مجرد دورات تدريبية، بل هي صياغة لهوية رقمية مستنيرة تضمن للجيل الصاعد ألا يكون متلقيًا سلبيًا للتقنية، بل صانعًا ومؤثرًا إيجابيًا يستخدم أحدث أدوات العصر لنشر الخير والقيم. لقد بدأت المساجد بالفعل في تخريج رواد لا يخشون المستقبل، بل يصنعونه بأنفسهم.
اترك تعليق