منذ القدم، يسطر المصرى التاريخ بأحرفى من نور، ويسجل على جدران المعابد حضارةً عريقة.. امتلك القوة ودوّنها فى البرديات، وظهر ذلك جليًا فى الصناعات العسكرية التى بدأها المصرى القديم، ومر الزمان وتطورت الصناعات العسكرية إلى أن وصلنا ليومى نحتفل فيه كل عام بإنتاج أول طلقة ذخيرة داخل "مصنع 27 الحربي" التابع لوزارة الإنتاج الحربي، يوم 23 أكتوبر 1954، ومنذ هذا التاريخ أصبح هذا اليوم عيدًا للإنتاج الحربي، وتوالى إنشاء المصانع ليظهر دور الوزارة فى حرب أكتوبر المجيدة، لتستحق "قلادة الجمهورية" تقديرًا لما قدمته الصناعات العسكرية خلال معركة العزة والكرامة.
وعقب النصر وحتى اليوم استمرت مسيرة العمل والبناء والتطوير، إيمانًا من أبناء الإنتاج الحربي برسالتهم السامية، وهى تلبية مطالب القوات المسلحة والشرطة للقيام بمهامهم بكفاءة واقتدار، وهو ما يجعل وزارة الإنتاج الحربي ركيزة أساسية للتصنيع العسكرى فى مصر.
كان لشركات الإنتاج الحربي دور فى حرب أكتوبر المجيدة وأسهمت فى تحقيق النصر، فقد قامت شركة أبى قير للصناعات الهندسية "مصنع 10 الحربي" بعدد من المهام الخاصة التى كلفت بها الشركة خلال المواقف الحرجة بعمليات 1973 من خلال تحقيق مطالب القوات المسلحة من ذخيرة الأسلحة الصغيرة حيث استمر الإنتاج بالشركة لمدة 24 ساعة/اليوم فى هذه الظروف، كما وفرت الشركة معدات التطهير للأفراد والمعدات لسلاح الحرب الكيماوية إلى جانب مطالب إدارة التعيينات بالقوات المسلحة من خطوط إنتاج الخبز الثابتة والمتنقلة ومقطورات الطهى.
وتعاونت شركة أبو زعبل للكيماويات المتخصصة "مصنع 18 الحربي" مع إدارة المهندسين فى تطوير صاروخ إزالة حقول الألغام وتم تحقيق المطلوب بنسبة كفاءة عالية وبالكم المطلوب وفي المواعيد المحددة، كما تم تطوير صاروخ فك الطابات أثناء المعركة.
وفيما يتعلق بتطوير الصواريخ والقذائف المدفعية قام "مصنع 18 الحربي"، بالتعاون مع عدد من الجهات المعنية بالدولة، بتطوير العديد من مشروعات التطوير الخاصة بالقوات المسلحة إما عن طريق المشاركة الفعلية فى العمل ذاته أو عن طريق دعم خدمات معملية للقياسات الخاصة بهذه المشروعات.
قامت شركة هليوبوليس للصناعات الكيماوية "مصنع 81 الحربي" بالمشاركة فى إنتاج الذخائر المضادة للطائرات، وللمدفعية، ولزيادة القدرة القتالية النوعية لقواتنا المسلحة تم في بداية السبعينات إنتاج الذخيرة الثقيلة من خلال رخصة تصنيع روسية.
أما بالنسبة لشركة حلوان للصناعات الهندسية "مصنع 99 الحربي" فقد مر الإنتاج العسكرى فيها بمرحلتين، الأولى منذ عام 1958 وحتى عام 1967 والتى نجحت الشركة خلالها فى إنتاج ذخيرة الأعيرة الغربية والشرقية الثقيلة، والمرحلة الثانية هى مرحلة ما بعد نكسة 1967 وحتى عام 1973 والمستمرة حتى الآن والتى تتمحور حول تطوير وزيادة الطاقات الإنتاجية وفى هذه المرحلة نجحت الشركة فى إنتاج ذخائر المدفعية والدبابات بمختلف أنواعها وكذا أعيرة الهاون والصواريخ جراد وقنبلة تدمير الممرات ومجموعة الألغام وأجزاء تجميع بتشورة الرادار.
دعمت شركة حلوان للأجهزة المعدنية "مصنع 360 الحربي" القوات المسلحة بإنتاجها من الأجسام من ألغام م/د المضادة للدبابات من عام 1969 حتي عام 1977 وكباري المواصلات.
وقامت شركة حلوان للآلات والمعدات "مصنع 999 الحربي" بجميع المهام الخاصة التى كُلفت بها خلال حرب عام 1967 وخلال فترة حرب الاستنزاف حتى حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، وفي عام 1970 بدأت الشركة الإعداد لإنتاج مدفع الهاون حيث تم إنتاج عدد (5) مدافع عام 1972 وعدد (18) مدفعاً خلال عام 1973 والتي استخدمتها القوات المسلحة خلال عبور قناة السويس فى حرب أكتوبر المجيدة.
مُنحت "الإنتاج الحربي" قلادة الجمهورية، أحد أرفع الأوسمة المصرية، تقديرًا لما قدمته الجهات التابعة للوزارة من خدمات جليلة للبلاد خلال حرب أكتوبر 1973.
منح رئيس الجمهورية الأسبق محمد أنور السادات "قلادة الجمهورية" لوزارة الإنتاج الحربي تنفيذاً للقرار الجمهورى رقم (989) الصادر فى 12 أكتوبر 1975، تقديرًا لما أدته الجهات التابعة للوزارة من خدمات جليلة للبلاد خلال حرب أكتوبر 1973، وتسلّم القلادة والبراءة الخاصة بها المهندس جمال الدين محمد صدقى وزير الدولة للإنتاج الحربي آنذاك، والذى تولى الحقيبة الوزارية فى الفترة من 19 مارس 1976 حتى 8 مايو 1978.
وتعد قلادة الجمهورية من أرفع الأوسمة المصرية ويمنحها رئيس الجمهورية لرؤساء الدول ولأولياء العهود ولنواب الرؤساء كما يجوز منحها للمواطنين المشهود لهم بالكفاية والتفاني فى خدمة الوطن ولغير المواطنين الذين يقومون بخدمات جليلة للجمهورية أو للإنسانية، وذلك بموجب المادة (5) من القانون رقم (12) لسنة 1972.
انعكست حرب أكتوبر المجيدة على تأكيد أهمية الصناعات الحربية وتطويرها كمًا وكيفًا، فمنذ عام 1973 وحتى اليوم توالى تطوير الصناعات الحربية من خلال الانتقال إلى مرحلة إنتاج الأسلحة والمعدات الثقيلة مثل دبابة القتال الرئيسية "M1A1" ودبابة النجدة (M 88) والمواد القاذفة المتطورة لمحركات الصواريخ، وعقب مرور 52 عامًا على النصر العظيم لا تزال الجهات التابعة لوزارة الإنتاج الحربي مستمرة فى تلبية مطالب القوات المسلحة من مختلف الذخائر والأسلحة والمعدات العسكرية والأنظمة الإلكترونية المتطورة التى يتم إنتاجها وفقًا لأحدث التكنولوجيات العالمية، لتعزيز قدرة الدولة المصرية على صنع السلام وصون أمنها القومى ودعم سياسة القوات المسلحة التى ترتكز بصورة أساسية على تنوع مصادر التسليح.
وبعد عام 1973 تم إنشاء شركات جديدة تابعة للإنتاج الحربي، مثل شركة أبو زعبل للصناعات الهندسية "مصنع 100 الحربي"، ومصنع إنتاج وإصلاح المدرعات "مصنع 200 الحربي"، وشركة أبو زعبل للصناعات المتخصصة "مصنع 300 الحربي"، بالإضافة إلى شركة الإنتاج الحربي للمشروعات والاستشارات الهندسية والتوريدات العامة، وشركة تويا تكنولوجي لنظم المعلومات، وشركة الإنتاج الحربي للصيانة والتوريدات والحلول المتكاملة، إلى جانب مركز التميز العلمي والتكنولوجي. والتي ساهمت فى جعل منظومة العمل فى الإنتاج الحربي متميزة ومتكاملة وتلبى مختلف مطالب الصناعة.
وفى هذا الصدد. أكد المهندس محمد صلاح الدين مصطفي وزير الدولة للإنتاج الحربي، أن نصر أكتوبر 73 سيظل مصدر فخر واعتزاز لكل مصري، حيث سجلت قواتنا المسلحة الباسلة ملحمة وطنية ستظل محفورة فى التاريخ بحروف من نور.
كما أكد الوزير محمد صلاح، أننا نستلهم من هذا النصر العظيم روح العزيمة والفداء والإصرار والإرادة للحفاظ على الوطن وصون أمنه القومى، لافتًا إلى أن نصر أكتوبر يعد أحد أهم المحركات الأساسية الملهمة للمصريين لمواجهة كل الصعاب ومواصلة مسيرة البناء والتنمية، خاصةً فى ظل ما يحدث بالسنوات الأخيرة من تحديات عالمية لم تكن مصر بمنأى عنها، والتى ألقت بظلالها على سلاسل الإمداد ومعدلات النمو والتضخم والاقتصاد العالمى ككل، وهو ما يستلزم بذل المزيد من الجهد والعطاء ومضاعفة العمل الدؤوب وجذب المزيد من الإستثمارات والاهتمام بمجال البحوث والتطوير لزيادة الإنتاجية وتعزيز قدرات القطاع الصناعى الوطنى والمساهمة فى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
أوضح وزير الدولة للإنتاج الحربي أن مسيرة البناء والإنتاج مستمرة، ويتم الحرص بشكلى دائم على تطوير المنتجات النمطية لشركات الإنتاج الحربي وإستحداث منتجات جديدة، مضيفًا أن الوزارة نجحت خلال السنوات الأخيرة في تصنيع منتجات عسكرية بعقول وأيدي مصرية مثل راجمة الصواريخ على مركبة مدرعة ذات جنزير "رعد 200" والمركبة المدرعة "سينا 200" والرشاش متعدد الأغراض والصلب المدرع، وذلك في إطار حرص الوزارة على توطين أحدث تكنولوجيات التصنيع العسكرية التى تناسب الاستخدامات العملياتية لقواتنا المسلحة ومهماتها القتالية، إضافة لتوفير الصيانة اللازمة لمختلف الأسلحة والقطع العسكرية، بما يسهم فى امتلاك القوة والقدرة على الردع.
إنتاج الصلب المدرع واحدة من أهم وأحدث قصص النجاح التى صاغها أبناء الإنتاج الحربي فى ملف التوطين، حيث نجحت وزارة الإنتاج الحربي فى توطين تكنولوجيا صناعته بإحدى شركاتها التابعة وهى شركة أبو زعبل للصناعات الهندسية "مصنع 100 الحربي"، وتعد وحدة إنتاج الصلب المدرع داخل الشركة "مصنع 100 الحربي" الوحيدة من نوعها فى مصر والشرق الأوسط، وبداخلها يتم إنتاج ألواح الصلب المدرع عالى الإجهاد محلى الصنع بأكثر من سُمك ووفقًا لمواصفات فنية دقيقة، وذلك تحت إشراف هندسي وإدارى على أعلي مستوى من الكفاءة، وبالتعاون مع إحدى شركات القطاع الخاص الرائدة فى مجال صناعة الصلب، وقد أجريت عليه جميع التجارب والاختبارات اللازمة سواء اختبارات "كيميائية/ ميكانيكية/ ميتالورجية/ بالستيكية/ وغيرها"، وذلك فى إطار توجيهات القيادة السياسية لتوطين صناعة الصلب المدرع فى مصانع الإنتاج الحربي لما تمتلكه من إمكانيات تكنولوجية وتصنيعية متميزة، ويمثل هذا الأمر إنجاز كبير في مجال التصنيع العسكرى بمصر لأن الصلب المدرع منتج إستراتيجى يمثل أساس صناعة المعدات القتالية والدفاعية من عربات مدرعة ودبابات، ويساهم فى تحقيق الإكتفاء الذاتي من الصلب المدرع المنتج، مما يوفر العملة الحرة التى كانت تُخصص لاستيراده من الخارج ويساعد الدولة المصرية فى تفادى أى حظر على توريده قد يُفرض من جانب الجهات الخارجية المنتجة له.
تعد راجمة الصواريخ على مركبة مدرعة ذات جنزير "رعد 200" من أحدث المنتجات العسكرية المتطورة التى تصنّعها شركات الإنتاج الحربي، والتى شرفت وزارة الإنتاج الحربي بقيام السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى بتفقدها خلال جولته بالنسخة الماضية من المعرض الدولى للصناعات الدفاعية "EDEX 2023". وجاءت "رعد 200" نتيجة تضافر جهود عدة شركات ووحدات تابعة للإنتاج الحربي لتصميمها وتنفيذها بعقول وأيدي مصرية وبنسبة تصنيع محلى تبلغ 65% تقريبًا فى إطار مساعى الوزارة لزيادة نسبة المكون المحلى فى صناعاتها العسكرية، ومن مميزاتها أنها مزودة بجنزير مما يساعدها على التحرك بكفاءة ومرونة فى المناطق الوعرة التى لا يمكن للعجلات المرور عليها، وتصميم كابينة الراجمة فريد لا مثيل له فى العالم، ويتم استخدامها آليًا.
المركبة المدرعة "سينا 200" هى ناقلة جند مدرعة متعددة المهام وتعد من أبرز المنتجات العسكرية لشركات الإنتاج الحربي، والتى تم تحديثها بمحرك جديد يعمل بقدرة (360) حصان وتم تعديل المحتوى الداخلى للمركبة والرشاش المتعدد بها بما يتناسب مع متطلبات القوات المسلحة، وتتميز "سينا 200" بأنها مزودة بشباك حماية من المقذوفات أثناء العمليات بأقل وزن ممكن للحفاظ على سرعة المناورة وخفة الحركة مع سهولة الفك والتركيب على المركبة، فقدرتها الحصانية عالية لذلك تبلغ سرعتها القصوى (45) كم/ساعة على الأراضى غير الممهدة و(65) كم/ساعة عبر الأراضى الممهدة، وهى ضد التفجيرات والألغام الأرضية، وإنتاجها داخل مصنع إنتاج وإصلاح المدرعات "مصنع 200 الحربي" يجعلها مصدر فخر لمصر، ويعكس قدرتها على تصميم وتطوير مركبات عسكرية بالكامل.
تحرص وزارة الإنتاج الحربي على إقرار العديد من البحوث التى تستهدف تطوير التكنولوجيات المستخدمة فى الإنتاج، وفى هذا الإطار تم تنفيذ بحث لتوطين تكنولوجيا إنتاج الرشاش المتعدد "7.62*51 مم" بإستخدام خطوط الإنتاج الحديثة داخل شركة أبو زعبل للصناعات المتخصصة "مصنع 300 الحربي"، وتم إقرار العينة بعد اجتياز كافة الاختبارات المعملية والميدانية المطلوبة بمشاركة وتعاون وثيق مع القوات المسلحة المصرية، والرشاش المتعدد هو صناعة مصرية خالصة بعقول وسواعد مصرية تصميمًا وتنفيذًا بنسبة 100%.
وإلى جانب تنفيذ مهمتها كركيزة أساسية للتصنيع العسكرى بمصر، يتم الاستفادة من فائض الطاقات الإنتاجية بشركات وزارة الإنتاج الحربي التابعة لتصنيع مجموعة واسعة ومتنوعة من المنتجات المدنية التى تلبى احتياجات المواطنين، إلى جانب المشاركة الفعالة فى تنفيذ العديد من المشروعات القومية التى تساهم فى تعزيز التنمية الشاملة والمستدامة بالدولة، وتولى وزارة الإنتاج الحربي إهتمامًا كبيرًا بالبحث العلمى وربطه بالصناعة، إيمانًا بأهميته لتوطين تكنولوجيات التصنيع الحديثة بخطوط الإنتاج بالشركات التابعة وبما يخدم تطوير المنتجات النمطية للشركات وإدخال منتجات جديدة يتم إضافتها إلى عائلة منتجات شركات الإنتاج الحربي سواء العسكرية أو المدنية، بما يخدم الوطن والمواطن.
اترك تعليق